الجزيرة: هذه تفاصيل المخطط الإماراتي للإضرار باقتصاد قطر
هوية بريس – وكالات
أخذت الخطة الإماراتية للإضرار بالاقتصاد القطري منعطفا جديدا بعدما طلب مصرف قطر المركزي في خطابين لكل من الخزانة الأميركية ولجنة تداول عقود السلع الآجلة التحقيق مع الوحدة الأميركية لبنك أبو ظبي الأول لدورها في شن حرب مالية على قطر.
ويؤكد خبراء اقتصاديون وقانونيين أن الطلب القطري يشير إلى وجود دلائل على تورط بنك أبو ظبي الوطني وحكومة أبو ظبي في التلاعب بالعملة وأسواق المال القطريتين، مؤكدين أن التلاعب العمدي بالعملة المحلية لأي بلد بغرض إضعافها يعد جريمة تعاقب عليها القوانين والتشريعات المحلية والدولية.
ويقول مكتب المحاماة الممثل لمصرف قطر المركزي في الخطاب المرسل للخزانة الأميركية بتاريخ 26 فبراير الماضي -واطلعت عليه رويترز- “نعتقد بأن بنك أبو ظبي الوطني شارك في مخطط استثنائي وغير شرعي لشن حرب مالية على قطر، بما في ذلك التلاعب في العملة القطرية وأسواق الأوراق المالية في قطر”.
ويضيف مكتب المحاماة في خطابه للخزانة الأميركية أنه يشتبه في أن بنك أبو ظبي الوطني يدفع الريال للهبوط خلال فترات ضعف السيولة، مثل عطلة عيد الأضحى في العام الماضي؛ “ليعزز الرواية المصطنعة بأن العملة تتعرض لتقلبات متزايدة، وأن اقتصادها غير مستقر لدرجة لا تسمح بالاستثمار”.
ويتابع الخطاب أن “أسعار بنك أبو ظبي الوطني، والبنوك الأخرى المشاركة في التلاعب، كانت جميعها زائفة على الأرجح”.
ويؤكد الخطاب أن “ثمة أدلة على أنه في الوقت ذاته الذي عرض فيه بنك أبو ظبي الوطني الأسعار مرارا عند مستوى أقل من السعر الرسمي البالع 3.64 (ريالات للدولار الواحد)، فإن متعامليه لم يرغبوا في إبرام صفقات فعلية عند هذه الأسعار”.
ويضرب مكتب المحاماة مثلا بما حدث في 22 نوفمبر 2017، حين طلب طرف من بنك أبو ظبي الوطني تنفيذ صفقة، إذ أبلغ ممثل البنك الطرف الراغب في الشراء أنه لا يملك ريالات لتنفيذها.
لكن بنك أبو ظبي الوطني -بحسب الخطاب- توقف عن إعلان أسعار للريال في ديسمبر، بعد أن تعهدت قطر بإجراء تحقيق.
وبالفعل، أعلن مصرف قطر المركزي في ديسمبر الماضي أنه بدأ تحقيقا قانونيا في محاولات الإضرار بالاقتصاد القطري عن طريق التلاعب في أسواق العملة والأوراق والمشتقات المالية.
وجاء ذلك في أعقاب كشف موقع إنترسبت الأميركي الاستقصائي عن أنه حصل على وثائق من بريد سفير الإمارات بالولايات المتحدة الأميركية يوسف العتيبة تكشف عن وجود خطة إماراتية لشن هجوم على النظام المالي في قطر ومحاولة سرقة استضافتها كأس العالم.
الموقع ذكر وقتها أن أحد أهداف الخطة الإماراتية إجبار قطر على مشاركة استضافة كأس العالم 2022 بعد الإيهام وفق حملة علاقات عامة بأن الوضع المالي لقطر متردٍ، وأنها لم تعد قادرة على بناء وتشييد المنشآت اللازمة للاستضافة.
ماذا بعد؟
يقول المحامي يوسف الزمان إن الخطوة التي اتخذها مصرف قطر المركزي هي وسيلة من الوسائل التي تتيحها التشريعات المحلية والدولية، إذ يجوز لأي دولة طلب التحقيق القانوني من أي جهة مختصة في وقائع تتعلق بمحاولات الإضرار باقتصادها، ومنها التلاعب أو الترويج لمعلومات غير صحيحة للإضرار بعملتها الوطنية بهدف إضعاف قيمتها بأسواق الصرف العالمية.
ويضيف في حديث للجزيرة نت أنه “وفقا لما نشر من وقائع فإن هناك قرائن تدل على أن أحد البنوك الإماراتية تعمد الترويج لمعلومات وأفعال بهدف زعزعة الثقة في العملة القطرية، وإذا تأكد ذلك فإن ما قام به البنك يشكل أفعالا غير مشروعة للتلاعب بأسعار الريال القطري، وسوف تتحدد الخطوة المقبلة على ضوء النتائج التي سوف تسفر عنها التحقيقات، وهي التي ستحدد جهة الاختصاص لتقديم الشكوى إليها، سواء أكانت المحاكم الأميركية أو المؤسسات الدولية المتخصصة في هذا الأمر.
ويوضح الزمان أن التلاعب العمدي بقصد إضعاف أي عملة لأي دولة يعد جريمة تعاقب عليها القوانين والتشريعات سواء المحلية أو الدولية.
ويشير إلى أن أي دولة من حقها أن تحمي اقتصادها وعملتها من أي تلاعب متعمد، سواء أكانت من أطراف داخلية أم خارجية، مستندة في ذلك إلى قوانين العقوبات السارية في معظم الدول التي تضمن حماية الأمن الداخلي والخارجي لكل دولة.
وحول دلالات ومآلات الخطوة القطرية الجديدة، يقول الخبير القطري المتخصص في السياسة النقدية خالد الخاطر إن ما تم الكشف عنه من قبل المحققين القانونيين يأتي في إطار الإجراءات القانونية التي اتخذتها قطر في سياق التحقيق في التلاعب بعملتها.
ويضيف في حديث للجزيرة نت أن طلب التحقيق يشير إلى وجود دلالات على تورط بنك أبو ظبي الوطني وحكومة أبو ظبي في التلاعب بالعملة القطرية وأسواق المال.
ويتابع أن ما تم الكشف عنه كان منتظرا، و”نتوقع أن تتكشف المزيد من الحقائق في المستقبل”.
ويؤكد أنه ما دام مكتب المحاماة قد تقدم بهذا الطلب لوزارة الخزانة الأميركية وبعض الجهات الرقابية؛ فمن المفترض أن تستجيب هذه الجهات لطلب التحقيق الذي طلبته قطر”.
ولم يستبعد الخاطر أن تؤدي التحقيقات إلى الكشف عن أدلة تدين الجهات المتورطة في التلاعب بالعملة القطرية.
وعبر الخاطر عن اعتقاده بأن حكومة أبو ظبي لن تألو جهدا متى سنحت الفرصة لإيذاء قطر والإضرار باقتصادها، لكنه استدرك بالقول “لن تستطيع ذلك”.
تفاصيل الخطة
يشرح مدير موقع إنترسبت في مقطع نشرته قناة “تي واي تي” على يوتيوب تفاصيل الحرب المالية الإماراتية على قطر.
وتقوم الخطة التي وضعتها الإمارات بالتعاون مع بنك هافيلاند للتلاعب بالسندات القطرية على شراء هذه السندات، وإضافة سندات أخرى عليها، ثم وضعها في صندوق استثماري سري خارج البنك، ويلي ذلك شراء تأمين الديون السيادية، وهو مبلغ تأمين في حال عجزت الدولة عن السداد، ذلك أن انخفاض قيمة السندات يعني ارتفاع قيمة تأمين عدم سداد السندات.
وبحسب الخطة، ستقوم الإمارات بشراء مبلغ تأمين عدم سداد ديون قطر، ثم ستنخرط في عملية تلاعب تسمى “تلوين الشريط” الذي يظهر أسفل الشاشة في سوق الأوراق المالية، الذي يظهر كل الصفقات المباشرة.
وتقوم الخطة على القيام بعمليات بيع وشراء وهمية، كأن هناك تداولا مستمرا على سندات، بيد أن الحقيقة عكس ذلك، لأن عمليات البيع يقوم بها كيان واحد أخذا وعطاء.
ووفق الخطة، فإن المضاربين سيرون شيئا مريبا في شريط التداول، ولأن قطر تحت ضغط الحصار، فسيسعون للتخلص من هذه السندات مخافة هبوط قيمتها، وهناك سترتفع قيمة التأمين الذي اشترته الإمارات.
ويقول مدير موقع إنترسبت إن ذلك كله يأتي بهدف الضغط على قطر والتأثير على عملتها، ومن ثم اضطرار قطر لسحب استثماراتها للحفاظ على ربط عملتها بالدولار.
زوايا أخرى للحرب
شرحٌ آخر للحرب المالية والاقتصادية الإماراتية يقدمه الخبير القطري خالد الخاطر، ويبدو قريبا جدا من الشرح الذي قدمه مدير موقع إنترسبت.
إذ يقول الخاطر “كان هناك تآمر على الريال من خلال إيقاف التعامل به في بعض الأسواق الخارجية أواخر يونيو الماضي؛ بهدف إثارة القلق وخفض قيمته، وقاد هذه الحملة ملياردير من الجنسية الهندية يقيم في الإمارات يدعى “Bavaguthu Raghuram Shetty” ويتملك (جزئيا أو كليا) مجموعة صرافة الإمارات، وشركة صرافة “ترافليكس”.
ولقد كانت هناك محاولات لزعزعة استقرار القطاع المصرفي والضغط نحو خروج الودائع ورؤوس الأموال، ولكن الحكومة تدخلت بالسرعة والوقت المناسبين -حسب الخاطر- الذي يوضح أن خطة الإضرار بالاقتصاد القطري قادها بريطاني يدعى ديفد رولاند، وهو يمتلك بنك هافيلاند.
وتقوم الخطة الإماراتية -وفق الخاطر- على جمع أكبر قدر ممكن من سندات الدين القطرية بصورة خفية، في حين تشتري الإمارات تأمينات هذه الديون -التي تستخدم لدفع الدين في حالة الإفلاس- لتعرضها في ما بعد بتأمين مرتفع، ولكن من دون بيعها، ثم بعد ذلك يتم التلاعب بهذه السندات بيعا وشراء بسرعات عالية وأسعار منخفضة، لكن العملية محصورة بين أطراف معينة ضمن دائرة مغلقة حسب خطة متفق عليها (تآمر) مسبقا.
والهدف من هذه العملية -يقول الخاطر- هو الإيحاء بأن هناك حركة تعامل كبيرة على السندات القطرية، وبأسعار منخفضة؛ مما يعطي تصورا بأن هناك خللا ما يحدث في قطر، كصعوبات اقتصادية أو حالة عدم استقرار اقتصادي أو سياسي، بفعل ضغوط الحصار عليها وحالة التوتر والأزمة السياسية الحادة مع جيرانها، مما سيدفع في النهاية المستثمرين الحقيقيين للتخلص من السندات القطرية، ومن ثم سيؤدي ذلك إلى انخفاض قيمها.
وهذا الفعل -يشرح الخاطر- سيؤدي إلى المزيد من الهلع، ويدفع المستثمرين -في السندات والأصول القطرية، وكذلك الجمهور من حملة الريال وأصحاب الودائع- إلى سرعة التخلص من العملة القطرية، وربما أيضا الاستثمارات والأصول المقوّمة بها. وفي النهاية سيؤدي ذلك إلى خروج رؤوس الأموال وانخفاض قيمة العملة وربما تهاويها أو انهيارها التام، حسب الافتراضات الإماراتية.
فشل
لكن الخاطر أكد في مقال خص به الجزيرة نت في وقت سابق أن فرص نجاح هذه الخطة كانت ضئيلة جداً لعدة أسباب، منها محدودية عرض الريال القطري في الأسواق الخارجية، وكون معظم السندات القطرية في حالة غير سائلة (محدودة التداول)، بجانب تمتع السندات السيادية القطرية بتصنيف ائتماني مرتفع.
كما أكد أن مستوى الاحتياطات النقدية والسيادية الضخم من الصرف الأجنبي لدى المصرف المركزي والحكومة جعل نجاح هذه المحاولات صعبا.
الخاطر لفت أيضا إلى أن خطة الإضرار بالعملة القطرية بمثابة مغامرة غير محسوبة العواقب، فهي “سيف ذو حدين”؛ ذلك أن دول مجلس التعاون الخليجي هي منظومة واحدة وترتبط عملاتها بالدولار.
فكسر نظام سعر الصرف في أفضل الاقتصادات الخليجية أداء -يقول الخاطر- قد يرتد على من دبر له، ويؤدي إلى انتشار العدوى إلى بقية الأعضاء وإشعال أزمة سعر الصرف في المنطقة، التي تعاني أساسا من ضغوط مالية وصعوبات اقتصادية بسبب انخفاض أسعار النفط.