“الجنس السياسي” سلاح الإخضاع قضية هاجر الريسوني وآخرين
هوية بريس – إبراهيم الطالب
تعددت القضايا الإجرامية التي تكون موضوعاتها “الجنس”، وتراوحت بين الاغتصاب والقوادة والدعارة والزنا واللواط والاتجار بالبشر والإجهاض والقذف، ولخطورة تصريف الشهوة وآثارها المختلفة على الفرد والأسرة والمجتمع، تواترت الشرائع والقوانين على تجريم ارتكابها خارج ما تحدده وتقرره.
وما دام “الجنس” طبيعة بشرية، وغريزة جبلية في الإنسان، فإشباعها حاجة ملحة في حياة البشر، لكن يبقى التسيب في تصريف الشهوة مدمر للحياة الطيبة؛ لذا ارتبط الجنس فِي المجتمع المغربي على غرار المجتمعات المسلمة بالأعراف والدين قصد تنظيمه، ومن هنا كانت العفة والطهر والبعد عن رذيلة الزنا مؤشرا يحدد صلاح الإنسان وأهليته في أن يشارك في الإصلاح، و يمكِّنه من أن يبني لنفسه شخصية “المصلح” التي تخول له النقد والتوجيه وتؤهله ليمارس “رقابة” على أفراد المجتمع بل حتى على من في السلطة.
وتبعا لهذا كله، اكتسب الاتهام بالفساد وخرق منظومة الطهر والعفة خطورة كبيرة، نظرا لكون الضمير الجمعي لا يزال ينظر إلى الفاسد بعين الازدراء رغم هذا التسيب الأخلاقي الذي يعرفه المغرب.
بل -كما أثبتته الوقائع-، قد يصل الإحساس بالذنب عند من سقط في الرذيلة إلى درجة الانتحار أو النفي الاختياري، أو الطرد من الأسرة والبيت، فكم انتحرت من فتاة وامرأة بسبب حملها من سفاح إثر شهوة عابرة! وكم هجر من رجل قريته أو عشيرته لفضيحة أخلاقية وقعت له لها علاقة بالجنس وممارسته! وكم تشتت من بيت بسبب وقوع أحد الأبوين في الزنا!
هذه الخطورة التي يكتسيها موضوع الجنس جعلت الاتهام به زورا سلاحا في يد الخصوم يسقطون به غرماءهم ومنافسيهم ظلما وعتوا، لذا فحمايةً للمجتمع المسلم حدد الإسلام عقوبة القذف في 80 جلدة، مع إسقاط أهلية الشهادة عن الأفاك الأثيم الذي سلك طريق التشويه بالكذب لإسقاط خصمه من أعين الناس والمجتمع.
إلا أن سلاح “الجنس” لا يقتصر استعماله على أفراد المجتمع، بل تدمنه أجهزة الدولة والأحزاب والمنظمات، فقد تابعنا قضية الرئيس الأمريكي بيل كلينتون ومونيكا لوينسكي، وقضية الرئيس الإيطالي برلوسكوني وخليلته، وصرحت وزيرة الخارجية السابقة وعضو الكنيست اليهودي “تسيبي ليفني” أنها لما كانت تشتغل في الموساد مارست الجنس لإخضاع بعض النخب السياسية العربية لمصلحة بلادها، فالجنس إذن يبقى من أكثر الأسلحة إخضاعا للخصوم.
وفِي المغرب تعددت القضايا التي عشناها في الآونة الأخيرة؛ ومنها:
– قضية رشيد غلام لانتمائه للعدل والإحسان.
– قضية النجار وبنحماد.
– قضية بوعشرين وصحافياته.
وآخرها قبل يومين:
– قضية هاجر الريسوني وخطيبها السوداني.
لن أدخل في ثبوت زواج الزميلة هاجر من خطيبها من عدمه، ولا في إثبات عملية الإجهاض من انتفائها.
ما يهمني هو التضامن مع الزميلة هاجر المستهدفة، ومن ثم الدردشة حول استعمال سلاح “الجنس” للإخضاع. وذلك لقناعتي الجازمة أن استعمال هذا السلاح القذر هو أكبر من الوقوع في الرذيلة نفسها، من حيث كونه تلاعبا بمنظومة القيم والأخلاق، وتتفيها للمقومات الدينية، وعبثا بالضمير الجمعي للمغاربة، هو جريمة مفسدة للشعب والدولة، مجرئة للجهال والرعاع والسفهاء على جريمة القذف، هو تلاعب بالقضاء، هو تلويث لسمعة الأبرياء، فما كان من هذا القبيل لا يسع نزيها ولا شريفا التغافل عنه، بل الواجب شجبه واستنكاره.
لقد تم اعتقال الزميلة هاجر الريسوني وخطيبها قبل أسبوعين من زفافهما، داهمتهما 6 عناصر حاصروهما بكاميرات في الشارع العام، لتوجه لهما تهمة القيام بعملية إجهاض غير قانونية، في حين تدل الخبرة حسب دفاع المتهمين على انتفاء تعرض الصحافية هاجر لأي إجهاض!
كل تفاصيل القضية تصب في اتجاه واحد هو التشهير وتلويث السمعة وتصفية الحسابات.
من تفاصيل القضية: “صباح أمس، مثلت الصحافية هاجر الريسوني، في حالة اعتقال، أمام وكيل الملك، برفقة خطيبها، رفعت الأمين، وهو أستاذ جامعي، سوداني الجنسية، والذي تقدم لخطبتها، منذ شهور، وكان مقررا عقد قرانهما يوم 14 من الشهر الجاري. وكان من ضمن المعتقلين، طبيب متخصص من أمراض النساء والتوليد، وكاتبته، ومساعد طبي، مثلوا جميعهم في حالة اعتقال أمام وكيل الملك، الذي أحالهم جميعا على جلسة في اليوم نفسه، في حالة اعتقال دائما.
وفي حدود الساعة الثالثة ونصف، مثلت الصحافية هاجر الريسوني، رفقة خطيبها، والطبيب، وكاتبته، ومساعده أمام المحكمة، وهناك كانت الصدمة.
القاضي أعلن لائحة التهم، وهي “الفساد، والإجهاض، والمشاركة في الإجهاض”، علما أن لا أحد من المعتقلين اعترف به، لا هاجر ولا خطيبها، ولا الطبيب، وفريقه. أكثر من ذلك، فإن ملف القضية لا يتضمن أي دليل مادي ملموس على تهمة الإجهاض“(*).
ونظرًا لما سبق:
– أولا، أعلن تضامني مع الزميلة هاجر الريسوني ومع كل مظلوم في القضية.
– ثانيا أطالب كل من يستطيع وقف هذا النوع من الابتزاز والإخضاع أن يلتحق بالمدافعين عن المظلومين، والمناهضين لحملات التشويه التي تروم الاغتيال المعنوي والأدبي لكل من لا يريد أن يكون مغنيا في “أوركسترا” التهريج والتسفيه والتتفيهوالإفساد.
– ثالثا لنا أن نساءل:
كيف في مغرب يعيث فيه فسادا من يغتصب أطفالنا الأبرياء من الأجانب البدوفيل، فينعم بعضهم بممارسة شذوذه في الفلل والفنادق، فإن فضحوا اعتقلوا ثم سفروا إلى بلادهم، وإن حوكموا، صدرت بشأنهم أحكام لا تحفظ عرضا ولا تردع مجرما؛ في وطن مثل هذا أيعقل أن تطارد فيه النخب من الصحفيين والدعاة والسياسيين والجمعويين بتهم الزنا والإجهاض؟؟
كيف في مغرب توسع فيه دائرة الإجهاض وتصدر فيه التعديلات القانونية بذلك، وتمارس فيه مئات حالات الإجهاض السري والعلني، وتوجد فيه مصحات معروفة للقاصي والداني تمارسه دون خوف أو وجل، في مغرب مثل هذا تحاصر فيه صحافية من منبر إعلامي بتهمة الإجهاض.
كيف نقبل أن تستهدف مهنة الصحافة والصحافيين، تصفيةً للحسابات؟
مَن سيعبر عن معاناة الناس من سيمارس السلطة الرابعة إن تم إخضاع كل المنابر وخطبائها؟
من سينكر الشطط في استعمال السلطة، إن قبلنا أن يستهدف منبر إعلامي وشاركنا في نحره؟؟
هل من قبيل الصدفة أن تستهدف الصحافية هاجر فِي الوقت ذاته الذي يتابع مدير المؤسسة نفسه بتهمة التحرش بموظفاته والاتجار في البشر، رغم صدور مذكرة أممية تطالب بالإفراج عنه وتعتبر اعتقاله تعسفيا وخارج القانون ورغم مناداة النزهاء بوقف هذه القضية؟؟
كيف يمكننا أصلا أن نفهم أو نستوعب أنْ تُتابع صحافية بتهمة الإجهاض في مغرب يصرح فيه وزير عدله للصحافة الإسبانية الرسمية، أنه يشتغل على ملف رفع العقوبة عن الزناة والشواذ، وتصرح رئيسة مجلسه الوطني لحقوق الإنسان أن مجلسها “الموقر” يؤازر كل المتهمين في ملفات الشذوذ وممارسة الجنس خارج إطار الزواج ويضغط في البرلمان من أجل الوصول إلى رفع العقوبات عن الجريمتين؟؟
لماذا بالتحديد والتدقيق اختيرت الصحافية هاجر في الوقت الذي يعرف الجميع أن صحافيين و”مناضلين” من طائفة أخرى يعيشون كالأزواج دون عقود شرعية تحت سقف واحد مع خليلاتهم أو عشاقهم، بل يقترفون الزنا كسلوك شائع بينهم، ولا يتابعهم أحد.
لست أدافع هنا عن سلوك الزميلة هاجر ولا عن قناعاتها ولا أستدل بشيوع الرذيلة دعما للصحافية هاجر؛ ولكني أرفض أن يستغل سلوك الإنسان أو أن يتهم زورا وبهتانا لإخضاعه بالأساليب التي يرفضها الدين والقانون وتأباها الفطر السليمة مهما كانت ديانة أصحابها أو انتماءاتهم.
إن النخبة المغربية اليوم مدعوة للتآزر والتضامن حتى تتم حماية الكلمة الحرة من القيود، وتصان الضمائر الحية من الاستعباد، وتجنب الأصوات المناضلة الشريفة من أن توضع عليها كمامات الإخراس القذرة.
———
(*) اليوم 24.
المغرب مايبغيش الميوعة هو حريص على عفة المواطنين والمواطنات وهو يبذل الغالي والنفيس لتبقى نساؤنا شريفات
merci d’enlever la photo de la femme