الحجر الصحي وتجديد الخطاب الديني
هوية بريس – حسن المرابطي
شاءت حكمة الله أن يستمر الحجر الصحي، بل الإتيان بفريضة الصيام، ان شاء الله، بالمنزل دون مغادرته لصلاة التراويح، التزاما بأمر حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم أصالة، وبعدها بالإرشادات التي تدلي بها الجهات الرسمية، في كل دولة حسب ظرفها الخاص. لكن، مداد كثيرة أسيلت من أجل محاولة الإجابة على سؤال تعلق بصلاة التراويح ومدى صحة ذلك، إن تم متابعة الإمام عبر إحدى الوسائل الحديثة كالراديو والتلفاز، حتى شهدنا شخصيات دينية مجوزة وأخرى مانعة لهذا النوع من الصلاة.
قد يدلي أحدنا برأيه في ما تم الاختلاف حوله، ليس لكونه عالما أو فقيها مفوها، بل لأنه مسلم، والمسلم لا يسمح لنفسه تقليد الآخرين مهما علت مرتبتهم، بل يتحرى ويستفتي قلبه إن اختلطت عليه الأحكام، لاسيما إن سلم منهجه وحسن عمله. ولعل المنهج السليم يقتضي منع صلاة التراويح بالكيفية التي بين أيدينا، لاعتبارات كثيرة، أقواها هي أن الصلاة من الأمور التي وجب الاستدلال على فعلها في وقت ووفق طريقة محددة، وليس إعمال بعض القياسات التي تصلح في حل المعادلات الرياضية والفيزيائية، حتى يكون منهج الفقيه يسري وفق ما سطره الفقه وأصوله في التعامل مع العبادات الخاصة، لأن ما يجوز إعماله في قضايا المعاملات، لا يصلح في العبادات، مع التذكير أن كل الأفعال الصادرة من المسلم يصدق تصنيفها من العبادة بمفهومها الشامل.
بعيدا عن الخوض في تفاصيل لها أصحابها، بل اشبعوها نقاشا على المواقع الإلكترونية بمختلف تصانيفها، نود إثارة قلب القارئ الكريم، للتأمل في النقاشات التي تدار هنا وهناك، بل حتى في بعض الفتاوى التي تصدر من جهات مختصة أو شخصيات علمية إسلامية، لتحديد مدى مواكبتها للتطورات، بشكل عام أو المتعلقة بجائحة كورونا خاصة، حتى نحاول التقاط ما استجد عندهم في الخطاب من أفكار أو أساليب، بل قل، هل الخطاب الديني عندهم في زمن كورونا يصنف من الخطاب التجديدي؟
عند الحديث عن التجديد في الدين، إنما نقصد التجديد الوارد في حديث نبينا صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا”، وليس التجديد الذي صار عند البعض يقوم على تجاوز حدود الله (المقصود بالحدود هنا هو المفهوم العام للحدود وليس المفهوم الخاص الذي يتعلق ببعض الأحكام فقط). وعليه، فإن خطاب المسلم في زمن كورونا لم يطرأ عليه التغيير كثيرا، حتى صار في طريقة ترجيحه للأمور وإصداره الفتاوى يقصي ويهمل جانبا مهما ركز عليه ديننا الإسلامي، وللتعرف عليه أكثر، لابد من الاسترشاد بالهدي النبوي الشريف في التعامل مع الأوبئة.
لقد سبق أن عالجنا موضوع الحجر الصحي في مقالة متواضعة، ولا بأس من التذكير بأهم خلاصة مساهمتنا: “إن امتثال المسلم للتوجيهات النبوية الشريفة، من التزام بلدته وبيته، أو ما يصطلح عليه بالحجر الصحي بلغة العصر، يكون بذلك قد دخل في عبادة الخالق سبحانه وتعالى، أو قل الانتقال من عبادة كان يؤديها بكيفيات وصيغ متنوعة، إلى عبادة بصيغة أخرى، يأتيها في منزله دون مغادرته إلا للضرورة كما هو معمول به، أو إن شئت قلت دخول العبد في رباط لا يخرج منه إلا مؤمنا قويا سالما وله أجر الشهيد أو شهيدا في سبيل الله، كما هو مقرر في الحديث الشريف، ذلك أن حياة المسلم كلها عبادة إن أخلص النية وجددها، ما يعني الشعور بالطمأنينة والقرب من الله اللطيف بعباده، في كل الأوقات”.
لذا، فإن للحجر الصحي أحكام خاصة، بل لا ينبغي للمسلم نقاش بعض القضايا بالطريقة المعتادة، حتى لا يلغي القيمة الروحية للحجر الصحي، من قبيل اعتبار عدم القيام بإحدى العبادات وفق الكيفية المعتادة إنما ترجيحا لمصلحة دون أخرى، حتى إن ثبت ذلك. بل الخطاب التجديدي يقتضي، ابتداء، التذكير بأجر الملتزم بالحجر الصحي والذي يعادل أجر الشهيد، ومن ثم لا بأس من إضافة دلائل وحجج أخرى، وإن كان الظرف، في اعتقادنا، يستوجب إعطاء الأولوية والتوسع في إبراز القيمة الروحية التي أتت بها الإرشادات النبوية الشريفة، والتي لم تحضى في الإعلام بالقدر الكافي من الأهمية؛ ذلك، أنه تم التركيز على الجانب المادي الملموس، غافلين أو متجاهلين ما هو أوسع وأقدر على خلق الطمأنينة في نفوس المسلمين، وأيضا التأثير على من تلهيه نفسه وتطلب منه الاستعجال في إتيان بعض الشعائر، لاعتقاده أفضليتها في كل الأحوال، ومهما كانت الظروف، حيث أنه لم يلقى توجيها يرشده إلى إحدى أعلى المراتب أجرا، وهي الشهادة، بدل مخاطبته بأن الظرف يستوجب التنازل عن فرائض من أجل الحفاظ على الحياة.
وفي الختام، إن المسلم مطالب في كل حين ووقت تجديد خطابه، بما يلائم الظروف، مستعينا بالهدي النبوي الشريف، بدل التعامل مع الأحكام الإسلامية بمنطق التفاضل بينها في زمن صارت المادية مسيطرة على قلوبنا، حتى أصبح اقناع المتلقي بهذا الخطاب أقل تأثيرا، ليس في ضعف الخطاب بقدر ما هو ضعف في المخاطَب وحتى المخاطِب، فضلا على اهتمامنا بظاهر العبادات والشعائر لدرجة أنستنا قيما روحية وإيمانية لعبادات كثيرة وإرشادات نبوية شريفة، يأتي الحجر الصحي على قائمتها بحكم راهنيته اليوم. لهذا، صار تجديد الخطاب الديني يقتضي إحياء هذه القيم الإيمانية والروحية، لتجديد صلتنا بالله ونحن في أشد الأزمات التي تمر بها البشرية اليوم.
اللهم وفقنا لتجديد الخطاب الديني وفق ما أنزلت من الذكر الحكيم.
اللهم امنحنا أجر الشهيد ونحن ملتزمين الحجر الصحي كما أمرنا حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم.