الحدود الجزائرية المغربية 1964م (2/1)

09 ديسمبر 2025 22:28

هوية بريس – ذ.إدريس كرم

نشاة هذه الحدود:

الحدود الجزائرية المغربية الحالية، هي نتاج سلسلة من الأحداث التاريخية، العسكرية بالدرجة الأولى، والتي كان لأبطالها هموم أخرى غير البحث عن حدود نموذجية، لذا فليس من المستغرب أن تبدو الآن مؤسفة! (أنظر الخريطة).

علاوة على ذلك، استندت هذه الأحداث على مدى قرن ونصف، لذلك يمكن القول بأنها بُنيت على مراحل، وأحيانا “مُصممة على عجل” إن صح التعبير، مع امتداد اعتداءات، وتجاوزات أحد الطرفين، من منطقة لأخرى.

نشأ القسم الأول من المعاهدة القديمة لعام 1845 بين فرنسا والمغرب، عقب عمليات بيجو (انتصارات إسلي) وأمير جوانفيل (قصف طنجة وموكادور).

تبدأ من خليج السعيدية غرب ميناء تمور الصغير في وهران، ويمتد على طول الساحل لحوالي عشرين كلم، مشكلا نتوء حول مدينة وجدة المغربية، ويصل إلى قمته عند رأس عصفور (على ارتفاع 1.500م، و15 كلم جنوب شرق وجدة )، مكونا نتوء عند مقام المرابط سيدي عيسى، يليه خط مستقيم لمسافة 35 كلم تقريبا حيث ثنية الساسي، عند مَمَر عُبُور جَبل عَاد، حيث تتوقف الحدود رسميا، على الأقل، حتى نهاية القرن.

في المجمل ينفتح جزء بطول 150 كلم فقط، على هضاب شاسعة، تغطيها أشجار البلوط الأخضر، رابطة منطقة وهران بالمغرب.

ومع ذلك أقرت معاهدة 1845 نفسها، دون أي قيود، بسلطة السلطان على واحة فجيج الواقعة على بعد 200 كلم جنوب ثنية الساسي.

في الوقع تشكل هذه الْمَنْخَلَة -نخيل- الرائعة الواقعة في دائرة جبل اكْرُوز، امتدادا للأطلس الجزائري، مكونة مع عشرة كصور، شكل جمهورية صغيرة، تتمتع بقدر كبير من الإستقلال. وقد ترجم هذا كما كان الحال آنذاك في ”الإمبراطورية الغنية” إلى حرية ممارسة اللصوصية.

ونتج عن ذلك حالة انعدام الأمن طيلة نصف قرن، في الجوار المغربي، مما أجبرنا على توسيع دفاعاتنا باستمرار غربا، بإنشاء سلسلة كاملة من المواقع أو مخابئ حصينة عبر الهضاب العليا، بل وحتى وفقا لحقنا ”حق المتابعة” المنصوص عليه في معاهدة عام 1845 بتوجيه ضربات الْمَسْلَخِ، بالحدود المغربية، ومن ذلك حملة الجنرال ديمارتنبري علم1857 على كتلة بني يزناسن، شمال وجدة (احتلها الجنرال ليوطي بعد 50 عاما في بداية غزه المغربي).

وفي عام 1870 في أقصى الجنوب، حملة كولون الجنرال ديومبفن، على أعالي واد كِيرْ (حيث تطلب الإنتهاء بالحصول على موطئ قدم هناك في 1908).

في عام 1870 اندلعت مرة أخرى ثورة كبرى لأولاد سيدي الشيخ، بتحريض من عدونا القديم المغربي بوعمامة، الذي أجبرنا لتوسيع نطاق السيطرة على جنوب وهران، والوصول سنة 1880 لعتبة؛ عين الصفراء وهي منطقة صحراوية تقع بين جبال فكيك وجبال الكصور، حلقة من الأطلس الجزائري، حيث أقيم مركز جديد، لحماية غرب وجنوب غرب عين الصفراء.

وهكذا تشكل تدريجيا على بعد 300 كلم بين ثنية الساسي وفكيك، ”مقطع ثان“ (افتراضي) للحدود الجزائرية المغربية: أكثر سوء (خيط رفيع) من السابق، يمر نظريا على بعد قليل من مراكزنا المتقدمة في المنكوب، وفرطاصة، وإيش، واجنان بورزق، جاءت ملتفة وأكثر قربا من الشرق، وجنوب واحة فكيك، (90 كلم جنوب شرق عين الصفراء).

الحدود توقفت مرة أخرى أمام المركز المتطرف لبني ونيف، مَنْخَلٍ صغير منفصل عن الواحة الكبرى، وفي مرْمى نيران المدافع، والذي أصبح لسنوات عديدة المحطة النهائية لــ”مراوغة” التقدم تدريجيا من هنا؛ عين الصفراء إلى اجٌنان بوريزق، ووديفريير.

استمر هذا الوضع على حاله حتى بداية قرننا هذا (xx)

دون تحذيرات متكررة لشاغلي هذه المركز القفراء.

في الوقت نفسه، كانت الأحداث تتسارع في نقاط أخرى، مع الإختراق الفرنسي للمناطق الصحراوية، شديدة الخجل لغاية 1900 مع هوائيَّيْن غير مستقِريْن في لقليعة ووركلة، وقد تم تسجيل تقدم هام عبر تقدم بعثة علمية للأستاذ افلاماند لغاية عين صالَح، (420كلم جنوب لقليعة) تحت حراسة مشددة للقبطان بين:

في عين صالح، عاصمة تدكلت من جهة، وعاصمة اتوات من جهة أخرى، على عتبة بلاد تاركي، مفترق الطرق بين اتجاه الهكار من جهة، والذي لتوات من جهة أخرى، الإحتلال العرضي لهذه الواحة، الذي كان مؤقتا فرضته مهمة البعثة العلمية، التي كان من الممكن أن تتعرض للخطر بشكل كبير، بسبب تردد الحكومة الفرنسية وقتها وعدم تعيين قائد أعلى لحدود جنوب الجزائر.

في 1901 قرر ليوطنا كولونيل لابيرين الإحتفاظ بها رغم الصعوبات. بفضل الإبداع في استخدام الموارد المحلية فقط لسرية مهارسه المميزة، موسعا تدريجيا عملية تهدئة الصحراء.

ابتدأ باحتلال تيديكلت بالكامل، تبَّعها باتوات البعيدة إلى الغرب، (350 كلم من عين صالح في أدرار) بعدها رجع نحو الشمال، حيث الساورة (590 كلم من أدرار باني عباس)، والتي خاض فيها معارك ضارية ضد البربر خلال عامي 1901 و1902.

ومن هناك لم يعد بإمكانه سوى انتظار مساعدة زملائه بجنوب وهران، إذ لا تفصل بين بن عباس وبني ونيف سوى 250 كلم، عبر واد زوزفانة، الخارج من واحة فكيك، والمُلتَقي بواد كِيرْ، عند اكصَر إيكْلي، ليكون واد الساورة.

ولتحقيق هذا الاتصال، أنشأت دائرة الساورة مركزا في إكلي على بعد 70 كلم شمالي بني عباس، ضمن حدود عين الصفراء، مطلقا هوائي اتصال أكثر كفاءة لتغطية نخيل تاجيت، في الزوزفانة على بعد 156 كلم جنوب وسط بني ونيف.

وهكذا وجدت الصحراء الغربية نفسها في حلقة شاسعة من عين صالح، إلى بني ونيف، تضم كامل العرق الغربي (500كلم طولا، على 200كلم كمعدل عرض ) يحدها من الجنوب ممر كورارة، الذي يربط لقليعة بالساورة.

لم يكن له خيار سوى المضي قدما في تطهير كرارة بكولون قوي، واحتلال تيميمون، الذي كان مركزها ما يزال هدفا لهجمات لا تنسى.

هذه الحوادث ينبغي أن يتم تذكرها، لتأثيرها الفوري في الوضعية، على التخوم الجزايرية المغربية.

نشأت الحاجة إلى الإستخدام من الآن فصاعدا بني ونيف، بني عباس، كطريق لتموين الساورة واتوات، مختصرة بشكل هائل، ناهيك عن التسهيلات المقدمة من قبل السكة الحديدية، مهما كان الأمر متواضعا، فقد تمَّ ربط بني ونيف بوهران.

ومع ذلك نجد تحديات جديدة، لم يتردد بربر جنوب المغرب في مضاعفة اعتداءاتهم ومضايقتهم للمراكز، ومهاجمتهم القوافل العسكرية والأهلية، تموين تاجيت على وجه الخصوص، صارت عملية حربية تتطلب خفرا كبيرا مرافقا، يشعل أحيانا معارك دامية.

كان عليها أن تتعامل، لا مع “غزوة” عادية، ولكن مع ”حركة“ حقيقية، تكونت بمشاركة السلطات المغربية في تافلالت.

الحاكم العام في الجزاير نفسه جومار، تم اختطافه تقريبا، في ربيع 1903، في كمين بمضيق ازْناكة، بين فكيك بني ونيف، على أطراف واحة نخيل.

تزايدت حالة الفوضى، في التخوم الجزايرية المغربية، وازداد الوضع سوء، لأن الحكومة الفرنسية تخلت حتى عن “حق المتابعة” فمنعت رسميا أي تسلل إلى الأراضي المغربية، التي كانت حدودها من هنا لبني ونيف معدومة، لأن الحدود الرسمية تتوقف بين بني ونيف وفكيك.

ومع ذلك، وبفضل الإتصالات مع تاجيت والساورة، تم تثبيت بشكل تعسفي، على قمة هضبة بجبل بشار رابط هوائـي اتصال، لمسافة مائة كلمتر طولا، والذي يطل من مسافة قصيرة على وادي الززفانة، الطريق نفسها لتاجيت، خيار سيء للغاية، لأنه يجبر الخط الوحيد الممكن للتموين، من عبور سلسلة من التلال التي كانت محظورة!

كان هذا يمنح الخصم أقصى الفرص، بأقل قدر من المخاطر.

لحسن الحظ، تغيرت الأمور بتعيين الكولونيل ليوطي كمندار على منطقة عين الصفراء في نفس السنة 1903 وترقيته على الفور عميد “brigadier”.

بدأ ليوطي بمراجعة نظام التغطية، باستبدال غبار المراكز الصغيرة، التي قُلُّص دورها للدفاع المحض وترك لحامية الحصون الكبير مهمة التحرك لملاحقة المنشقين.

وعرض في نفس الوقت ”أن يأخذ قسطا من الراحة” أمام بني ونيف، وتأمين حماية أفضل، لمواصلاته مع تاجيت، والساورة.

من أجل ذلك كان لابد من توسيع نطاق احتلاله للمنطقة الواقعة وراء جبل بشار، وإقامة حاجز على بعد 100 كلم، ينطلق من بني ونيف للإستيلاء على مفترق طرق مهم، ومساكن المنشقين التي يطلق عليها بِخُبْثٍ اسم نخل بشار، اسم لم يجرأ أحد على نطقه.

والهدف كان هو التحايل على الحظر الحكومي -الذي يمنع التوغل في الأراضي المغربية بدعوى مطاردة المنشقين- ليس فقط لقطع أجنحة ليوطي، ولكن كدبلوماسية ماهرة، كي لا يخرق الإلتزام الدولي.

بيد أنه استخدم حيلة لتحقيق تطلعه الإحتلالي لمنطقة بشار، معتمدا على جهل مسؤوليه بالخريطة فقام بزرع مركز قوي قرب حافة واحة بشار، سماه “كولوم” -تيمنا بضابط استطلاع قتل قديما في المنطقة- وربط هذا الاسم باسم بشار، وأطلق التسمية على كل المنطقة، واحْتَلَّها.

لقد مكن الحاكم العام للجزاير جونار الذي كان يثق في ليوطي، أن يجعل الحكومة الفرنسية تعترف بالوضع، وأن التقدم وقع في كولومب، ولن يتجاوز بشار، ولم يكشف عن الإسم الجديد لمركز “كولومبشار” إلاَّ لاحِقا، حيث قبلت باريس بالأمر الواقع، من خلال مجموعة غريبة من الكلمات المتنافرة.

بعد احتلال بشار، كان من الضروري إقامة نهاية أخرى للحدود -افتراضيا على الأقل- بين الجزاير والمغرب.

اعتمدنا لعدم وجود خيار أفضل، قمة جبل اكْرُوز، الذي يوجد على بعد 60كلم من الشرق إلى الغرب من فكيك ممتدا على طول الشمال المؤدي من وَنِّيفْ إلى بشار، بعيدا عن لمْرِيجا، هناك مركز متقدم في أرض لقنادسة المعدنية، (24كلم شرق بشار) حيث الفحم مكشوف على سطح الأرض، وكان خط الغلاف سيضيع في لحمادة، إنه في هذه الأنحاء المهجورة، يقال لها حمَّاكير، أنشئت قاعدة من أجل تجريب (قنبلة خادعة) وصواريخ.

وهكذا في سنة 1903-1904 تم إنشاء فرع ثالث للحدود الجزايرية المغربية، ولم يتمم بشكل جيد إلا بعد مرور 25 سنة.

يمثل احتلال بشار حدثا بالغ الأهمية، في تاريخ الحدود الجزايرية المغربية، ليس فقط كسَدَّاد وضع في طريق تافلالت، كان بمثابة كشَّاف كبير لعصابات قطاع الطرق ولكن أيضا هوائـي بداية تطويق المغرب عبر الجنوب قبل أن نجبره على الخضوع لاحقا، بعد 25 سنة، لنبدأ غزوها بالتدريج خطوة خطوة.

وتَمَّ إنشاء حامية قوية هناك، على الفور، أمرت الدائرة بالتقدم دارا دارا، من أُلنيف محمية من قبل des blockhaus ابْلوخوز ومركز قوي من منتصف ممر بن زيرك.

كانت الحياة صعبة بالنسبة للمقاولين القراصنة العابرين لجبل بشار في اتجاه الزوزفانة، فقد واجهوا مأزقين كبيرين في عام 1904؛ حصار تاجيت، من حرْكة حقيقية، وهجوم قافلة المنكار حيث دارت معركة دامية.

ولكن سرعان ما بدأت الهجمات تتوقف في نطاق معين ليتم تقليصها إلى غزوات ضعيفة، أو جيوش قليلة المشاة.

فرقة من قواة المخزن، قامت بالتعاون معنا في تدابير الوقاية من تصرفات المُعَادين لصاحب الجلالة.

تبين للجنرال ليوطي أن المهمة الضرورية التي يضعها بين عينيه هي الدفاع عن الحدود، لكن بمرونة سبق أن جربها في تونكين ومدغشقر، والتي واصل تطبيقها لاحقا في غزوة المغرب، بعد بضع سنوات سماها؛ “بقعة الزيت” متجنبا اللجوء إلى السلاح قدر الإمكان مع التركيز في المقام الأول على تثقيف الأهالي في مراكز الأسواق والمدارس والمستوصفات.

نجح المخطط نجاحا باهرا، فقد امتد النظام والأمن إلى أطراف المراكز المتقدمة، لمكافحة أعمال اللصوصية التي لا مَفَرَّ منها، طالما المغرب، غير محتل بالكامل.

في 1906 رُقِّـيَّ ليوطي إلى رتبة قائد فرقة وهران، وظلت التخوم المغربية نصب عينيه، يوسعها أكثر فأكثر، دون الحاجة لمراجعة رؤسائه في توسيع الحدود الجزايرية على حساب المغرب، إلي أن صار التوسع عاديا لا يطرح أي إشكال لديهم.

ليس في نيتنا الخوض في تفاصيل غزو المغرب، التي امتدت 27 سنة.

يلاحظ ببساطة أن الأمر بدأ على الحدود الجزايرية المغربية عام 1907 باحتلال وجدة، وفي العام التالي باحتلال بودنيب في أعالي كير، على بعد 150 كلم غرب كولومبشار، وهي مرحلة جديدة من الزحف للسيطرة على المغرب من الجنوب، باتجاه تافلالت، التي لم تحتل بالكامل حتى أوائل 1932.

بالتوازي مع هذا التقدم التدريجي، لكن من غير مواكبة تنظيمية لشساعة المساحة وكبر المسافات في تلك المناطق الصحراوية، وأمام خصم مقتصر على تشكيل غزوات، بيد أن وحداتنا الصحراوية من بشار والساورة واتوات، واصلت توسيع استطلاعاتها غربا، من خلال هجمات بسيطة الانتشار، وبكفاءة ملحوظة، بين سنتي 1926-1930 بفضل التقدم المُحْرَز في تكييف المركبات الآلية مع الصحراء.

كان التكتيك الصحراوي أكثر إيجازا واختصارا، فقد تمثل في منع الأعداء من الشرب، هم ومواشيهم..

يتبع في (2/2)..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أنظره في:

La franontiere Algero- marocaine j.Midouze

Revue des deux mondes 1964 /pp 406- 414

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
10°
16°
الخميس
16°
الجمعة
19°
السبت
18°
أحد

كاريكاتير

حديث الصورة