الحدود الجزائرية المغربية 1964م (2-2)

18 ديسمبر 2025 14:19

هوية بريس – ذ.إدريس كرم

كان التكتيك الصحراوي الذي واجهنا به الخصوم بسيطا ومختصرا، كان يتمثل في منعهم من الوصول لمواطن الماء، أي منعهم من الشرب هم وماشيتهم، أو عندما يكشفون حضورهم بطلقات خاطئة، تستهدف قطع طريق العودة للوصول إليه.

وأفضل من ذلك خلال تقدم بعضهم لنقطة ماء، حتى لا يستطيعوا الإنصراف منها؛ مهمة تم تسهيلها على المهاريس بشكل كبير، بعدما أتيح لهم استعمار السيارة عوض الجمل، لملاحقة خصم كان يتمتع بميزة معينه، إذ كان يركب ما يركبون بشكل جيد، ومتقدم عليهم مسافة، فجاءت السيارة لتضع حدا لتلك الميزات وتتفوق.

وهكذا خلال 1928 تمكن ليوطنا كولونيل ترينكيت،

كومندار دائرة بشار، مع بضع سيارات الربط، وسيارات عسكرية صحراوية، تمكن من الوصول في قفزة واحدة من قطع 300 كلم انطلاقا من بني عباس للوصول لواحات بني عباس، ملتفا حول القرن الشمالي لِعِرك الرّوِي، مواصلا الدفع بعيدا، ليحيط بخط الآبار الذي يلتقي بالحافة الجنوبية الهائلة لهضبة درعة:

أكْلاتْ ابْرابَرْ، حاسي اشْعَمْبا، تِنْفُوشِي، الخ…الطريق المفضل لقراصنة مقاطعة واد الذهب (ريو دورو)

بعد ارتفاع ثاني على بعد 600 كلم في واحة تندوف حيث توجد المياه، ومحطة للقوافل الذاهبة من المغرب لموريطانيا والسنغال، على أقل من 100 كلم من المنطقة الإسبانية، قربا بعض الشيء من خط الطول كمراكش!

لا شك أننا كنا متمركزين هناك في قلب الصحراء الكبرى،

بينما كانت قواتنا ما تزال تقاتل في الأطلس المتوسط، وظلت بودنيب دائما تابعة لبشار، لذلك لم يكن من الممكن لكومندار دائرة بشار بموارده المحدودة، أن يستقر في موقع ثابت بتندوف، مع أننا سلكنا في رحلة العودة، طريقا مباشرة، عبر اكْلاتْ، ابْرَابَرْ، اعٌبَادْلة، ولقنادسة، وتندوف، إذ لم تعد هذه الأخيرة بعيدة عن كولوبشار سوى بـ960 كلم.

وبعد 6 سنوات فقط، أي في مارس 1934 وصلت القوات القادمة من الشمال، إلى تندوف بعد تطهير الأطلس الصغير، وسوف يصل الكولونيل ترانكيت بدوره إلى تندوف مع مجموعة مركبات آلية بقيادته.

هذا التاريخ أيضا سجل مصطلح نهاية تهدئة المغرب.

وقد قمنا باستغلال المناسبة، ودفعنا بهذه المجموعة 450كلم جنوب تندوف، لإقامة اتصال مع مفرزة مهاريس موريطانية.

وهكذا تم فتح الطريق الرئيسي للسيارات المؤدي للمغرب، وموريطانيا، والسنغال، بشكل طبيعي، والتي لم يكن قطعها إلا بقوافل الجمال. وفي الوقت نفسه، تتصل تندوف مباشرة بالمحيط الأطلسي، بميناء أكادير المغربي، الذي يبعد عنها 480 كلم، وذلك عبر فُمْ لَحْسَنْ وتيزْنيت.

بسبب التقاء الحدود مع الحماية، نشأ السؤال حول تمديد الحدود الجزايرية المغربية، التي بقيت معلقة منذ احتلال بشار في حمادة كير، من أجل التمييز بين مناطق عمل مختلفة القيادات العسكرية المعنية.

الجزائر وصلت أولا لتندوف، لم تكن مستعدة للتخلي عنها، ولا عن خط نقاط المياه، التي سمح لها بالوصول إليه.

ولذلك فإننا نلتزم بالحل التبسيطي: خط واحد مستقيم.

يقطع الهضبة المرتفعة لدرعة على امتداد طولها، ويمتد غربا، حتى يلتقي بخط الطول نظريا، لحد وادي الذهب (ريو دورو)، تماما كما هو الحال شرقا لغاية حمادة كير، كما أنها مرتبطة بطريقة أو أخرى، مع المقطع الذي تم اعتماده بالفعل.

وهكذا ترك للمغرب حوض وادي درعة، الذي يشكل مجراه السفلي حدا فاصلا مع الحدود الشمالية للأراضي الإسبانية، وشَقَّه عرضيا قليلا من جهة الشمال، حاسي الشعابنة، وهو ثَلْمُ الدَّاورة الكبير، الذي تنحدر من تافلالت، التي تبقى أراضيها بالكامل في المغرب.

وهكذا تشكل الجدع الرابع والأخير، للحدود الجزايرية المغربية، بعد حوالي 90 عاما من الأولى.

حَمْلٌ مُؤْلِمٌ حَقًّا !!

من ناحية أخرى كانت الحد الإداري بين حدود جنوب الجزاير والسودان الفرنسي، والمميزة أيضا، بخط عادي مستقيم، يأتي ليمر بالقرب من تندوف، مقابل الحدود الإسبانية نفسها، لقد خلقنا بهذه الطريقة لصالح الجزاير، نتوء بارزا بحوالي 800كلم، يقطع في المغرب، طريق موريطانيا والسنغال.

العواقب لن تكون وخيمة، طالما بقيت فرنسا على جانبي هذه الحدود، التي لم تكن تعني لها شيئا، وسيصبح الوضع لا يطاق، عندما تجد الدول الناشئة نفسها وجها لوجه، في ظل هذه الـبـدعـة الـجـغـرافـيـة.

** محاكمة الحدود الجزايرية المغربية الحالية

بعد متابعة الترسيم الطويل للحدود الجزايرية المغربية، نلمس الآن جميع أوجه القصور، فالتغيرات السياسية لم يتم تصميمها للمعالجة، فيما إذا اندلع نزاع بين البلدين، أو في حالة رغبة القيام بإصلاح شامل لمسارها لتجنب الصراعات المستمرة بين البلدين.

ومع ذلك يبدو من الصعب تجاوز معاهدة عام 1845 القديمة بتعديل الإمتداد من البحر الأبيض المتوسط إلى ثنية الساسي، على الرغم من قبول المفوضين الفرنسيين لها بتساهل، فوادي كيس لا يشكل حدودا جيدة، إذا كان من الفترض منذ البداية أن يشمل هذا الإمتداد، من الأراضي الجزايرية، منطقة وجدة وسلسلة جبال بني يزناسن، وبالتأكيد الحافة الغربية للهضاب العليا، التي تقع على حوض ملوية.

لكن مع مرور الوقت استقر الرأي السياسي على الرضا بما هو كائن، وعدم تغيير مِلْكيَّة عمالة وجدة.

وللسبب نفسه، يمكن الإعتراف بالمسار الحالي للمغرب بما تحت ثنية الساسي لغاية النقطة الفرنسية القديمة في إيشْ (50 كلم غرب جنوب غرب عين الصفراء)

ومن هنا ينبغي تغيير كل شيء.

في الواقع تحيط الحدود الحالية بواحة فكيك بشكل مفرط ؛بني ونيف ليست سوى غابة نخيل ساحلية صغيرة، زرعها منذ القدم “الحراطين” التابعين لحكام فكيك، وقد رأينا أن فيما وراء هذه الحدود، قد تجاوزت باستمرار الأراضي المغربية، بداية حتى بشار في الأصل ثم امتدت لغاية تندوف، وهي في كل مكان مفتعلة زَائفَة، وغير مجَسَّمة بأي شكل من الأشكال على الأرض.

هذه الحدود فُرِضَت من القيادة الفرنسية، بدافع تهدئة المغاربة، ولم يكن لها أي مبرر من المنظور الجغرافي، فهي تخترق جميع الشبكات الهيدروغرافية التي تشكلها المياه المتدفقة من أعالي الأطلس المغربي، لتختفي في قلب الصحراء الكبرى، نحو منخفض تَنِزْرُوفْت؛ أولا هناك مجموعة كاملة من الوديان التي تتقارب نحو ساكورا، سواء الزوزفانة، أو واد بشار، وكير، ثم وادي الداورة، الذي هو امتداد لواد زيز، المصدر الرئيسي للمياه التي تغدي تافلالت.

كل حوض من هذه الأحواض، يشكل منطقة طبيعية ثانوية، ذات وحدة عرقية وسياسية وخاصة اقتصادية.

من وجهة نظر عرقية، فإن السكان المحليين على الرغم من اختلاطهم العرقي، فهم من البربر، إخوة من عرق الشلوح، الذين يسكنون الأطلس المغربي.

على الصعيد السياسي، المستمد هو نفسه، من التاريخ، لم يكن من الممكن إعادة الفوضى التي قضى عليها الاحتلال الفرنسي، إلى هذه المناطق، بل سيعيد السلطة في تلك المناطق المجاورة لأماكن احتلاله، إلى سلطان المغرب، عبر ممثله في تافلالت، والذي ينتمي بدوره لسلالته، والذي يعتبرها ومنذ زمان سحيق، إقطاعية إسمية على الأقل لجلالته الشريفة.

بل إن بعض السلاطين مارسوا، هيمنة مطلقة هناك، كما في عهد ملكنا Soleil الشمس، المعاصر لمولاي إسماعيل الشهير، الذي كان نفوذه ممتدا إلى اتوات.

من الناحية الاقتصادية، تُعَطَّل الحدود الحالية، على نحو غير سليم، الطريق الرئيسية لسفر الإبل، وطرق السيارات التي تربط المغرب بإفريقيا جنوب الصحراء وهي من جهة؛ الطرق الممتدة من تافلالت وبشار وفكيك، إلى حوض نهر النيجر، عبر منطقتي الساورة واتوات. ومن جهة أخرى الطرق الرابطة بين غرب المغرب وموريطانيا والسنغال، عبر تندوف.

جميع هذه الطرق حاليا تحت رحمة الجمهورية الجزائرية، التي على أقل تقدير، لا توحي إلا بثقة فاترة.

في المجمل، على امتداد أكثر من ألف كلومتر من فكيك إلى تندوف، تمة حدود مغربية غير مواتية إطلاقا

باستثناء… من الناحية العسكرية، حيث كما هو الحال غالبا، يمكن أن ينقلب الوضع تماما في حالة النزاع المسلح، كما نشأ للتَّوِّ فيما يتعلق بالأحداث المؤسفة في نتوء تندوف.

من الواضح أن هذا ليس سببا كافيا، للرضا بحدود معيبة في باقي النواحي الأخرى.

لقد أثبتت التجربة مرارا وتكرارا، أن الحدود التي تتمسك بخصائص تضاريسية مهمة، لا قيمة لها عسكريا، سواء للهجوم أو الدفاع.

صحيح أن الطيران يُقلل الآن من أهمية التضاريس، ويقلل من شأن الحدود، حتى في حالة الإستقرار المحدود، مع أن الرجال في زمن السلم، يدعون امتلاك القدرة على تقسيم الغلاف الجوي لإنشاء “مثل هذه المسارات الجوية“.

ومع ذلك فإن القتال في الأراضي المفتوحة دائما ما يسفر عن خسائر فادحة، حيث لا يحدد النصر إلا تفوق الوسائل، أما في هذه الحالة، فالحدود بين بشار وتندوف في كل مكان تقريبا، ذات طبيعة مصطنعة، والتي تعيبها الخريطة، بخط مستقيم ضخم، ولا يمكن أن يؤدي إلا إلى اشتباكات دامية، منذ بداية الصراع الأخير، مواجهات حاسي بيضا، وتيمجوك، مدفوعة بمخاطر آبار بائسة، لا يعرف لمن تنتمي، لأنها قريبة من ذلك الخط المستقيم الشهير، الذي لم يتجسد على الأرض.

الأمر يصبح أكثر خطورة عندما يتجاوز البعد التاكتيكي إلى الإستراتيجية؛ فالحدود المعنية، تكاد تكون غير قابلة للدفاع عنها، من الجانب الجزايري، لسبب بسيط هو أنها محاطة بطولها، وعلى مسافة قريبة، بطريق الإتصال والإمداد الوحيد المتاح للمدافعين عنها، ومع ذلك لا توفر الطبيعة أي خيار آخر على الأرض، حينها لن يكون أمام الجزايريين خيار آخر سوى استخدام القوة الجوية بموارد وفيرة… وهو ما يفتقرون إليه حاليا.

في ظل هذه الظروف، يتمتع المغاربة بميزة واضحة تتمثل في قطع إمدادات خصومهم ببساطة؛ إذ لن يحتاجوا إلا إلى التحرك في أي نقطة يختارونها على طول هذه الجبهة، الواسعة والمتذبذبة، أوحتى عند مصدر هذه الإتصالات الهشة، في المنطقة الممتدة من فكيك إلى عين الصفراء.

وفي بعض الحالات، يكفي مجرد إغلاق مصادر مائية مختارة استراتيجيا لإجبار أي فصائل مغامرة على التراجع، إن لم يكن الإستسلام في العراء.

تكفي هذه الملاحظات لكشف التهور الذي جازفت الجمهورية الجزايرية الفتية، في تعريض نفسها لمثل هذه المغامرة. ولسنا بحاجة إلى خبير استراتيجي كبير لندرك أن اللعبة على الأرجح خاسرة منذ البداية، لا سيما أنها تبدو بعيدة كل البعد عن امتلاك موارد متنوعة.

لقد قبلت بكل فرح الميراث الممنوح لها، وتركت نفسها تعمى بفخرها، بمنحها أرضا شاسعة مهما صغرت، دون أن تدرك ما تحمله من شوك، ودون أن تدرك جميع المسؤوليات التي ستتحملها كفاعل حُرٍّ.

أما المغرب، فمن الوضح أن الوضع على حدوده الجنوبية لا يطاق، للأسباب السياسية والتاريخية والإقتصادية التي سبق ذكرها.

وقبل كل شيء، لا يمكنه قبول إمكانية انقطاع اتصالاته

الموريطانية أو السودانية، ولا يمكنه تحمل حرمانه من الموارد المعدنية المكتشفة في منطقة تندوف، ناهيك عن حرمانه من مناجم الفحم العاملة بكامل طاقتها في لقنادسة على بعد 24كلم من كولومبشار.

إذا لم يكن قد أثار المراجعة على هذه الحدود من قبل بعد أن نال استقلاله قبل الجزاير بوقت طويل، لأنه كان يفتقر للوسائل اللازمة لانتزاعها من فرنسا؛ فقد كان عليه بذل الكثير من الجهد لتنظيم نفسه، وبناء قوة مسلحة محترمة، تجعله يحاول بكل تأكيد، رفع مطالبته بها بعد ذلك، على الأقل من خلال التفاوض، لو أن فرنسا بقيت محافظة على وجدها بإفريقيا الشمالية.

لقد تحركت الأمور بسرعة، عندما لم يوجد في الجانب الآخر من الحاجز، جار هيِّن ومستعد للتفاهم، على الرغم من انتمائه لنفس العرق، لاعتقاده أنه في وضع المتفوق الذي لا يتنازل عن شيء أعطي له.

الخلاصة:

لا يمكننا التنبؤ بنتيجة المفاوضات الجارية، ستكون بلا شك طويلة وحساسة، وفوق كل شيء، دعونا نأمل أن تؤدي إلى تسوية حكيمة للقضية كاملة، لا إلى حل غير مدروس، يركز على تفاصيل قليلة الأهمية، وبالتالي تحفظ بذور صراعات مستقبلية.

دون أن نحمل كثير من الأوهام حول ثقل العقل، فإن استخدام الحس السليم البسيط، في جميع الظروف التي تتعارض فيها المصالح الإنسانية، ليس من الضروري أبدا محاولة تمهيد الطريق لها، ومن هذا المنطق، أشرنا في الرسم التخطيطي، المرفق بهذه الصفحات إلى مخطط افتراضي لكامل الحدود الجزايرية المغربية، بدء من نتوء إيش (على اليسار في المغرب) وذلك بهدف الموضوعية فقط، استنادا إلى مختلف الحجج المعروضة أعلاه.

لذا فإننا نتمسك بأملنا في المساهمة مهما كان متواضعا، في إحلال السلام، ليس فقط في شمال إفريقيا التي لطالما كانت ملكنا، بل أيضا في أجزاء أخرى كثيرة من القارة، حيث إن لم نكن حذرين، فقد تظهر تهديدات مماثلة غدا، إن لم يكن اليوم، كما يتضح من صراع آخر، وقع مؤخرا بين إثيوبيا والصومال.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

Jacques Midouze

La frontiere algero-marocaine

Revue des deux mondes

Avrile 1964 /pp.414- 420.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
15°
16°
الجمعة
16°
السبت
15°
أحد
17°
الإثنين

كاريكاتير

حديث الصورة