الحدود الصحراوية للمغرب (3/1)

هوية بريس – ذ.إدريس كرم
ما الذي يجب فهمه من مطالب المغرب -كلا أو بعضا مند الإستقلال- حول الصحراء؟
لنستعين بالجغرافية الطبيعية والبشرية، ثم بالتاريخ السياسي والعسكري، لإلقاء الضوء إن أمكن على هذه المسألة.
1- الجغرافية
في سنة 1844 طلب منا سلطان المغرب السلام، بعد الهزيمة القاسية التي واجهها منا في إيسلي (14 غشت 1844)، حيث وُقع على معادة طنجة بتاريخ 10 شتنبر 1844، وقد تم الاتفاق على أن الحدود بين الجزائر والمغرب سيتم تثبيتها والاتفاق وفق الحالة المعترف بها من قبل الحكومة المغربية خلال التملك التركي حيث لم يتم أبدا تحديد هذه الحدود بدقة من قبل، فتعين الرجوع إلى الأرشيف التركي، بالقدر الذي يمكن أن يوجد عليه، وإلى التراث الشفهي، ولذلك استجوب خبيرنا الرئيس ليون روش، السكرتير الخاص السابق لعبد القادر، الذي كان سيُنهي مسيرته المهنية كقنصل عام فرنسي في تونس، زعماء وأعيان القبائل المعنية، بالإضافة إلى الجنرال التركي المخضرم، مصطفى بن إسماعيل، الذي طُلِب منه رسم خط حدودي على الخريطة.
بن اسماعيل الذي طلب منه رسم خط حدودي على الخريطة، رفض رفضا قاطعا تجاوز سفوح جبال الأطلس التَّلي، بما يعرف بــ”ثـنْـيَـة الـسَّـاسـِي“، على بعد حوالي 150 كلم من البحر، في سفوح جبال الأطلس التَّلِّي، وأعلن أنه من غير المجدي المضي قدما، في ترسيم حدودي محتمل، وأضاف أن الأمر يتعلق بالصحراء الكبرى، الأرض التي لا يملكها أحد، “الصحراء ما تَقْلاعَلِّهُودْ” لذلك تقرر أن يتم تحديد ذلك في معاهدة لالة مغنية بتاريخ 18 مارس 1845 خاصة فصلها السادس الذي جاء به:
في جنوب البلاد كصور، بمعنى كصور فكيك، هي الصحراء نفسها، وأي ترسيم حدود هناك سيكون بلا فائدة .
هذا يتعلق فقط بالتخوم الجزائرية المغربية .
بعدها أي الصحراء تمتد حتى المحيط الأطلسي، منطقة تقارب 1.000 كلم على طول حافة الدَّاوْرة، تافلالت، بَانِي، ودرْعة، وسط الأطلسين، الكبير والمتوسط، وجموع كبار قبائل رُحَّل الصحراء.
فإلى أي مدى تشكل هذه المعطيات حدودا؟
كان هذا السؤال موضوع بحث قيم للراحل روبير منطاني في المؤتمر الذي عقد بالرباط في ماي 1930،
والذي كان جدول أعماله، ضبط معرفتنا بالصحراء الغربية، وقد عبَّر عالم الإجتماع البارز عن نفسه بهذه المصطلحات “هل هناك… حدود جغرافية طبيعية تمثِّل تغييرا في الحياة المادية والإجتماعية والسياسية للناس، تُرسَم بين عالَمَيِ المستقرين والرحل؟
أم على العكس من ذلك …من خلال تحول فاتر قريب من التحجر والجمود، في النواحي المحرومة من منحدر جنوبي للأطلس الصغير إلى السهوب ما قبل الصحراوية لدرعة، بنفس الطريقة التي تندمج بها هذه السهوب تدريجيا، كلما تحركنا نحو الجنوب، مع البلدان الصحراوية، حيث يسود كبار ملاك الجمال”.
يلاحظ مونطاني أنه إذا ما نظرنا للوهلة الأولى في أوضح أشكال الوجود المادي، فإننا نميل إلى الاعتقاد بأن أرض الشعوب المستقرة ليس لها حدود ثابتة، وتمتد إلى قلب الصحراء، ولكن بمجرد عبورنا قمة الأطلس الصغير، نشعر لأول مرة بدخول عالم جديد، وهو ما أشار له شارل دوفكو بالفعل، وبنفس المصطلحات في الرواية التي تركها لنا، عن استطلاعه الشهير للمغرب عام 1884.

في الصفحات التالية من رسالته، يحلل مونتاني “الأشكال المتتالية للإنتقال بين حياة الناس في الشمال والجنوب” ويميز خمسة منها، كي يصل لآيت يوسَـى والتي تبدو لنا بمثابة الإنتقال الأخير، بين الرَّحَّال الصغير في (وادي) نُونْ، وكبار الرُّحل الصحراويين مثل الرّْقَيْبات.
ومن هناك نعْبُر لوادي دَرْعَة لنصل لَحْمَادة، التي تُعتبر وِفْقا لمونتاني القلب النابض لكُبْرى الصحراء الغربية.
مونطاني بيَّن هذا الرأي بملاحظتين إحْداها لغوية، والأخرى إن جاز التعبير مؤسَّسِيَّة؛
الأولى إذا استثنينا فخْذة ناطقة بالعربية من السّْبوعَة في منطقة إيفني، فإن القبائل الواقعة شمال وادي نون وبَانِي، احتفظت بلغتها البربرية، بينما تبنَّت قبائل البربر الواقعة جنوبا، والتي اختلطت باستمرار لخمسة قرون، مع عرب المعاقل، الذين رَحَّلوا إلى الصحراء (والذين سنعود لهم لاحقا) لغة حاكمهم.
الثانية:
وجود المؤسسة ذات الطابع السياسي الخاص المعروفة بــ”الدّْبِيحة” وهي نوع من عقود الحماية التي تربط فئة إجتماعية من قبيلة مثلا، بأجنبي يدخل أراضيها، أو يقيم فيها، وهي مجهولة تماما، شمالي وادي نون وبَاني.
في عام 1924 أعاد القبطان دينيس، تتبع رحلة شارل دوفوكو، بعد أربعين عاما من إنجازها، مشددا على الملامح، والخصائص المميزة لبَاني، استمراريتها الرائعة،
ضيق ممراتها، مما يجعلها حاجزا حقيقيا، يفصل حتما بين سكان مختلفِي الأعراق والعادات؛ الشُّلْوح القاطنين في الشمال، والرحل النُّهَاب في الجنوب، والذين يشكلون في هذه النقطة بحَقٍّ نهاية الصحراء.
في الواقع يكفي أن نلمح من بعيد بانِـي كجدار أفقِيٍّ مُثَقَّب على نحو منتظِم، وفتحات طبيعية، تعطي انطباعا بمحاكاتها جدار الصين، أوْ سُور قوي لكَصْر كبير عريق، يُظَنُّ أنه مدْرجٌ في الأرض، فاصلٌ بين منطقتين متميزتين تماما.
هذه الآراء تتوافق تماما مع مهام الاستطلاع العديدة التي نفذتها سرايانا الصحراوية، انطلاقا من الساورة والداورة، وكولومْبَشار، وتابلبالة، باتجاه الغرب، بقيادة القبطان ريسُوت، الذي وصل إلى تندوف لأول مرة عام 1925 مارا بجنوب تافلالت وبَانِي، عبر هضبة كَمْكَم
وجبل الوركزيز، وحافة درعة، وتعد هذه الاستكشافات جديرة بالملاحظة، القبطان ريسُوت سجل في تقريره:
“المنطقة نفسها منطقة رعي إبل، محدودة شمالا بخط منطلق من الساقية الحمراء، ممْتد نحو كَمْكَم والداورة،
وهكذا بغض النظر عن بعض الإستثناءات الطفيفة، تتفق الملاحظات، ومهام الإستطلاع، والروايات الواردة من الشمال والجنوب، عن وجود حدود طبيعية وإثنوغرافية، علاوة على ذلك لها حدين، أحدهما مغربي، والآخر صحراوي، بينهما مجال ما قبل صحراوي، حول أهمية ذلك، حيث تكمن أهميت الجبل الذي لا يشكل أي حاجز، بل بالعكس، فقد تم عبوره في الاتجاهين، مع خصوصية أن القبائل التي عبرتها، غيَّرت في الوقت نفسه من عاداتها وتقاليدها، الإجتماعية بطريقة مختلفة تماما، مجْموعتان من أصل واحد بعضها، يستقر في الصحراء والبعض الآخر في أراضي بربرية مستقرة، تعيشان اليوم في اختلاف تام..
…يتبع
————
la frontiere sahariene du maroc
Henry Marchat
Revue politique etrangere 1957/6/22 pp637-640



