الحرب على التفاهة.. هل ستعيد النيابة العامة الاعتبار للأمن القيمي للمغاربة؟

18 ديسمبر 2025 16:27

الحرب على التفاهة.. هل ستعيد النيابة العامة الاعتبار للأمن القيمي للمغاربة؟

هوية بريس- عبد الصمد ايشن

تخوض النيابة العامة حملة واسعة منذ أسابيع على المؤثرين المعروفين بنشر محتوى التفاهة والاسفاف على منصات التواصل الاجتماعي.

كل الأسماء المشهورة بنشر محتويات الانحراف والتفاهة أصبحت متابعة أمام القضاء، خاصة مع تزايد المطالب الشعبية بتنقية منصات السوشل ميديا من هذه السلوكات المنحرفة التي تهدد الأمن القيمي  والمجتمعي لعموم المغاربة.

فالأمر لا يتعلق حسب متابعين، بحرية التعبير على هذه المنصات بما يكفله الدستور والقانون، بل نحن أمام موجات متتالية من الهجوم على القيم والرموز والقدوات بغرض “البوز” وحده والاسترزاق.

خلية “0 تفـاهة”

في أواخر شهر نوفمبر الماضي، أثار مقطع فيديو نشره المدعو “عبد الإله مول الحوت” جدلاً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي، عقب ظهوره في مشهد يهين أستاذه السابق عبر مقارنة سيارة الأخير مع سيارة أستاذه.

هذا الفيديو سرعان ما أثار استياء عموم المغاربة، واستنكار عدد من الناشطين على منصات السوشل ميديا، أبرزهم الخبير الأمني الطاهر سعدون الذي دعا النيابة العامة للتدخل قصد محاصرة تيار التفاهة بالمغرب.

وفي هذا الصدد، شكل الخبير الأمني وعدد من المحامين خلية متابعة للوقوف ضد كل المؤثرين المعروفين بنشر الانحراف والتفاهة على السوشل ميديا.

أيضا شدّد عضو الخلية، المحامي بوشعيب الصوفي، على أن خلية “زيرو تفاهة” مستمرة في عملها “دون أي تراجع”، وأنها تعمل في إطار القانون، بعيدًا عن السب أو القذف أو التشهير، معتبرًا أن الهدف هو “تنقية الفضاء الرقمي المغربي من الانزلاقات الإجرامية” والدفاع عن المجتمع داخل المغرب وخارجه.

ووجّه رسالة إلى الجالية المغربية بالخارج، مؤكدًا أن الخلية تستمع لمطالبها وتعتبرها جزءًا أساسيًا من تحركها، باعتبارها الأكثر تأثرًا بما يجري على المنصات الرقمية.

واختتم الصوفي بالتأكيد أن لا أحد فوق القانون، وأن القضاء المغربي يقوم بدوره في استقلال تام، قائلاً: “سنستمر إلى أن يتحقق هدف زيرو تفاهة.. وزيرو عاطفة.. وحتى يصبح المجال الرقمي المغربي صفحة بيضاء”.

تهم “نشر التفاهة” تشعِل المواجهة بين أوزين وشحتان

قال محمد أوزين، الأمين العام للحركة الشعبية، غب مقال له بعنوان “مشرط الجدية لاستئصال أورام التفاهة”، أن “إدانة الفساد من قبة البرلمان تخرج التافه ذو السوابق من جحره ليكشف عن معدنه وحقيقة أساليبه ومستواه المنحط وخطه التحريري العفن وكيف يتوسل الريع عبر التهديد والمراوغة والابتزاز. هي أساليب دمر بها حياة الكثير، وأرعب بها العديد، وأجهز على مستقبل أشخاص أكيد”.

وأضاف أوزين في رده على مدير موقع شوف تيفي، ادريس شحتان “سبق وأن نبهتك إلى أنك لا تمتلك محبرة الصحفي المتمكن، وأشكرك أنك خرجت لتثبت ذلك. حشو وإطناب وركاكة. لو كان عندي وقت أكثر من 5 دقائق التي أخص بها تصويب شطحاتك، لصححت خربشاتك التي تفتقد لأبجديات التماسك والاتساق اللغوي، يا صاحب أكبر مقاولة في “الاعلام”.

وأورد مقال أوزين أن “أحد المستشرقين قال : إذا أردت أن تهدم حضارة أمة، فهناك وسائل ثلاث هي: هدم الأسرة، هدم التعليم، إسقاط القدوات والمرجعيات. أكيد أن بعض من اقتحموا عالم الصحافة والعالم الرقمي عنوة، استلهمواأسلوبهم في التواصل من المحاذير الثلاثة التي نبه إليها المستشرق. هدموا الكيان الأسرة، حين اقتحموا ب”ببونجاتهم” وهواتفهم النقالة حرمة البيوت، ناشرين غسيل الأزواج أمام العموم، متسببين بذلك في تشريد أسر وفي بعض الأحيان ارتكاب جرائم، وجر المغفلات والمغفلين إلى غياهب السجون”.

واستطرد أوزين موضحا “هدموا التعليم، حين أوحوا للنشء الصاعد بأن دخول عالم التفاهة و”البوز” ونشر المحتويات المشجعة على الانحراف الأخلاقي سيمكنهم من “الشهرة” ومن أموال “الأدسنس”، وبالتالي ليسوا في حاجة إلى التعليم. أسقطوا القدوات، حين صوروا الانحرافات السلوكية والجنسية تميزا وإنجازا، وإظهار مؤخرات النساء في “الروتين اليومي” شجاعة وجرأة”.

وسجل أوزين “ولأن الجهات المسؤولة تحركت مشكورة من أجل إحداث قطيعة نهائية مع هذا العبث غير المسبوق، حفاظا على الأخلاق العامة وصونا لصورة البلد، أحس ممتهنو التفاهة بأن سوقهم على وشك البوار التام، فسعوا إلى اقتحام عالم السياسة النبيلة، الذي يعتبر القلعة المتينة الحريصة على القيم الفضلى وعلى التماسك المجتمعي وعلى الثوابت الوطنية، التي تعتبر مصدر قوة المغرب”.

التفاهة المنتشرة.. مسؤولية “وزارة بنسعيد”

في سياق متصل، وجّه الفريق الحركي بمجلس النواب سؤالاً كتابياً إلى وزير الشباب والثقافة والتواصل، حول ما اعتبره تبديداً للمال العام من خلال توجيه الدعم العمومي لمقاولات صحفية ومنصات رقمية وإنتاجات سينمائية تروّج للتفاهة والرداءة، في غياب الحكامة والمساءلة وربط المسؤولية بالمحاسبة.

وأوضح الفريق أن الدعم العمومي، الذي أُحدث أساساً للنهوض بالإبداع والجودة وخدمة الصالح العام، انحرف عن أهدافه النبيلة، ليصبح – حسب تعبيره – قناة لتشجيع الابتذال والإثارة الرخيصة والمحتوى الفارغ، بدل دعم إعلام مهني مسؤول يحترم أخلاقيات المهنة وحقوق الصحافيين، ويساهم في تنوير الرأي العام وبناء وعي مجتمعي سليم.

وسجّل السؤال الكتابي، بالقدر نفسه، اختلالات مقلقة في منظومة دعم الإنتاج السينمائي، حيث تستفيد أعمال تفتقر إلى القيمة الفنية والثقافية ولا تحقق أثراً مجتمعياً أو إشعاعاً ثقافياً، مقابل إقصاء طاقات إبداعية حقيقية، وفي غياب تقييم موضوعي للأثر والجدوى.

وطالب الفريق الحركي وزير الشباب والثقافة والتواصل بنشر لوائح المقاولات الصحفية المستفيدة من الدعم العمومي والمبالغ المخصصة لكل واحدة منها، متسائلاً عن معايير الانتقاء المعتمدة، واستقلالية لجان الدعم، وجدية المراقبة البعدية لصرف المال العام، ومدى احترام الدستور، خاصة مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.

الرميد يشيد بتحرك النيابات العامة ضد “صناع التفاهة”

قال مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات السابق، إن النيابات العامة بمختلف محاكم المملكة قامت خلال الآونة الأخيرة بدورها القانوني في الأمر بفتح أبحاث قضائية مع بعض ناشري ما وصفه بـ“التفاهة”، ممن يسترزقون من محتويات مسيئة لقيم المجتمع وسمعة الأشخاص وأعراضهم.

وأوضح الرميد، في تدوينة له على “فيسبوك”، أن هذه التحركات تبدو مرتبطة بتوجيهات صادرة عن رئاسة النيابة العامة، باعتبارها الجهة المخول لها قانوناً حماية الحق العام، والسهر على تطبيق القانون، وردع التجاوزات التي تمس الحقوق والحريات.

وأكد وزير العدل السابق أن حرية الفكر والرأي والتعبير تظل حقوقاً مضمونة وواجبة الحماية، غير أن ذلك لا ينفصل، بحسب تعبيره، عن ضرورة حماية كرامة الإنسان من أي اعتداء، وصون سمعته من أي مساس، إلى جانب حماية القيم الأساسية للمجتمع من كل أشكال الدوس والإساءة، دون إفراط أو تفريط. معتبرا أن المحتويات التي تُنشر، خصوصاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تكون “مشبعة بالانحطاط إلى درجة القذارة”، لا يمكن تصنيفها في إطار حرية التعبير أو الرأي، ولا ينبغي التسامح معها أو التغاضي عنها، واصفاً إياها بـ“البضاعة الفاسدة المسمومة” التي قد تؤدي، إذا تُركت دون مواجهة، إلى “تسميم المجتمع واغتيال قيمه”.

وشبّه المتحدث هذا التحرك القضائي بما تقوم به السلطات العمومية في مواجهة ظاهرة البناء العشوائي، معتبراً أن تصدي النيابات العامة للتعابير السيئة والمنحطة، بكل المقاييس، يُعد قراراً إيجابياً وخطوة محمودة تستحق الإشادة، داعياً إلى الاستمرار في هذا النهج.

موجة التفاهة.. محامي: نحن أمام جرائم تمس بأمن المجتمع

وفي سياق متصل، أكد المحامي محمد شمسي أن “ما تشهده وسائل التواصل من تسيب وخرق يومي للقانون يتعين على النيابة العامة والضابطة القضائية من تلقاء نفسها أن تبادر لمواجهة هذا النوع من الجرائم، التي تستغل هذه المواقع من أجل التشهير بالأشخاص والمؤسسات بغاية استجداء المشاهدات واستغلال فضول عموم الجماهير التي ترغب في مشاهدة الملاسنات والسباب”.

ووفق المحامي بهيئة الدار البيضاء فإن “هذا الأمر استفحل وأصبح بمثابة أصل تجاري يستغله البعض، بحكم أن منهم من لا يملك تكوينا علميا أو مهنيا في مجال معين، ويستغل الوضع السائد المتمثل في غض البصر عما يجري في العالم الافتراضي”.

وسجل المتحدث نفسه أن الأمر يتعلق بـ”جرائم تتعدى التشهير وتصل إلى الخلاعة والجهر بالشذوذ الجنسي وإبراز المفاتن وما يدخل في جرائم تمس بالأخلاق وتؤثر بدرجة أولى على الأجيال الناشئة”، معتبرا أن “هذا يتطلب من النيابة العامة وجميع المؤسسات التي تملك سلطة تنفيذ القانون التجنيد لخلق خلايا تتابع عن قرب هذا النوع من الجرائم بشكل يومي، خصوصا ما ينشر داخل أرض الوطن”.

وأكد المحامي ذاته أنه “لا مبرر ولا سبب يدعو إلى عدم تطبيق القانون في حق كل من يستغل هاتفه ليقدم محتوى مسيئا للقانون ويمس بالأخلاق العامة”، وشدد على أنه “في ظل توالي وكثرة الجرائم المرتكبة بواسطة مواقع التواصل الاجتماعي، من تشهير ومن نشر الخلاعة، يجب على المشرع الجنائي الرفع من العقوبة المتعلقة بهذا النوع من الجرائم، واعتبار اللجوء إلى وسائل التواصل الاجتماعي لاقترافها ظرف تشديد، لأنه يتوفر للجاني القصد الجنائي الذي لا غبار عليه، وبالتالي رفع العقوبة إلى 5 سنوات”.

واستحسن رواد وسائل التواصل الاجتماعي الأحكام الأخيرة ضد المؤثرين الذين ينشرون المتحويات التافهة والهدامة، معتبرين أن “صناعة التفاهة” لا تكتفي بتقديم محتوى سطحي فاقد لمضمون، بل تتعدى ذلك لتصبح مصدر إفساد قيمي خاصة بين الشباب والفئات الناشئة، وهو ما يجعلها تشكل خطرا حقيقيا على الأمن القيمي و المجتمعي للمغاربة.
آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
15°
16°
الجمعة
16°
السبت
15°
أحد
17°
الإثنين

كاريكاتير

حديث الصورة