الحكمة في الدعوة إلى الله بين المفهوم الصحيح والمفهوم الخاطئ
هوية بريس – د.رشيد بنكيران
عرفت الحكمة بعدة معاني، وأرى أن هذه المعاني المتعددة للحكمة هي -في الغالب- من باب اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد، فهي تتكامل ولا تتقاطع، وتتداخل فيما بينها ولا تتصارع..:
✓ فإذا تعلقت الحكمة بالحُكم أو الفصل بين الأمور، فيقال عنها: الحكمة هي وضع الشيء في محله، فليس من الحكمة مثلا وضع البريء في السجن، وليس من الحكمة ائتمان الفاسد على المصالح العامة؛
✓ وإذا تعلقت الحكمة بالعلم، فيقال عنها:
الحكمة هي معرفة حقائق الأشياء على ما هي عليه، بحيث لا تلتبس الحقائق المتشابهة بعضها البعض، فليس من الحكمة تنزيل المتشابهات منزلة المحكمات، وليس من الحكمة تغليب المختلف فيه وتهميش المتفق عليه؛
✓ وإذا تعلقت الحكمة بالتزكية، فيقال عنها:
هي اسم جامع لكل كلام أو علم يراعى فيه إصلاح حال الناس واعتقادهم إصلاحا مستمرا لا يتغير؛
✓ وإذا تعلقت بالدعوة إلى الله، فيقال عنها:
الحكمة هي سلوك أحسن الوسائل وأقربها إلى عقول الناس وقلوبهم لكي يعوا رسالة الله إليهم.
ولهذا من الخطأ بمكان أن تحسب أن أصل مبدأ الحكمة في الدعوة إلى الله إنما شرع من أجل تسهيل عمل الداعي إلى الله، أو من أجل تفادي المآسي التي قد تلاحقه، أو الأبتلاءات التي قد تواجهه، فأعمق الناس حكمة في الوجود هم رسل الله وأنبياؤه، وقد لقوا في طريق الدعوة إلى الله الأذى الشديد من أقوامهم وأعنف الابتلاءات… فهل يتصور فيمن اصطفاهم الله أنهم قليلو الحكمة!!؟ كلا وألف كلا، بل السر في مشروعية الحكمة في الدعوة إلى الله إنما هو سلوك أقرب الوسائل إلى عقول الناس، ونهج أرفق الطرق إلى نفوسهم لحملهم على الحق وإلزامهم الصواب بإذن الله، أو إقامة الحجة الرسالية عليهم كما أراد الله…
تفسير الحكمة في الدعوة إلى الله بدفع الأذى الذي قد يلحق الداعي في مهمته ولو على حساب الحق والسكوت عن الباطل تفسير مبتدع غير شرعي.
لكن العلماء الربانيين إنما يسكتون لعارض شرعي، أو لدفع مفسدة أعظم من السكوت عن الباطل، فلعل هذا لا يقصده الأستاذ؛ فلا يفهم الكلام على غير المراد منه.