الحكومة والبوادي والكهرباء والماء الشروب!!
د. محمد وراضي
هوية بريس – الأحد 07 فبراير 2016
أسوأ الخطابات الموجهة إلى العامة، هي الخطابات الديماغوجية التي مل المغاربة منذ بداية عهد الاستقلال من سماعها حتى الآن! خاصة متى كانت ردا على تساؤلات المواطنين في مختلف المناطق المغربية. وهي هنا تساؤلات الفلاحين التي حولها النواب إلى أسئلة يشرحون من خلالها ما أمكنهم قضايا ملحة، بأسلوب منطقي واضح. والحال أن كافة الوزراء -وفي طليعتهم رئيسهم الآن- يتولون مناصب سياسية أكثر منها إدارية مباشرة للتمكن من الاطلاع على ما يجري في مختلف الأقسام أو المكاتب!
تحدث صديقي القديم -رئيس الحكومة- عن الفلاحين والعالم القروي، وما ينعم به على نطاق واسع من الإنارة الكهربائية والماء الشروب! وكأن القاطنين بهذا العالم لا يعرفون المشاكل التي تؤرق مضاجعهم عن قرب. فلو قدمنا لرئيس الحكومة نموذجا حيا لما يخالف ما ادعاه على مرمى بصر من وزارته في الضفة الشرقية لنهر أبي رقراق، لتردد كثيرا قبل الإقدام الحماسي على دغدغة عواطف مخاطبيه، خاصة عندما يترجم خطابه إلى ملايير الدراهم! منها ما تم إنفاقه خدمة للبوادي، ومنها ما هو مرصود لينفق عليها في المستقبل المنظور!!!
إن سكان ما وراء الضفة الشرقية لنهر أبي رقراق، ناضلوا كثيرا لغاية ما تمكنوا من إدخال الكهرباء إلى منازلهم في حدود 2001م. وكان أن واظب موظفو الشركة المسؤولة عن إيصال الكهرباء في البداية على الحضورن لتسجيل ما في عدادات المستفدين منها، كما واظبوا على الحضور لاستخلاص ما تتضمنه الفواتير من مبالغ مالية. ثم بدأوا تدريجيا ينقطعون عن الحضور للقيام بالوظيفة الثانية، فوجهوا السكان شفاهيا إلى أداء ما عليهم شهريا بـ”عين عودة” أولا. ثم بـ”تامسنا” ثانيا. ثم بـ”الكاموني” ثالثا. حيث أصبح لزاما على المواطن أن يؤدي على الأقل (30 درهما) علاوة على ما في فاتورته. إضافة إلى الوقت الذي يضيعه في الذهاب والعودة. وحتى وإن كان أحد موظفي الشركة يحضر الفواتير التي يضعها لدى صاحب دكان بدوار الرياح، كي يتوصل كل مواطن بفاتورته، سجلنا منذ من عام، أن تسجيل ما في العداد لم يعد واردا من جهة، وأن إحضار الفواتير منقطع من جهة ثانية! وما على المواطنين غير أن يحملوا رقم عداداتهم إلى حيث يدفعون ثمن ما استهلكوه، بناء على التخمينات والتقديرات! إذ يحدث أن يدفع أحدهم مبلغا لم يستهلك مقابله من الكهرباء، وقد يدفع أحد غيره مبلغا دون ما استهلكه بكثير، خاصة عندما يكون ضمن المستهلكين لطاقة كهربائية أكثر من غيره… بحيث يكون الحاصل -كما يقال- هو الفساد الذي يمارس دون أن تكون حكومة السيد بنكيران على علم به! إذ في الوقت الذي يجب فيه على الشركة إحداث مكتب لها قريب من الساكنة، إذا بها تجبر المواطنين على الذهاب بعيدا كي يؤدوا ما عليهم من واجبات… بينما الشركة تخشى من الخسارة إن هي اكترت مكتبا بالمنطقة لتسهل على الساكنة أداء ما في الفواتير في الوقت المناسب.
هذا عن الكهرباء وملحقاتها وهوامشها المتمثلة فيما وصفناه باختصار، مع العلم بأن هناك محاولات لحل المشكل عن طريق التخاطب مع السلطة المحلية، ومع رئيس مجلس المقاطعة. إنما حتى الآن بدون جدوى!
فماذا عن الماء الشروب الذي ادعى رئيس الحكومة بأن آلافا من القرى المغربية باتت تتمتع به وتستفيد منه؟
لنسأله أولا عمن يستفيدون من مياه سد أبي رقراق لسقي أراضيهم دون غيرهم من ساكنة المنطقة؟ أو على الأقل، ممن يستفيدون من مياه النهر التي تستطيع الدولة أن تضعها في متناول ساكنة “أوطا احصين” لسقي أراضيها التي تمد المنطقة بأكثر من منتوج فلاحي بما فيه الحليب والأبقار والأغنام والدجاج، ومختلف أنواع الخضر والفواكه؟ فهل تعجز الدولة عن مد قنوات مائية إلى منطقة هي -كما قلنا- على مرمى البصر من مقر حكومة بنكيران الحالية؟ أو من مقر الوزارة الأولى بعبارة شائعة مألوفة؟
وحتى إذا عجز رئيس الحكومة عن الحضور بسيارته الفارهة إلى المنطقة -موضوع حديثنا- فليمتط متن حوامة ليرى بأم عينيه ما يحول شكه إلى يقين؟ نقصد ليرى حرمان جيران نهر كبير من استغلال مياهه لفائدتهم التي يكفلها لهم الجوار أولا، والقانون المنصف العادل إن جرى تطبيقه ثانيا.
إنما كيف لرئيس الحكومة أن يعرف ما يجري حوله، وهو الذي غاب عنه تهديد الخنازير البرية للعاصمة الإدارية في وقت من الأوقات؟ خاصة في وقتنا الحالي، حيث القحط الذي حال دون الفلاحين والزراعة البورية التي يقتات عليها الخنزير: هذا المتوحش الذي كان سببا بكيفية أو بأخرى في تخلي بعض الفلاحين عن زراعة الذرة وبعض الخضر، فقط لأن ما يزرعونه يأتي عليه الخنزير، فيفعل فيه ما تفعله جائحة من الجوائح في المزروعات! مما يعني أن الخنازير الجائعة سوف تجد ضالتها حيث تباع الخضر والفواكه بسلا أو بالرباط على الأصح لقربه منها!!!
فمنذ مدة حاولت جمعية أبي رقراق للتنمية البشرية جلب الماء إلى المنطقة، فحصرت شركة “ريضال” التكلفة في مبلغ (630 مليون سنتيم). فتكفل المسؤولون عن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بدفع (200 مليون سنتيم). وتكفل مجلس المدينة بدفع (100 مليون سنتيم). والسكان سوف يفرض عليهم دفع ما تبقى وهو (330 مليون سنتيم). لكن عملية مد المنطقة بالماء الشروب قامت في وجهها عدة عراقيل هي هذه باختصار:
1ـ اعتراض رئيس مجلس المقاطعة السابق، بحجة أن السكان يتوفرون على آبار، وأن المنطقة في غنى عن الماء الشروب! لكن المنطقة التي يتحدث عنها لا تتوفر كلها على الآبار. ثم إن بعض الآبار بعيدة الغور في عمق الأرض، وقليلة الجدوى. والحال أن رئيس المقاطعة السابق، دخل في منافسة سياسية مع الجمعية المذكورة، فقد اعتبرها خصما سياسيا يهدد منصبه، والواقع – ونحن نعرف الطرفين كليهما عن قرب – أن الجمعية ليست كذلك.
2ـ السلطة المحلية ذاتها تكاملت مع رئيس مجلس المقاطعة الذي اقتفت أثره فيما ادعاه! فعرقلت مثله العملية التي أمر أمير المؤمنين بتعميمها في كافة التراب الوطني. خاصة وأن توفير الماء الشروب من ضمن عوائد الشعب المغربي منذ قرون وقرون. فنحن عندما نسافر على أقدامنا، أو على ظهور دوابنا نجد (نطفيات) على جانبي الطريق. هذه التي تبنى بعناية فائقة، ويتم فيها جمع ماء المطر لاستخدامه عند الحاجة. منها للتذكير “نطفيات عامة” و”نطفبات خاصة” قل أن يخلو منها مسكن قروي بعيد عن الأنهار والعيون.
3ـ هناك عرقلة أخرى تمثلها وكالة تهيئة ضفتي أبي رقراق. هذه الوكالة التي صدر -لخدمة أهدافها- مرسوم بالجريدة الرسمية لعام 2005م. يقضي بمنع بيع الأراضي، وإحداث مشاريع فوقها، ومنع الرهون الرسمية، والبناء، الخ. فعرف السكان محنة لم يعرف حقيقتها ولا اطلع عليها رئيس الحكومة الاستقلالي السابق، ولا رئيس الحكومة الحالي، ولا التفتت إليها وزارة الداخلية على الصعيد المركزي والجهوي، يكفي أن ممثليها في السلطة المحلية عملوا على تعميقها، حيث إن الأضرار التي تم إلحاقها – من جراء عمل الوكالة المذكورة – بمواطني المنطقة لا يمكننا الآن حصرها.
ولتفهم الدولة أولا بأن ضفتي أبي رقراق، لا تمتدان شمالا وشرقا إلى ما وراءهما؟ بينما تريد الوكالة أن تدخل “أوطا احصين” ضمن إحدى الضفتين. فكان أن قام السكان بوقفات احتجاجية متتالية، وكان أن تم التفاوض مباشرة مع السيد مدير الوكالة الذي ألزمناه بإلغاء نزع الملكية في المنطقة، إلى حد أن تم لنا ما طالبناه به. لكنه حتى الآن أصر على أن يجعل من المنطقة ما سمته الوكالة التي يديرها بـ”المنزه الجميل”. هذا المنزه الذي جرى الاستعداد له في الوقت الذي منع فيه بيع الأراضي، حيث حضر سمسار إلى عين المكان، فأغرى الكثيرين ببيع أراضيهم بأثمان بخسة. والهدف إعادة بيعها أو استغلالها من طرف من اشتراها لهم كوسيط، خاصة وأن الوكالة اشترت في منطقة قريبة من سلا أرضا بـ(200 درهم) للمتر الواحد. ثم باعتها بثمن (4000 درهم) للمتر في ظرف وجيز!
دون أن ننسى كون السمسار الذي اشترى هكتارات في المنطقة، لم يجد أي اعتراض، لا من طرف السلطة المحلية!!! ولا من طرف رئيس مجلس المقاطعة!!! ولا من طرف دار التسجيل!!! ولا من طرف دار المحافظة!!! مما يعني أن وراء هذا الخرق السافر للقانون أيادي طويلة خفية، لم تعتبر منع مرسوم 2005م لبيع الأراضي بالمنطقة قانونا لا يجب خرقه!!! والحال أن خرقه يعد فسادا تكافح حكومة السيد بنكيران – كما تدعي – لأجل القضاء عليه ومحقه ومحق ممارسيه معه!!!
وبين يدي الوكالة الآن تصميم اطلعنا عليه، وخاصة ما يتعلق فيه بالطرق الرئيسية والفرعية. فلزم أن لا يدخل الماء إلى المنطقة، ريثما يتم الشروع في تنفيذ التصميم المذكور (موت يا حمار)؟؟؟ هذا المشروع الذي سوف يترك خلفه آلاف الهكتارات على ضفتي نهر أبي رقراق! ومن ضمنها 800 هكتار التي كانت في ملك وزارة الأوقاف! والتي تم الحصول عليها من طرف الوكالة كذلك بأبخس الأثمان لا شك!!! بينما لم تتقدم الأشغال في إنجاز ما على الضفتين ليتضاعف تطلع الوكالة إلى إنجاز مشروع آخر خارجهما. كل ما سوف يتمتع به مستغلوه من مغاربة ومن أجانب بالدرجة الأولى، هو التملي بمنظر ضفتي أبي رقراق من الأعلى!!! في حين أن السكان يترقبون فرصة حصولهم على الماء الشروب، فضلا عن ترقبهم للحصول على حريتهم في استغلال أملاكهم بكامل الحرية، بعيدا عن القيود التي انطلقت منذ عام 2005م، والتي لا تزال قائمة حتى الآن. مع أنها لم تقيد سماسرة الأراضي المحظيين بحماية السلطات ذاتها!!!
فنكون هكذا أمام ثلاث جهات معترضة على تنفيذ أوامر أمير المؤمنين! وبالتالي معترضة على إيصال الماء إلى المنطقة. وجهة يمثلها رئيس مجلس المقاطعة السابق. وجهة تمثلها السلطة المحلية. وجهة تمثلها وكالة تهيئة ضفتي أبي رقراق كما أوضحنا للتو. ونحن في النهاية لا يسعنا غير التنديد بما جرى ويجري. آملين أن يبادر السيد رئيس الحكومة إلى معالجة هذا الموضوع المثير لتساؤلات عدة في أقرب الآجال.