“الحمام الشعبي” وحديث مع صديقي “الكسال”
هوية بريس – برعلا زكريا
بعد غياب دام لأكثر من سنتين، قررت أخيرا التوجه ل “الحمام الشعبي” بالحي الذي أقطن فيه والذي كنت معتاد التردد عليه أسبوعيا قبل جائحة كورونا، وذلك بعد أن أثقلت ظهري “الأوساخ” المتراكمة والتعب والعياء من الجري والكد ومحاولة اللحاق بقطار الحياة الذي لم يعد يتوقف أو ينتظر أحدا، خصوصا أن الاغتسال بالمنزل لا يعوض طقوس الحمام المغربي العريقة، حيث تساعد الحرارة و”الصابون البلدي” في الوصول لأعماق طبقات الجلد واستخراج أكبر قدر من المتلاشيات العضوية المتمثلة في خلايا الجلد الميتة “أعزكم الله”.
ومع دخولي لصالة الاستقبال فاجأني العامل بحفاوة الترحيب التي لم أعهدها سابقا، وهم بحمل أمتعتي بدلا عني، ولوهلة أحسست كأني دخلت فندقا من فئة خمس نجوم، وبدوره استقبلني “الكسال” بابتسامة عريضة وقد كان مرتديا ملابسه على غير عادته، وقال لي أنه سيلحق بي بعد أن تنتهي عملية التبادل الحراري بين جسمي وأشد قاعة في الحمام سخونة، بعد أن أدهن جسمي بالمادة السحرية أو الصابون البلدي. وكما لا يخفى على الجميع فهو أمر ضروري قبل عملية “فرك الجلد”.
وبعد الاستقبال الدافئ وداخل أجواء الرفاهية تمكنت لوهلة من الاسترخاء وإزاحة كل الملفات العالقة من ذهني سواء المادية أو الأسرية أو المرتبطة بضغوطات الحياة عموما.
وكأن عقارب الساعة توقفت عن الدوران ولم يعد شيء يربطني بالعالم الخارجي المليء بالمنغصات وكل أسباب التوتر، وفجأة ظهر صديقي “الكسال” مبتسما بشوش الوجه على غير عادته وهو رجل أربعيني لم يعرف الشيب بعد طريقا لرأسه، ضعيف البنية ولعل ذلك بسبب طبيعة عمله ومهامه داخل الحرارة العالية، جاحظ العينين، تكسو وجهه لحية رثة غير متناسقة.
وما إن باشر مهامه في إزاحة طبقات الجلد الميت حتى افتتح حواره معي بسؤال كان كالآتي: ” غبرتي أولد الحاج، واش كنتي فأوروبا” ؟
ودون أن أشعر ورغبة مني في عدم الاسترسال في الحديث أجبته بنعم.
وإذا بطريقته في الفرك تزداد زخما وهمة، وفهمت من ذلك أن “صحاب اوروبا” يعطونه أجرة عالية نظير مهامه العظيمة، ولأني كنت مثقلا بالأوساخ _رفع الله قدركم_ فقد ناسبني تماما أن يقوم بعمله بجهد أكبر. خصوصا وأني سألته عن محنته خلال فترة كورونا وانقطاع دخله خلال إغلاق الحمامات المطول، كما صرح لي أنه لم يستفد من أي دعم.
ثم بعد ذلك سألني عن المعيشة في اوروبا وأسعار الخضر والفواكه هناك، فأجبته أن الأسعار مرتفعة، وبالمناسبة فهو أمر متوقع بعد الاجتياح الروسي لأوكرانيا، ووصول ثمن برميل النفط لمستويات قياسية.
وبعد أن أنهى صديقي “الكسال” مهامه النبيلة على أكمل وجه أحسست كأني على متن طائرة في رحلة جوية من فئة “first class “. ثم انتابني شعور بتأنيب الضمير بعد أن أوهمت صديقي “الكسال” أن غيابي كان بسبب هجرتي خارج البلاد، حيث أنه خرج ينتظرني في صالة الاستقبال وهو يتوقع أجرة عالية ولم لا بعملة “اليورو”. وما خفف عن نفسي من تأنيب الضمير هو أنني بدوري ضحية ارتفاع الأسعار ولدي أسرة أعيلها وأفواه لأطعمها، وأنا وصديقي “الكسال” ننتمي لنفس طبقة المجتمع، البسطاء أو ذوي الدخل المحدود. فلو كان بإمكاني لأغنيته عن مهنته الشاقة، ولكن كما يقول المثل : “اليد قصيرة والعين بصيرة”.
وبعد أن أتممت ما تبقى من أشواط الحمام وارتديت ملابسي ولاحظت الفرق الكبير الذي طرأ على وجهي في المرآة، توجهت نحو صديقي “الكسال” الذي ظل مبتسما لآخر لحظة قبل أن تتبدل ملامح وجهه بعد أن سلمته ما كان بحوزتي، مع ذلك لم يبدي أي تذمر أو اعتراض كوني كنت زبونا دائم الحضور.
وفي المقابل فقد اكتويت بنفس النار التي طالت “الكسال”. فقد فاجأني عامل الاستقبال بالتعريفة الجديدة لدخول الحمام والتي ارتفعت بأكثر من 50 في المائة من الثمن المعهود، ولعل ذلك كما صرح الناطق الرسمي باسم الحكومة أن الحرب على اوكرانيا ستؤدي لارتفاع الأسعار بما في ذلك دخول “الحمام”. فهل سيستوعب صديقي “الكسال” أن الرئيس بوتين هو سبب محنته !