الخصخصة وأزمة القيم التضامنية
هوية بريس – ذ.منير الحردول
في ظل الجدل الدائر حول التناقض الصارخ بين الأقوال والأفعال، وبين القيم المرتبطة بالوطنية الصادقة، والانتهازية المتدفقة من و على الجشع في فترة الأزمات الدورية، التي تواجه البلاد والعباد وجل سكان المعمور.
وأمام واقع مرير مرتبط بأعطاب بنيوية، قد تكون موروثة أو منهجية، بنيت عليها بعض الاستراتيجيات التنموية بهدف تحريك الدورة الاقتصادية، بغية خلق نسب نمو مرتفعة قادرة على امتصاص عشرات الآلاف من العاطلين والخارجين من منظومة الحماية الاجتماعية.
وأمام تبني الدولة للنهج اللبيرالي المبني على الخصخصة، مع مايترتب عنها من اطلاق العنان للمبادرة الحرة، في أفق شراكة فاعلة، مواطنة قادرة على صيانة حقوق الأجراء والمقاولات في آن واحد.
تخرج إلينا الانتهازية والأوهام الفردانية، المبنية على الانتهازية والجشع اللامحدود! وغير المقبول لا أخلاقيا ولا عقليا قيميا.
الفضيحة التي تحولت إلى فضائح متعددة المشارب من خلال ما قام به بعض ممن ينظرون إلى المال قبل كل شيء! أولا وأخيرا، في تجاهل تام للإكراهات التي تواجه الدولة المغربية، كالضغوطات المالية والاجتماعية التي نتجت عن الإجراءات الجريئة التي قامت بها الدولة المغربية، من قبيل إغلاق الحدود البرية والجوية والبحرية، وما ترتب عن ذلك من ضرر كبير للاقتصاد الوطني والقوت اليومي لملايين الأسر المغربية.
إذ كيف يعقل للعقل المتنور، بأن يقبل بالتبريرات الوهمية الواهية، والاعتذارات المفضوحة بعد طلب دعم من صندوق! هو أصلا أحدث لتخفيف الجمود الاقتصادي والضرر الاجتماعي، الذي خلفه الوباء العالمي المجهول المنبع!
كيف يمكن لقطاعات خاصة تنهك جيوم الأسر المكمومة، وجمعت بأساليبها المتنوعة أموالا طائلة واستثمرت فقط بهدف الحصول على الأرباح الخيالية، وذلك من خلال التحايل على القانون، كقانون الشغل من خلال عدم التصريح بالأجراء في صناديق الحماية الاجتماعية، أو تغيير العمال كل ستة أشهر و عدم الالتزام بتطبيق الحد الأدنى من الاجور، علاوة على التملص الضريبي وغيرها من الأمور كثير. والتعميم لا يستقيم فهناك مؤسسات خاصة في قطاعي الصحة والتعليم وقطاعات أخرى لها صيت تضامني كبير، وانخراط جدي في تنمية البلاد والنهوض بالأوضاع الاجتماعية للمواطنين والمواطنات.
قيام ولجوء بعض المؤسسات الخاصة كما جاء على لسان وزير التشغيل، بتسريح أو دفع مستخدميها للاستفادة من الصندوق الخاص، الذي تم احداثه لتخفيف الآثار الناجمة عن تفشي هذا الفيروس اقتصاديا واجتماعيا، في المقابل حصول تلك المؤسسات على الواجبات الشهرية الملقاة على عاتق الأسر المغربية، يعد أزمة أخلاقية بامتياز، ودليل على انهيار القيم التضامنية الفعلية مقابل جشع في ظرف يتألم فيه الجميع!
فلا يعقل أن يستمر القطاع الخاص، خصوصا المرتبط بالحياة الاجتماعية الخاصة والعامة لعموم الشعب، كالصحة والتعليم أن يستمر في المسير على النهج المبني على الربح والعجرفة، والدخول فيما لايعنيه، والمتاجرة بالعلم والصحة، وتحدي الدولة والحكم عليها بالعجز في فترة الرفاه، وحين تنقلب الأمور كما يقع حاليا يستصغر نفسه، ويدعي الضعف ويزاحم الفقراء والمساكين والأسر الفقيرة في دراهم معدودة غير كافية أصلا.
الرجولة في الخصخصة هي التعفف، والانخراط في الواجب الوطني التضامني، واعطاء قيمة للنهج اللبيرالي الاجتماعي، وليس كما في الظاهر حيث يتم الجنوح نحو سكة الرأسمالية الانتهازية المتوحشة.
الدولة المغربية هي دولة المؤسسات، وقادرة على لجم الطغاة، والزج بهم في السجن، وتأميم القطاعات التي تغرد خارج السرب. لكن وبحكم حكمة التبصر وقوة الارادة، فالفضيحة فضحت نفسها حين طلبت العون واعتذرت وساهمت وتبرأت، فأصبحت شاردة وأعطت صور غير مشرفة لها، بل أهانت المخلصين منها بغباء تسرعها الجشع، كأن المال الذي وضع في الصندوق الخاص الذي أنشأه قائد البلاد جلالة الملك حفظه الله كعكة، وجب توزيهعا قبل أن تنفد أجزاؤها المختلفة المتنوعة الأحجام والأشكال!
الحمد لله، فعندما تظهر الكوارث، تظهر المرآة حقيقة الخصخصة أو بعض من يسغلونها للجشع فقط في بعض القطاعات، بحيث توضح تلك المرآة التناقضها بين المواقف والمطالب، في فترات متعددة نلخصها في تكثل، الرفاه، والأزمات، والعفة!
في حالة الرد أو الازعاج الذي قد يسببه هذا المقال سأنشر مقالا آخر أفصل فيه المثير! من الفضائح الغريبة العجيبة لبعض من حرفوا عن أهداف القطاع الخاص، ومراميه الاقتصادية الاجتماعية النبيلة.
إذن الخصخصة حين تنظر للرفاه عليها أن تقدر قيمة المواطن والوطن لأن الرفاه مصدره الشعب والدولة على حد سواء!