الخصوصيات المغربية في التدين
هوية بريس – إبراهيم أيت باخة
بداية: الأصل في ديننا الحنيف أنه رسالة عالمية تسمو على الأعراف والأعراق واللغات …وترتكز في تقرير العقائد والعبادات والمعاملات والأخلاق على المبادئ الكبرى والقواعد العامة.
وفي المقابل لا تصادر رسالة الإسلام ما دون ذلك من الأعراف والخصوصيات مما لا يتعارض مع تلك القواعد والأسس والمبادئ، وذلك سر نجاح هذا الدين في كل المجتمعات، وسر صلاحه لكل زمان ومكان.
ولذلك فالحديث عن الخصوصيات ينبغي أن يكون بهذا الفهم المنضبط، وإلا ضاع الدين وانصهر في الثقافات، وغلبت عليه أعراف الناس.
فلا خصوصية في تعطيل أحكام الشريعة، ولا في ابتداع عبادة جديدة، ولا في تقرير بدعة أو عقيدة فاسدة أو سلوك منحرف أو معاملة محرمة أو نحو ذلك، فالدين دين الله أكمله سبحانه يوم قبض رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وأتم علينا نعمته بذلك، ورضيه لنا دينا.
فإذا سيج الدين بهذه القواعد، فما أجمل الالتفات إلى الخصوصيات المغربية المحلية والإقليمية في تصريف هذا الدين، لأن ذلك إبراز لعظمة الإسلام أولا وعالميته، وقدرته على تأطير مختلف الشعوب، وكذلك إبراز للجهود المبذولة ذات الخصوصية المحلية، وهو أيضا مظهر من مظاهر الجمال…
ويمكن رصد هذه الخصوصيات فيما لا يعارض أحكام الدين وقواعده في:
– الاختيار المذهبي: باختيار مذهب فقهي من المذاهب الإسلامية المعتبرة كالمذهب المالكي ببلادنا، وذلك لضبط قواعد الاستدلال والفتوى، وكذلك في القضاء توحيدا للمرجعية، مع بقاء المذهب على أصل الاجتهاد في الفروع الفقهية، خاصة في ممارسات الأفراد.
– الخلاف المعتبر: يمكن لبعض الخصوصيات المحلية والأعراف أن تدفع الناس للعمل بحكم معين دون غيره، وإن كان خلافه سائغا، أو داخلا في خلاف التنوع، كاختيار المغاربة لرواية ورش بسبب انسجامها مع لسان الأمازيغ واقتدارهم عليها أكثر من غيرها، وكالأخذ في حفر القبور بالشق دون اللحد بسبب الطبيعة الجغرافية للبلاد.
– الأوصاف الشرعية: قد يحدد الشرع مجموعة من الأوصاف الشرعية لحكم معين، من غير تحديد شكل أو اختيار بعينه، كاللباس مثلا، فالمطلوب في لباس الرجل والمرأة مجموعة من الأوصاف يجب أن تتحقق، فيمكن للمرأة مثلا تحقيق ذلك بلباسها المحلي (جلابة، ملحفة، الحايك، أدال في سوس)، وكذلك الأمر بالنسبة للرجل الذي يحافظ على جلبابه المغربي الأصيل.
– الأعراف المحلية: والمقصود تلك الأعراف التي لا تخالف الشريعة الإسلامية، كأعراف الزواج، وأعراف الضيافة، ومختلف المناسبات، وأسماء الأعلام، واللغة وكل التصرفات النابعة من عمق الثقافة المغربية دون مساس بأحكام الشريعة الإسلامية، أو الأعراف التي هذبت حتى صارت متوافقة معها.
– المصالح المرسلة ومختلف الوسائل المشروعة: كالعمارة وبناء المساجد والمياضئ والأحواض وأشكال الصوامع والمحاريب والمنابر.
وكذلك طرق تعليم الصبيان في مساجد، وطرق تحفيظ القرآن، ومراتب التدرج في طلب العلم ونحو ذلك.
– الاجتهادات المحلية المنضبطة بأصول الاجتهاد، مما تداخلت فيه اعتبارات خاصة، كالكد والسعاية، وأنواع الأوقاف، وزكاة الهرجان وغيرها.
كل هذا يضفي على الإسلام طابعا محليا جميلا، يحافظ على جوهره وأحكامه وحدوده، ويجعله أكثر واقعية وجاذبية، وأيسر في معالجة مختلف القضايا المجتمعية.
أما أن يراد بالخصوصيات إقرار انحرافات وعادات قبيحة، فذلك تضييع للدين وهدم لحدوده ومعالمه.
فإذا كان المجتمع في فترة من الفترات قد انتشر فيه الجهل بشكل من الأشكال أو لسبب من الأسباب، فظهرت فيه انحرافات عقدية كالبناء على القبور وتعظيم الأضرحة ودعاء الأموات، وانتشرت فيه كثير من الخرافات في هذا المجال، أو تسللت إليه بدع في النسك والعبادات، أو منكرات في العادات والسلوكات، فليس ذلك مما يصلح أن يفتخر به ولا أن يدرج في الخصوصيات، بل هو مما يخدش في جمال الدين وبهاء التدين المغربي المعتدل.
وفي المقابل نقول إن من الجهل القبيح والطيش أن يتجاوز المتدين خصوصيات بلده وعاداته الحسنة مما سكت عنه الشرع، وتركه لنا رحمة بنا، إلى خصوصيات وعادات وافدة تعيق التواصل والاندماج.
فعض على أحكام دينك وحدود شريعة ربك بالنواجذ، وراع أعراف بلدك وخصوصياته وافخر بذلك، فإن بيننا أقواما من هؤلاء الحداثيين انسلخوا من دينهم وأعرافهم وتقاليدهم وكل شيء، فإذا حشروا في الزاوية قالوا: (الإسلام المغربي، والتدين المغربي المنفتح).