الخطة الأممية لليبيا.. إخفاق طيلة 16 شهرا (إطار)
هوية بريس – الأناضول
مع اقتراب الذكرى الثامنة لثورة 17 فبراير 2011 في ليبيا، لازال الغموض يحيط بمصير خارطة الطريق التي وضعها المبعوث الأممي غسان سلامة، لقيادة البلاد إلى بر الأمان.
ففي 20 سبتمبر 2017، طرح “سلامة”، خطته لحل الأزمة في ليبيا، تمثلت في ثلاث مراحل؛ أولها تعديل الاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات في ديسمبر 2015، وثانيها إصدار مجلس النواب تشريع لإجراء استفتاء دستوري وانتخابات برلمانية ورئاسية، وتنظيم مؤتمر جامع، وتوحيد الجيش وتكثيف المصالحة، أما المرحلة الثالثة والأخيرة فيتم خلالها انتخاب رئيس وبرلمان.
ولم يضع المبعوث الأممي خريطة طريق لتنفيذ كل مرحلة، ولكنه حدد تنفيذ خطته بعام كامل، حيث قال خلال طرحه لخطته بالأمم المتحدة، “في غضون سنة من الآن، يجب أن نصل إلى المراحل النهائية للعملية السياسية، ويشمل ذلك إجراء استفتاء للاعتماد الدستوري، ويلي ذلك، وفي إطار الدستور، انتخاب رئيس وبرلمان، يشكل نهاية المرحلة الانتقالية”.
لكن بعد مرور عام كامل (في 20 سبتمبر 2018)، لا يبدو أن أيًّا من المراحل الثلاثة من خطة غسان سلامة، تحقق.
** تعديل الاتفاق السياسي
أولى المراحل التي تحدث عنها “سلامة”، تمثلت في تعديل الاتفاق السياسي، الذي يعتقد الكثير من الخبراء أن المادة الثامنة كانت السبب الرئيسي في تعطيل تنفيذه، بعد رفض مجلس النواب الموالي لخليفة حفتر، قائد القوات المسيطرة على الشرق الليبي، اعتماد حكومة الوفاق، خاصة وأن الاتفاق يمنح المجلس الرئاسي صلاحية تعيين كبار قادة الجيش، الأمر الذي عارضه حفتر وأنصاره، لأنه يضع طموحته في قيادة الجيش بيد “الرئاسي”.
ورغم أن مجلسي النواب الأعلى للدولة، اتفقا في وقت سابق من 2018، على تعديل الاتفاق السياسي، فيما يخص تقليص عدد أعضاء المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق من 9 إلى 3، مع فصل المجلس الرئاسي عن حكومة الوفاق، إلا أن تحفظات من مجلس الدولة، حول تعديلات مجلس النواب جمدت العملية.
وبعد مرور نحو 16 شهرا على إعلان خطة سلامة لحل الأزمة الليبية، لم يتوافق طرفا الأزمة الرئيسيان بشأن صيغة متفق عليها لتعديل الاتفاق السياسي.
** مؤتمر جامع
يمثل أحد المحاور الرئيسية في خطة “سلامة” الأممية، والتي روج لها على أنها ستنفذ مطلع العام الجاري، دون الإعلان عن ذلك رسميا، غير أن الضبابية لازالت تحوم حول هذا المؤتمر، الذي لم يتم تحديد تاريخ نهائي له بعد، رغم اقترابنا من نهاية يناير، ولا حتى بالنسبة للأطراف المدعوة وخاصة أنصار نظام القذافي السابق، وكذلك حول مخرجات المؤتمر ما إذا كانت مجرد توصيات غير ملزمة، أو قرارات بديلة عن عن الاتفاق السياسي الموقع في 2015.
لكن سلامة خلال طرحه لخطته في 2017، كان أكثر وضوحا مما يناقش حاليا، حيث قال “ويجمع (المؤتمر) أعضاء مجلس النواب، والمجلس الأعلى للدولة، وغيرهم كثير ممن تمثيلهم ضعيف أو غير ممثلين على الإطلاق في هاتين الهيئتين”، في إشارة إلى أنصار القذافي بالدرجة الأولى.
ويبيّن أنه سيجري خلال هذا المؤتمر “تحديد أعضاء المؤسسات التنفيذية (المجلس الرئاسي والحكومة) التي أعيد تشكيلها في البلد على أساس توافقي”.
** قانون الانتخابات
من بين الكثير من إخفاقات غسان سلامة، والفاعلين السياسيين والعسكريين في ليبيا، هناك بقعة ضوء صغيرة، تبرز في هذا المشهد الرمادي، إذ أنه وبعد مخاضات عسيرة، تمكن مجلس النواب من المصادقة على قانون الاستفتاء على الدستور، الذي يتيح على ضوئه تنظيم الاستفتاء على الدستور، الذي صادقت عليه لجنة الستين المنتخبة.
غير أن هذا القانون طعن فيه نواب من إقليم برقة (شرق)، واعتبروا أن عدد النواب الذي صادقوا عليه لا يتجاوز 30 نائبا (من إجمالي 200)، في حين أن اعتماد القانون يتطلب الأغلبية الموصوفة (120 نائبا)، كما طعن نواب من غرب ليبيا في دستورية هذا القانون لتعارضه مع الإعلان الدستوري (الدستور المؤقت في 2012).
وأدى هذا الجدل بشأن قانون الاستفتاء على الدستور، إلى تعطيل تنظيم الاستفتاء على الدستور في سبتمبر 2018، كما كان مقررا له في إعلان باريس (مايو 2018)، وعودة النقاش حول تنظيم الانتخابات الرئاسية في الربيع المقبل (حسب اتفاق باليرمو) قبل اعتماد الدستور الجديد.
** توحيد الجيش
إحدى النقاط التي تضمنتها خطة سلامة، وتولت القاهرة احتضان اجتماعات لضباط موالين لحفتر وآخرين تابعين لقيادة أركان القوات التابعة للمجلس الرئاسي.
لكن أطراف مناهضة لحفتر، اتهمت القاهرة وضباط شرق ليبيا، بمحاولة وضع حفتر على رأس الجيش، الأمر الذي أفشل محاولات توحيد الجيش.
وفي هذا الصدد، يوضح المحلل السياسي الليبي سعد ياسين العبيدي، في حوار سابق مع الأناضول، أن التراتبية والهيكيلية التي وضعها (الوسطاء) المصريون، ليبقى حفتر على رأس الهرم (الجيش)، جرى الاعتراض عليها، ولذلك فشلت الاجتماعات.
** إدماج الجماعات المسلحة في الحياة السياسية
تناولت خطة سلامة، باقتضاب مسألة انتشار المليشيات وهيمنتها على القرار السياسي في البلاد، وتحدثت الخطة عن “إقامة حوار مع الجماعات المسلحة، بهدف إدماج أفرادها في العملية السياسية والحياة المدنية”.
ولم يتحدث المبعوث الأممي عن إدماج هذه الجماعات، والتي شارك الكثير من عناصرها في الثورة التي أطاحت بنظام القذافي في 2011، في الجيش والأجهزة الأمنية.
كما أن وزير الداخلية في حكومة الوفاق فتحي باشاغا، المدعوم أمميا، يجد صعوبة في السيطرة على الجماعات المسلحة في طرابلس، والتي تمثل أكبر داعم لحكومة الوفاق، واصطدم مؤخرا بـ”قوة حماية طرابلس” التي انتقد دورها في المواجهات المسلحة مؤخرا جنوبي طرابلس، وردت “القوة” عليه ببيان شديد اللهجة اتهمته فيه بمحاولة الزج بالعاصمة في حرب دموية.
وأضافت القوة، التي تتشكل من 9 كتائب أبرزها ثوار طرابلس، وقوة الردع الخاصة والنواصي، أنها “لن تنفذ أوامر المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني إلا بعد اجتماعه وإصدار قراراته بكامل أعضائه التسعة، وذلك حتى انتخاب رئيس للدولة وسلطة تشريعية”.
كما اتهم بيان قوة حماية طرابلس، أطرافا داخل المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق “بالكيل بمكيالين، ودعم دعاة وداعمي الحرب لأسباب مختلفة، منها الداخلي والخارجي والأيديولوجي والمصلحي”، موجها اتهاما مماثلا للبعثة الأممية بالغرق والتخبط في سياستها الأمنية الخاصة بليبيا.
وبالنظر إلى ما سبق، وتعثر خطة المبعوث الأممي، في تحقيق المرحلتين الأولى والثانية خلال سنة واحدة، أصبح الإخفاق في تحقيق المرحلة الثالثة (تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية) تحصيل حاصل، إلا إذا تم القفز على بقية المراحل، وتجاوز التوافق بين مختلف الأطراف المشكلة للمشهد الليبي، وحينها لن تخرج البلاد من مرحلة انتقالية إلا لتدخل مرحلة انتقالية أخرى.