الدكتور العثماني يكتب: بين العوارض النفسية والأمراض النفسية
هوية بريس- د. سعد الدين العثماني
يحار كثير من الناس في فهم المرض النفسي، ويخلطونه بالعوارض أو المشاكل النفسية التي قد يعاني منها الفرد في فترة معينة أو سياق معين. والتمييز بينهما شيء مهم لنعرف متى يكون تدخل الطبيب النفسي ضروريا ومتى لا يكون كذلك.
فنحن جميعا قد نعاني بشكل أو بآخر من عوارض أو مشكلات نفسية، مؤقتة أو مستمرة. وهي قد تكون ناتجة عن صدمات نمر بها أو خبرات سيئة نجتازها أو صعوبات تعترضنا، لكنها ليست بالضرورة مرضا نفسيا أو اضطرابا نفسيا يحتاج فعلا إلى زيارة طبيب نفساني أو إلى علاج نفساني متخصص.
وحتى يتضح الفرق نعطي أمثلة من الصحة العضوية. فكثير من الناس ليست لديهم القدرة الجسدية على أن يجاروا الرياضيين المحترفين، ولا يستطيعون تحمل العديد من المشاق التي يمكن أن يتحملوها. لكنهم يعتبرون دائما أصحاء أسوياء غير مرضى.
وكثير من الناس قد يكون عندهم ضعف في بعض أعضائهم أو وظائفهم دون أن يستطيع الأطباء أن يشخصوا لديهم مرضا معينا. فقد يشعرون بعسر الهضم أو بالعياء العام في بعض الفترات، وقد تنتابهم آلام في الرأس أو قد يشعرون بالدوار (أو الدوخة) في بعض المواقف، إلى غيره من الأعراض التي قد يشعرون بها بصورة مؤقتة أو مستمرة، فهؤلاء يعتبرون في حدود العادي والطبيعي من حيث صحتهم العضوية، دون أن يتمتعوا بصحة مثالية في أعلى مستوياتها. فهذه الأعراض لا تحتاج بالضرورة إلى استشارة الطبيب، إلا إذا تجاوزت الحد وفق المعايير التي سنتحدث عنها. أما في الغالب الأعم فإن بعض التغييرات في نمط العيش (على مستوى الأكل ونظام العمل والاستراحة والنوم والرياضة مثلا) كافية لتجاوز تلك الأعراض.
وهذا الأمر ينطبق أيضا في مجال الصحة النفسية. فقد ينفعل الفرد في مواقف معينة، وقد تصدر عنه ردود فعل غير متزنة، وقد يتعامل بعصبية أو بقسوة، كما قد يشعر ببعض الحزن أو الخوف، لكن كل ذلك لا يعتبر بالضرورة “مرضا” نفسيا، وخصوصا إذا كانت أعراضا أو مشكلات مؤقتة أو لا تؤثر تأثيرا ذا بال على كفاءة الفرد إنتاجيته في الحياة. وتلك المشكلات النفسية هي أكثر انتشارا من الأمراض النفسية، وهي تعبر في الغالب عن سوء توافق الفرد مع ذاته أو مع محيطه الأسري والاجتماعي، أو سوء تكيفه مع تحولات الحياة من حوله. وينفع لتجاوزها الدعم الإيماني والنفسي والاجتماعي وتحسين نمط العيش والقيام بتمارين رياضية وغيرها.
ويفرق المتخصصون بين العوارض النفسية والأمراض النفسية بعدد من المعايير أهمها أربعة:
ـ معيار حدة الحالة، بتجاوزها درجة معينة من الشدة، وهي درجة تختلف على حسب السياقات الاجتماعية والحياتية. فمن المعقول أن يصاب الإنسان بحزن شديد على موت قريب حبيب. لكن من غير المعقول أن يشعر بحزن في نفس الدرجة لفقده خيط حذائه مثلا. فعدم التوازن هذا معيار وجود حالة مرضية وراء الأعراض الظاهرة. كما أن الحدة عندما تتجاوز مستوى معينا يصبح مراجعة الطبيب شيئا مهما، إن لم يكن ضروريا.
ـ معيار المدة، ببقاء الحالة مدة طويلة بشكل غير معقول. وعموما يتحدث المتخصصون ـ مثلا ـ عن خمسة عشر يوما على الأقل من استمرار الشعور بالأعراض، بوصفها حدا نسبيا للحالة العادية.
ـ التأثير على الأداء الأسري أو الدراسي أو المهني، أو على حياة الإنسان العادية. فعندما يصاحب الأعراض النفسية تدهور في الأداء على مستوى من المستويات بشكل غير مبرر ولا قابل للتفسير، يكون هذا معيارا مرجحا لكون الحالة مرضية.
ـ انسجام ردود الفعل مع ما تستلزمه المواقف الحياتية المختلفة من تفاعل. فالموقف المحزن يواجه بالحزن لا بالفرح، والمواقف التي تقتضي الحب والحنان لا يواجهها الفرد بالاعتداء والعنف. وحين يواجه الفرد المواقف المختلفة بعكس ما تقتضيه يكون الأمر غير طبيعي وغير عادي، ولا يعبر عن تناسق بين مكونات شخصيته.
وحتى يتضح الفرق جليا نورد مثال القلق. فهو عرض فد يحس به المرء في أي لحظة، وهو جزء من حياتنا. ولا نتصور حياة الإنسان بدون قلق، بل هو محرك كثير من مبادراته وأعماله في الحياة. وأحيانا يكون مرغوبا فيه مثل القلق في مرحلة الاستعداد لامتحان دراسي أو مباراة معينة، فهو الحافز لبذل المزيد من الجهد في التحضير والاستعداد. ولكن هذا القلق إذا زاد عن الحد (شدة أو مدة أو تأثيرا على أداء الفرد) يصبح سلبيا، وربما قد يكون مؤشرا على مرض نفسي وراءه.
والاستشارة الطبية المتخصصة هي وحدها الكفيلة بالتمييز بين الأعراض النفسية والمرض النفسي، وهي القادرة على تطبيق المعايير المذكورة، ولا يلجئ في ذلك للانطباعات الشخصية غير الممنهجة. فالتفاعلات النفسية للأفراد معقدة إلى حد أنها كثيرا ما تخفي الحقائق وتظهر بمظاهر خادعة.
مسكين هذا العثماني. عليه أن يكون قد استفاد من تجربته الحكومية الحزينة وان يجدد معلوماته باحسرتا كمختص نفسي، عن الشخصية القوية والضعفية، والشخصية الرافضة والمستسلمة والشخصية الهادئة َوالتي لاتقول “لا” والشخصية اامنفصمة. اللهم إنا نعوذ بك من غضبك ومقتك وجميع سخطك.