الدكتور العثماني يكتب: تأثيرات القلق على الصحة العضوية
هوية بريس- الدكتور سعد الدين العثماني
[email protected]
القلق جزء طبيعي من الحياة، قد يعاني منه الأشخاص في أوقات خاصة وظروف خاصة. لكن عندما يصبح حالة مزمنة أو اضطرابا ممنهجا، فقد يعيق القدرة على ممارسة الحياة بشكل طبيعي، وقد تكون له تأثيرات تتجاوز المستوى النفسي إلى مستويات عضوية متعددة. وتتنوع تلك التأثيرات كما وكيفا بشكل يجعل القلق أكثر الاضطرابات النفسية كلفة على المستويين الصحي والاجتماعي. كما تثبت وجود تأثير واسع للحياة النفسية للفرد على صحته العضوية ووظائف مختلف أعضاء الجسم.
ونستعرض هنا أهم التأثيرات الصحية للقلق.
1 ـ تأثر وظائف المناعة، فإذا كان الأصل أن القلق يزيد استجابة الجهاز المناعي، لكنه إذا استمر لمدة طويلة فإن الذي يحدث هو العكس، فيحدث اختلال وظائف الجهاز المناعى. فيزداد إنتاج هرمون الكورتيزول من قبل الجسم، وهو الذي يعارض عمل الجهاز المناعي. فمعروف أن الكورتيزول يمنع إطلاق المواد التي تسبب الالتهاب، كما أنه يعمل على إيقاف تشغيل جوانب من الجهاز المناعي التي تحارب العدوى. وهذا كله يضعف استجابة الجسم المناعية الطبيعية. ولذلك فإن الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات القلق المزمن قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بنزلات البرد والانفلونزا وأنواع أخرى من العدوى.
2 ـ الاكتئاب: يستنفد القلق الطاقة النفسية للفرد الذي تتصاعد مقاومته لتأثيراته، وينتهي به الأمر في حوالي 50 بالمئة من الحالات إلى الإصابة بالاكتئاب. وهذا يضاعف من قلقه ويزيد من معاناته، كما يضاعف من الإصابة بمختلف التأثيرات النفسية والعضوية الأخرى.
3 ـ حالات الإدمان: فالقلق من أسباب الإقبال على التدخين وتناول المخدرات والخمر وإدمان الأدوية المهدئة أو المنومة. فالمصاب بالقلق يلجأ إلى هذه المواد للتخفيف من معاناته اليومية المستمرة في الغالب، وللبحث عن الراحة والاطمئنان. وعن طريق أنواع الإدمان هذه نرى كيف أن القلق هو السبب الحقيقي للعديد من الأمراض العضوية الناتجة عن تلك الآفات. وهذا يظهر جزءا غير مهتم به من مخاطر اضطرابات القلق. وتتحدث بعض الإحصائيات عن أن 25 إلى 50 بالمئة من المصابين باضطرابات القلق يلجئون إلى واحدة أو أكثر من تلك المواد المسببة للإدمان.
4 ـ اضطرابات الجهاز الهضمي وخصوصا متلازمة القولون العصبي (الذي يسمى أيضا اضطراب القولون الوظيفي) وعسر الهضم. ففي كلتا الحالتين نجد أن الأشخاص الذين يعانون من القلق يشكلون نسبة كبيرة. كما يسهم القلق في وجود حساسية مفرطة لأي مثيرات للجهاز الهضمي، ويزيد من حدة الأعراض المرضية المصاحبة ويطيل أمدها، وذلك مثل انتفاخ البطن والآلام التشنجية والإسهال أو الإمساك في الاضطراب الأول، وألم المعدة والقيء والغثيان في الاضطراب الثاني. وتتحول هذه الأعراض مع مرور الوقت إلى أعراض مزمنة ومستعصية على المعالجات الطبية.
5 ـ فرط ضغط الدم وأمراض القلب، فحسب العديد من الدراسات يبدو القلق مرتبطا بتزايد مخاطر الإصابة بفرط ضغط الدم والعديد من أمراض القلب والشرايين مثل الذبحة الصدرية والجلطة القلبية، أو تزايد مضاعفاتها وتدهور وضعية المصابين بها. ومن أسباب ذلك أن القلق والتوتر الذي يصاحبه يزيدان من عمل القلب ويتعبانه. ولذلك فقد أشارت بعض الدراسات إلى ارتفاع احتمال الإصابة بالجلطة القلبية في الشرايين التاجية إلى نسبة تقارب 60 بالمئة لدى المصابين بمستويات عالية من بعض أنواع اضطرابات القلق، وارتفاع احتمال الوفاة المباشرة عند الإصابة بالنوبة القلبية إلى نسبة تتجاوز 30 بالمئة. وهي نسب عالية جدا مقارنة مع مرضى لا يعانون من أي من اضطرابات القلق.
6 . اضطرابات الجهاز التنفسي، فقد لاحظ الباحثون ارتفاع درجة القلق بأنواعه لدى الأفراد الذين يعانون من اضطرابات تنفسية مزمنة مثل مرض الربو والانسداد الرئوي المزمن. وعلى الرغم من أن القلق ليس سببا في نشوء هذين المرضين، إلا أنه يتسبب في تعقدهما وصعوبة معالجتهما، ويؤثر في جودة حياة المريض وقدرته على التعايش المثمر مع حالته المرضية.
إن تأثيرات القلق الصحية والاجتماعية متنوعة، وكثير منها قد نكون عاجزين عن معرفته، لكن الحكمة من استعراض أهمها هو الوعي بالضرورة القصوى للتعامل مع اضطرابات القلق بالجدية اللازمة، ووضع البرامج الكفيلة بعلاجها والوقاية منها، وكذلك التحسيس بأعراضها وتأثيراتها في أوساط أوسع شرائح المواطنين. وفي المقابل فإن معالجة الاضطرابات والأمراض العضوية التي يعتبر القلق واحدا من عوامل تعقدها، يتضمن إلزاما معالجة هذا القلق، وإلا فإن ذلك علاج المرض المعني يغدو صعبا ومكلفا، إن لم تزدد حالته سوءا.