الدكتور العثماني يكتب: هل المريض النفسي عنيف وخطير؟
هوية بريس- د. سعد الدين العثماني
[email protected]
رأينا في الحلقة الماضية أن أغلب الأمراض النفسية لا تشكل خطورة كبيرة، وإن كانت بطبيعة الحال مؤثرة على الصحة وعلى جودة الحياة، وعلى الأداء والمردودية. وسنتوقف في هذه الحلقة عند فكرة أخرى تروج وتربط المرض النفسي بالعنف أو بالسلوك العدواني، وتصور المريض النفسي على أنه خطير. وهذا يسيء إلى هؤلاء المرضى ويشكل وصمة هم بريؤون منها، كما أنه يزيد حياتهم مع المرض تعقيدا، وينشئ شعورا بالخوف لدى الناس منهم. كما أنه ادعاء لا يدعمه واقع الحال ولا تسنده الأبحاث العلمية الرصينة.
وتجلية للأمور نلخص ما انتهت إليه العديد من الأبحاث والدراسات في هذا الشأن فيما يلي:
1 – ليس هناك أي ارتباط تلقائي بين العنف والأمراض النفسية، فقد أثبتت عدد من الدراسات أن الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية نادرًا ما يشاركون في أعمال عنف ضد آخرين، إذا أخذنا بعين الاعتبار مختلف أنواع العنف مجتمعة، ف 3 إلى 5٪ فقط من أعمال العنف ناتجة عن أشخاص يعانون من اضطرابات نفسية. كما تشير بعض التقديرات إلى أن حوالي 90٪ على الأقل من الذين يعانون من اضطرابات نفسية لا يصدر عنهم أي تصرف عنيف. ومن هنا فإن تعميم فكرة ارتباط المرض النفسي بالعنف هو أمر غير صحيح.
2 – وعلى العكس من ذلك تؤكد العديد من الدراسات الحديثة أن الأشخاص الذين يعانون من الاضطرابات النفسية هم أكثر عرضة من غيرهم من عموم أفراد المجتمع، لأنواع مختلفة من سوء المعاملة والاعتداء والعنف بأنواعه: اللفظي والجنسي والجسدي. لكن هشاشتهم الناتجة عن المرض النفسي تجعلهم في الغالب غير قادرين على الاحتجاج أو التبليغ عن الانتهاكات التي يقعون ضحايا لها.
3 – لا يمكن أن نضع كل المرضى النفسيين في سلة واحدة، فأغلب أنواع الأمراض النفسية لا يخشى من المصاب بها أن يكون عنيفا ولا أن يسبب الأذى للآخرين. لكن يمكن لبعض المصابين وبعدد قليل جدا من تلك الأمراض أن يكونوا عنيفين في فترات من تطور مرضهم.
4 – لكن ليس العنف في حد ذاته عرضا من أعراض أي من الأمراض النفسية، لكنه قد يكون نتيجة لتعقد الحالة المرضية في بعض الحالات، وخصوصا إذا انضافت بالنسبة للمرضى عوامل أخرى لها دور مهم في احتمالية حدوث العنف. ومن هذه العوامل كونهم لديهم سوابق في العنف حتى قبل إصابتهم بالمرض، أو يسيئون استعمال الأدوية التي وصفت لهم، أو يدمنون على المخدرات أو الخمر أو مواد أخرى، أو يعانون من أعراض الهلوسة والأوهام المخيفة التي تجعلهم خائفين ويسيئون فهم ما يحدث من حولهم. هذه الحالات التي يعرفها المتخصصون جيدا هي التي يجب اتخاذ الاحتياطات معها بالحرص على أن يتلقى أصحابها العلاجات الضرورية ويتناولوا أدويتهم بانضباط. والتساهل في هذه الأمور هو الذي يعقد هذه الحالات المرضية.
5 – وفي الحالات القليلة التي يكون فيها مريض نفسي عنيفا، فإن ذلك يكون في الفترات الحرجة من تطور المرض، وهي فترات تتناوب مع فترات تحسن واستقرار. ويمكن بالتعاون بين الأسرة والفريق المعالج (الطبيب والمساعدين) ومتدخلين آخرين العمل على تفادي ذلك والوقاية من تدهور الحالة الصحية.
6 – إن الطريقة الأنجع والأكثر فعالية لتلافي صدور العنف عن هذه الحالات القليلة من المرضى هو تلقيهم العلاج المناسب بالطريقة الصحيحة، والتعامل معهم بإنصات وتفهم. وإدراك أن الإصابة بالمرض النفسي ليس اختيارًا منهم وأنه يمكن أن يحدث لأي شخص آخر. ولأسر المرضى مسؤولية كبيرة في هذا المجال.
وأخيرا، لا بد أن أوجد تحية خاصة لهذه الأسر التي يعاني فرد أو أكثر من أفرادها من المرض النفسي، فهم يعيشون المعاناة والصعوبات، ويعانون بالخصوص من سوء الفهم أحيانا من المحيطين بهم، لأؤكد بأن مساعدتهم من قبل الأقارب والأصدقاء والجيران أمر ضروري، وخصوصا في الفترات الصعبة.