الدكتور الفايد و”المعطي المنتظر”
هوية بريس – د.أحمد الشقيري الديني
في آخر خروج له على قناته باليوتوب تكلم الدكتور الفايد بكلام فاسد في أمور ليست من اختصاصه، فمن خلال دفاعه عن الفوائد الربوية انتصارا للدرس الذي ألقاه وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية التوفيق بين يدي الملك عرج على نفي قضايا صحت بها السنة النبوية ولم يذكرها القرآن وأخرى ذكرها القرآن وهو ينكرها مثل الساعة..
فهذه المقالة لا تتعرض لموضوع الفوائد البنكية التي حسمت فيها مجمعات فقهية معاصرة معتبرة إياها من الربا المحرم..
مقالي هذا لبيان فساد ما يدعيه الفايد أنه تجديد الخطاب الديني بهدف نسف ما يسميه نقد الكهنوت الديني ويعني به المدارس الفقهية والمذاهب العقدية التي تخترق المجتمعات الإسلامية وتحدد وجهتها الفكرية والدينية منذ قرون، إذ يعتبرها الفايد جناية على أمة الإسلام بسبب تلك الاجتهادات التي عزلت المسلم عن العالم وعن الحياة منزويا رافضا للحضارة مخاصما لكل جديد عالة على الأمم المتحضرة على حد قوله..!
ولو نسب هذا التوصيف لعصور الانحطاط لكان له وجه معتبر، لكنه يرى التشبث بالسنة النبوية والحديث عن عذاب القبر و الدجال والمعراج و”المعطي المنتظر” (كذا يقول) وأشراط الساعة وجهنم والمعراج هي العملة التي يروج لها ما ينعتهم بالكهنوت الديني طلبا لجمع حطام دنيوي لا غير..!
لكن لابد هنا من الإشارة إلى أن الفايد يتحدث عن الكهنوت الديني ويجعله في سلة واحدة مع الرقاة والمشعوذين والعشابين؛ ويزعم أن هذا الكهنوت يحتل الميديا ووسائل التواصل الاجتماعي ويشكل خطرا على المواطن، فهو يحذر منه..!
لكنه عندما يسمي رؤوس الكهنوت يذكر ابن تيمية والألباني ..! فهل هؤلاء عاشوا إلا مدافعين عن نظافة الدين من الفكر الخرافي والبدع والضلالات؟!
وقد تحدث في شريطه الأخير منذ ثلاثة أيام عن شخصية باسم “المعطي المنتظر” يروج لها الكهنوت الديني على حد تعبيره، وهي شخصية من بنات أفكاره، ولولا أنه تحدث عن هذا الإسم خمس مرات لقلنا هي سقطة أو سهو، والمسلمون وعلماؤهم لا يعرفون المعطي المنتظر، إنما يعرفون المعطي بوعبيد مؤسس حزب الاتحاد الدستوري الذي شغل عدة مناصب وزارية،ويعرفون المهدي المنتظر الذي تواترت الأخبار بظهوره في آخر الزمن باعتباره خليفة راشد يملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت ظلما و جورا..
يزعم الفايد أن له منهجا في قراءة النص الديني يسميه المنهج العلمي الذي يقتصر على ما جاء به القرآن الكريم دون حاجة للمرويات التي بحسب نظره لم تظهر إلا مع حركة الوضع في العصر العباسي..!
وهذا كلام لا قيمة علمية له، بل السنة النبوية دونت مبكرا كما هو معلوم في الكتب التي اعتنت بتاريخ تدوين السنة..
ومنهج الفايد في إنكار السنة والاكتفاء بالقرآن غير جديد وإنما نشط مع أول ظهور لهذا الفكر في نهاية القرن التاسع عشر بعد الاستعمار الأجنبي الغربي لكثير من البلدان الإسلامية، الذي عمل جاهدا في تغذية ودعم كل فكر منحرف ماديا ومعنويا، لزعزعة ثوابت الإسلام، فبدأت تلك الأفكار في الانتشار خاصة في بلاد الهند ومصر ثم انتشرت في العراق وليبيا وإندونيسيا وماليزيا وغيرها.
وفكرة إنكار السنة ظهرت في الهند، في فترة الاحتلال الإنجليزي على يد أحمد خان الذي فسر القرآن بالرأي المحض، ووضع شروطا تعجيزية لقبول الحديث، مما جعله ينكر أغلب الأحاديث، ثم تلاه عبد الله جكر الوي في باكستان، الذي كان يشتغل بدراسة الحديث، ثم اصطدم بالعديد من الشبهات حوله، فتوصل في النهاية لإنكار كافة الحديث، وأن القرآن هو ما أنزله الله على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وأسس جماعة تسمى أهل الذكر والقرآن التي دعا من خلالها إلى أن القرآن هو المصدر الوحيد لأحكام الشريعة وألف في ذلك كتبا كثيرة، كما ظهر هذا الفكر في مصر وتبناه المدعو أحمد صبحي منصور الذي كانت بدايته من خلال عمله بالتدريس في الأزهر عام 1977م، ولكنه اصطدم بعلماء الدين السنة..
فما يسميه الفايد بتجديد الخطاب الديني لا جديد فيه، بل الأسئلة التي تطرح على هذا المنهج الأعرج لازالت قائمة، ومنها كيف نتعلم الصلاة من القرآن دون الاستعانة بالسنة النبوية ؟! ونفس الشيء بالنسبة لأنصبة الزكاة ومناسك الحج فلاشيء منها مفصل في القرآن وكذا مبطلات الصيام فهذه أركان الإسلام الخمسة أخبرونا كيف نتعلمها من القرآن دون الاستعانة بالسنة..إلخ
ثم إن القرآن نفسه يقول منزله (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتكلم ويعمل بما يوحى إليه وما يبينه له أستاذه الملك جبريل عليه السلام فيبلغه أمته بقوله تارة وبعمله أو تقريره تارة..
أما أخبار آخر الزمن وعلامات الساعة الكبرى مثل الدجال ونزول المسيح عليه السلام وخروج المهدي المنتظر فكلها أخبار متواترة أي أنها في نفس مرتبة الصحة من مرتبة آي القرآن المتواتر، وهو ما يفيد العلم القطعي ومنكره كافر بلا خلاف..
الدجال جاءت به أحاديث متواترة عن النبي ﷺ أنه يخرج في آخر الزمان، وأنه يأتي من جهة المشرق من بين العراق والشام، وأنه يعيث في الأرض فسادًا، ويطأ الأرض كلها، إلا مكة والمدينة، فإن الله يحميهما منه، ثم ينتهي إلى الشام، ينتهي إلى فلسطين، إلى اليهود هناك، وينزل الله عيسى بن مريم، فيحصره هناك، ثم يقتله هناك في غربي الأردن، كما جاءت به الأحاديث الصحيحة..
هذه الأحاديث وغيرها كثير تفيد التواتر والعلم القطعي والإيمان الاعتقادي كما هو مدون في كتب العقائد..
ايضاً نزول عيسى -عليه السلام- في آخر الزمان، لم يختلف في وقوعه أحد من أهل العلم المعتبرين، وقد قامت عليه الدلائل المتواترة من السنة، قال السفاريني في لوامع الأنوار البهية، في بيان العلامة الثالثة من علامات الساعة العظمى: أن ينزل من السماء السيد المسيح عيسى ابن مريم -عليه السلام-، ونزوله ثابت بالكتاب، والسنة، وإجماع الأمة..
والله أعلم.