الدكتور رشيد بنكيران وموضوع استلحاق ولد الزنا
هوية بريس – الدكتور أحمد كافي
أستاذ التعليم العالي للدراسات الإسلامية/ الدار البيضاء
كتب أخونا الدكتور رشيد بنكيران مقالا طويلا حرر فيه القول في مسألة إعطاء النسب لابن الزنا أو منعه عنه من الناحية الشرعية. وقد طلب مني بعض الفاضل في هذا الظرف غير المساعد أن أبدي رأيي فيما ارتآه أخي. فكتبت هذه العجالة علها أن تكون نافعة لي وله ولعامة المسلمين.
كما دفعني فضول العلم إلى إثراء القول فيما تعرض له أولا، وأوجب علي تدقيق النظر في بعض ما انتهى إليه مما يحتاج إلى التدقيق ثانيا، ودفع الغلو عند بعض من قرأوا له وقد وجدوا في مقاله هذا وطرهم؛ وهم على كل حال لا يجوز نزع اختيارهم منهم؛ غير أن بعض تعليقاتهم التي تنم عن انعدام الخبرة بالفقه من جهة؛ وعدم امتلاك الملكة الفقهية قد أسلمتهم إلى الغلو من مثل قولهم فيما كتبه أخونا: من أراد الفقه السديد فعليه بما كتبه وسيكتبه أخي الفاضل الدكتور رشيد بنكيران!!!
هكذا..
السداد والتوفيق:
لقد كانت المقالة في عموم ما حرر القول فيها مسددا، والتوفيق حليفها بغض النظر عن الرأي الذي انتهى إليه، متفقين معه أو مخالفين إياه. وأعظم التوفيق خلاصته التي قررها قائلا:” والحاصل أن كلا القولين؛ القول بجواز استلحاق ولد الزنا بأبيه إذا لم تكن أمه فراشا لأحد، والقول بعدم الجواز معتبران، والخلاف في هذه المسألة قوي جدا، ولهذا لا يزال العلماء إلى يومنا هذا يتأرجحون بين القولين، ومن أمارات الخلاف القوي المعتبر بقاؤه في الأمة”.
فهذا التحصيل هو عين الصواب وكبد الحقيقة، وأن الحديث لكائن من كان في موضوع استلحاق ابن الزنا قديمٌ جدا جدا، والآراء فيه معتبرة. وساعتها على المسلم إن اعترف بهذه الحقيقة، أن يتسع صدره للمخالفين له، وأن لا يلقي الكلام على العواهن معتبرا أحد الرأيين هو الفقه السديد، وغيرها من العبارات التي يفهم منها لمز الرأي المخالف.
وقد برأ أخي الدكتور رشيد بنكيران من هذه اللوثة فيما سطره جزاه الله خيرا. وله ولغيره من الموافقين له أو المخالفين إياه، واسع النظر في الترجيح بين المعتبر من الأقوال. فقط من غير وكس ولا شطط.
أما أنا:
فلي نظر على نظره، وتعليق على ترجيحه، مساهمة في نقاش ما عرض له، راجيا السداد للأمة، وأن يحفظ أعراضها وأنسابها، وأن تنتفع بأقوال جميع أئمتها وعلمائها. وهذا النظر مني لا يعني أبدا أن ما انتهى إليه من الترجيح باطل من القول، بل هو من الرأي المعتبر، الذي لم يترجح أمره عندي رغم ما أطال النفس فيه لإقناعنا به.
طريقة عجيبة:
منذ زمان وأنا أتتبع هذه الظاهرة في مثل هذا الموضوع، وأرى أن البدايات تكون مؤسسة تأسيسا معتبرا قويا، وما إن تتطلع إلى نتيجتها المنطقية، وتقترب من خلاصتها الحتمية، إذا بك تجد نفسك أمامهم وقد للوا طريق نهايتها، وأخرجوها عن سكتها، لكي تصل إلى نقيض ما كانت ستفضي إليه تلكم المقدمات بشكل طبيعي منطقي.
ما معنى أن يقرر الباحث أن الخلاف قوي ومعتبر، وأن القائلين بعدم جواز إلحاق نسب الزنا ليس لهم من الأدلة سوى دليلا واحدا فيه النزاع في دلالته، وهو:” حديث الولد للفراش”، وأن باقي الأحاديث المانعة، قد حُكِم عليها: لم تسلم من مقال عند الحفاظ والمحدثين، وأنه لا تقوم بها حجة بسبب هذا الطعون، وأنها مخالفة للقياس والمعقول، بل ومخالفة لظاهر الأحاديث الواردة في الصحيحين…ثم تتم الإشاحة عن خلاصة هذا المنطق، وهو أن عدم الاستلحاق لا يصمد، والأسد هو تجويز الاستلحاق؟؟!!
إنها طريقة عجيبة في القول بالمنع، والقيام بالالتفاف على الجواز باستدارة كبيرة نحو فقه المآل، وأنه معتبر، وأنه بسبب ذلك وإن كانت النصوص صريحة في جواز إلحاق النسب، وكانت أدلة المانعين فيها مقال ومعارضات…ومع ذلك فالمنع أسلم من جهة مراعاة المآل.
هذه الاستدارة:
هذا الالتفاف والروغان عن الأدلة الصحيحة الصريحة القوية من المنقول والمعقول في إجازة إلحاق نسب ابن الزنا ليس لها من تفسير عندي، سوى أن الذي دفع إليها ليس المنطق التشريعي والقواعد المعتبرة، وإنما سببها الإلف الذي عز على النفس فراقه. وقديما قال حجة الإسلام:” إن الفطام عن المألوف شديد، والنفوس عن الغريب نافرة”(المستصفى: ص9).
هذا في نظري أحد الأسباب القوية للي عنان النصوص ومنطق الشريعة: الإلف والعادة المستحكمان، والاستنجاد بسد الذرائع، والتخويف من مآلات المغيبات القادمة…
فقه المآل:
فقه عظيم في الشريعة الإسلامية، غير أنه كباقي القواعد إذا لم تؤخذ بصرامتها وانتباه لحسن تطبيقها وإعمالها، فإنها ستفضي إلى عكس المراد منها، وستصبح فرامل في وجه الفقه، وفي وجه كل حل وتيسير. فالدكتور بنكيران اعتبر القول بالاستلحاق جائز وقوي، ولكن منعه من الذهاب إليه مانع المآل، ورجحان المفاسد على المصالح.
وعلى كل حال: فالمآل توقع من عقل الفقيه أن الجائز قد يفضي إلى المفاسد. وهو بالتأكيد توقع قد يصيب وقد يخيب. ولذلك لا بد من أن تكون مؤشراته بناء الحكم المؤقت عليه قوية، وإذا ارتفعت تلكم المؤشرات لم يبق معنى للتمسك بذلك الحكم.
وسواء أصاب عقل الفقيه في توقع المآل أو أخطأه، فإنه دليل عقلي لا تثريب فيه على من أوصله إلى أية نتيجة من النتائج. أعني، أن هذه الدليل (المآل) الذي أوصل مقال الدكتور رشيد إلى المنع، قد أوصلني إعماله إلى حكم الجواز.
ولاية المرأة في الزواج:
في عهد غير بعيد، كانت المعركة مع الخطة الوطنية المشؤومة المسماة ب: الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية. وكانت من جزئيات الحديث المجتمعي، رفض ولاية المرأة في الزواج، وأنه باطل إن تولت عقد الزواج بنفسها، وهو الرأي المشهور في المذهب المالكي وغيره من مذاهب أئمة أهل العلم الذين جعلوا الولاية ركنا من أركان الزواج… وكنت وقتها على خلاف مع المشايخ في هذه القضية، وجلسنا طويلا في مذاكرات لكي أقنعهم أن التعلق بهذه الجزئية في محاربة الخطة غير موفقة، وأن روحها وفلسفتها أهم وأقوى. وعرضت عليهم الرأي الشرعي في ولاية المرأة، فلم يوافقني على ما عرضته وسرا سوى عالمين، أحدهما انتقل إلى رحمة الله وهو الشيخ عبد الباري الزمزمي، والثاني لا يزال على قيد الحياة، وهو رئيس مجلس علمي الآن بمدينة الدار البيضاء.
وبعد أن استقر الأمر في نهاية المعركة على صدور المدونة، وإعطاء الرشيدة حق التزويج، وذلك في مادتين. المادة24:” الولاية حق للمرأة، تمارسه الراشدة حسب اختيارها ومصلحتها”، والمادة25:” للراشدة أن تعقد زواجها بنفسها، أو تفوض ذلك لأبيها أو لأحد أقاربها”.
وبعد أن مضى العمل بهما مدة عقدين من الزمن، تأكدنا أن جميع تلكم المآلات التي قدمت ساعتها لرفض ولاية المرأة في النكاح قد تبخرت، ولم يحصل منها أي شيء منها كما كان توقعهم رحم الله من مات منهم، وبارك فيمن لا يزال على قيد الحياة.
التنكيت على المانعين:
إن المنطق التشريعي في الفقه إذا لم يتم احترامه بصرامة وجدية فإنه سيفضي في بعض جزئياته إلى فروع لازمة لا تستاغ فطرة قبل أن تستساغ شرعا.
وفي نازلة حكم استلحاق ابن الزنا بأبيه الزاني من عدمه، قال المجيزون للمانعين: إن ابن الزنا دائر حكمه بين الاعتراف له بالبنوة، أو رفض هذا الاعتراف. فلما قرر من قرر منهم رفض الاعتراف، قالوا لهم: فإذن، أنتم بهذا المنطق تقررون أن لا علاقة تربط هذا الابن بأبيه الزاني، ولا ببناته أو أخواته ..ولا حظ له في الإرث ولا في كذا ولا في كذا…
هنا أكدوا أن كل هذه الأمور وغيرها مرتبطة بإثبات البنوة أولا، وأن لا شيء لهذا الابن من علاقة غير شرعية بأسرة الأب الزاني أو ماله…
ثم سألوهم: فهل توافقون لهذا الابن أن يتزوج من أخوات أبيه من الزنا أو من بناته …ما دمتم قد حكمتم بأن لا علاقة تجمع بينهم؟ وجدوا أنفسهم بين إجازة الزواج أو رفضه.
فإن قالوا: لا، فقد أقروا بعدم وجود العلاقة بين ابن الزنا وأبيه الزاني وأسرته، ولزم عن رفضهم، الاعتراف له بحق التزوج من بنات أبيه الزاني أو أخواته…. وإن لم ينفوا وجودها وأقروا بوجودها صح لهم القول بمنع التزوج.
أما الجمهور فقد رفض الزواج والإرث…وهذا الرفض اعتراف قوي بوجود علاقة.
ولما أحس الشوافع خاصة أن هذا المنطق في الإلزام قوي، قرروا لابن الزنا أن يتزوج من أخواته وأخوات أبيه الزاني..بعلة انتفاء العلاقة.
وهنا انطلق التنكيت والتبكيت عليهم، فكان مما قال الزمخشري في قصيدته المشهورة في غرائب هذا المنطق:
وإن شافعيا قلت قالوا بأنني*** أبيح نكاح البنت والبنت تحرم
في كتب الفقه:
وهذا ما تذكره كتب الفقه، من جواز زواج ابن الزنا من أخواته أو أخوات أبيه…بناء على أن لا علاقة تجمعهم.
* ففي المغني:” ويحرم على الرجل نكاح بنته من الزنى، وأخته، وبنت ابنه، وبنت بنته، وبنت أخيه، وأخته من الزنى. وهو قول عامة الفقهاء. وقال مالك والشافعي في المشهور من مذهبه: يجوز ذلك كله، لأنها أجنبية منه، ولا تنسب إليه شرعا، ولا يجري التوارث بينهما...”( المغني لابن قدامة:7/ص91).
** وقال النووي:” وقال مالك والشافعي وأبو ثور وغيرهم: لا أثر لوطء الزنى، بل للزاني أن يتزوج أم المزني بها وبنتها، بل زاد الشافعي فجوز نكاح البنت المتولدة من مائة بالزنى“( شرح النووي على مسلم:10/ص40).
** وقال أيضا:” فرع زنا بامرأة فولدت بنتا: يجوز للزاني نكاح البنت، لكن يكره. وقيل: إن تيقن أنها من مائه، إن تصور تيقنه، حرمت عليه. وقيل: تحرم مطلقا. والصحيح: الحِلّ مطلقا“(روضة الطالبين:7/ ص109).
هكذا قرر النووي: أن زواج الزاني من بنته من الزنا الحِلّ مطلقا، وهو الصحيح عنده.
وهذا ما شنعوا به على الجمهور في القول بعدم جواز إلحاق ابن الزنا، أن ذلك يستلزم منه ما يستلزم. وتجنبه الشوافع ومالك وأبو ثور، فكانت الشناعة في القول الناجم عن منع الإلحاق.
القائلون بجواز إلحاق ابن الزنا:
وقد عد الدكتور بنكيران من المتقدمين: عروة بن الزبير، وسليمان بن يسار، والحسن البصري، وابن سيرين، والنخعي، وابن راهويه. ومن المتأخرين: ابن تيمية وابن القيم. ومن المعاصرين: رشيد رضا، وابن عثيمين، ويوسف القرضاوي” هكذا هو عده ونقله.
صحيح أن هؤلاء من القائلين بجواز لحوق ابن الزنا بأبيه الزاني إذا استلحقه وكانت أمه غير فراش. ولكن نظري في هذا الإيراد، ما يلي:
الأول: يجب أن لا يعتقد أن هؤلاء هم فقط القائلون بذلك. فهناك آخرون غيرهم كثير، منهم: الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان، وعلي بن عاصم شيخ المحدثين ومسند العراق من أقران سفيان بن عيينة. والإمام الشافعي في القديم، والإمام أحمد في أحد أقواله…وغيرهم.
الثاني: أنه ذكر من المتأخرين: ابن تيمية وابن القيم، وهذا صحيح. وهناك غيرهما أيضا، منهم: أبو العباس القرطبي صاحب المفهم، أبو عبد الله القرطبي صاحب الجامع، ابن حجر العسقلاني.
الثالث: وهذا هو المهم أن ذكر القائلين لا يليق فقها أن ينزل في الاعتبار إلى درجة التابعين وترك من هم أعلى منهم، وأقصد الصحابة رضي الله عنهم. فإن من القائلين بجواز إعطاء النسب لابن الزنا: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر.
الرابع: وهو الأهم، أن جواز الاستلحاق سنة من سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم في الإلحاق، وهذا أعلى وأقوى. وتركه وعدم إيراده إنزال لقيمة إيراد رأي المجيزين، ولتقليل الخلاف أو حسمه، أو تقوية رأي الجواز على الأقل.
المعاصرون القائلون بجواز إلحاق النسب:
ومثل ما سبق من التركز على بعض الأعلام السابقين والمتأخرين، ركز الدكتور رشيد بنكيران على ثلاثة أعلام من المعاصرين. وهم: رشيد رضا، وابن عثيمين، ويوسف القرضاوي.
ويفهم من هذا أن هؤلاء هم فقط من يقول بذلك. والصحيح أن هناك لفيفا من أهل العلم المعاصرين مغربا ومشرقا ممن يقول بجواز إلحاق ابن الزنا، منهم: الشيخ عبد العزيز بن الصديق الغماري، الدكتور أحمد الريسوني، والفقيه عبد الله بن الطاهر السوسي التناني، وعبد ربه…وآخرون كثر في هذا الباب.
والأعلى من ذلك كله أن عدد القائلين به أصبح كبيرا في هذا العصر، فأفتى مؤخرا مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة التعاون الإسلامي بجواز الإلحاق في دورته الخامسة والعشرين. حيث اختار زمرة من فقهاء العالم الإسلامي من أعضاء المجمع جواز ذلك.
وأحيطكم علما أنه بمجرد صدور القرار، تم إرساله إلي من طرف أحد الأعضاء، ذاكرا لي: لقد انتهوا إلى اختيارك.
السنة النبوية: جواز الإلحاق
وفيها حديث جريج، وفيها ما ورد في سنن أبي داود في قضاء علي بن أبي طالب: عن زيد بن أرقم قال: كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء رجل من اليمن، فقال: إن ثلاثة نفر من أهل اليمن أتوا عليا، يختصمون إليه في ولد، وقد وقعوا على امرأة في طهر واحد، فقال لاثنين منهما: طيبا بالولد لهذا. فَغَلَيَا. ثم قال لاثنين: طيبا بالولد لهذا. فَغَلَيَا. ثم قال لاثنين: طيبا بالولد لهذا. فَغَلَيَا. فقال: أنتم شركاء متشاكسون، إني مقرع بينكم فمن قَرَعَ فله الولد، وعليه لصاحبيه ثلثا الدية، فأقرع بينهم، فجعله لمن قَرَعَ، ” فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت أضراسه أو نواجذه “. وصحح الحديث الشيخ ناصر الدين الألباني، وأدرجه في الصحيح.
وهذه سنة تقريرية في الموضوع، وأنه صلى الله عليه أقر عليا على قضائه في الإلحاق. وقد علق على الحديث في الهدي قائلا:” وأنت إذا تأملت كثيرا من أقيسة الفقهاء وتشبيهاتهم، وجدت هذا(أي هذا الحديث) أقوى منها، وألطف مسلكا، وأدق مأخذا، ولم يضحك منه النبي صلى الله عليه وسلم سدى”(زاد المعاد:4/ص 201 ـ202).
وعلق على الحديث ابن حزم قبله، فقال:” قال أبو محمد: لا يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم دون أن ينكر ما يرى أو يسمع ما لا يجوز ألبتة، إلا أن يكون سرورا به. وهو عليه الصلاة والسلام لا يسر إلا بالحق، ولا يجوز أن يسمع باطلا فيقره. وهذا خبر مستقيم السند، نقلته كلهم ثقات، والحجة به قائمة، ولا يصح خلافه ألبتة”(المحلى بالآثار: 9/ 364).
مقاصد العلمانيين:
وأفهم من مقالة الدكتور بنكيران أنه مستعد للقول بقول الجواز، وأنه معتبر وقوي، لولا أن مآله عند العلمانيين سيوسع الخرق على الراقع، وأنه سيكون لهم سندا في تعطيل الحد الذي هو عقوبة رادعة، وسيستغل في الدعوة للإباحية والشذوذ الجنسي، وفي ارتفاع نسبة أبناء الزنا، وفي رفع تجريم العلاقات المحرمة…ولو لم تكن هذه المحاذير لقال بقول المجيزين. هكذا فهمت منه.
وأنا لا أفهم ما فهمتم من المنع، ولم أقتنع بتحذيراتكم للأسباب الاتية:
1ـ أما أن العقوبة الشرعية رادعة، فلا. فإن الضرب بعدد من الضربات محدودة بالنسبة لغير المحصن ليست عقوبة رادعة لا قديما ولا اليوم. بل إن السجن أقوى في الردع من الضرب مائة جلدة. إن الرادع أساسا عن الوقوع في المحظور إيمان المرء وتقواه. وبعض أهل العلم اعتبروا أن سعار الفتنة اليوم شبهة تدرأ هذا الحد. وأما الرجم ففيه قول عند كثير من أهل العلم.
2ـ وأما أن هذا الجواز سيشجع على الزنا، فإني لم أفهم وجهه، والذي أفهمه أن واقعنا الذي لا يمكن إنكاره، هو تهرب الزناة من تبعات زناهم، وإنكارهم لعملهم الجرمي إذا ووجهوا به قضاء…فاللائق قوله في ظل هذا الإنكار، والتهرب من تحمل المسؤولية، أن يعزز القول بالجواز مخاوف تبعات الزنا لا العكس.
3ـ وأما أن للعلمانيين أغراض خبيثة ومخططات مسمومة، فصحيح. ولكن نازلتي التي أمامي ليست هؤلاء أصلا، فإنهم لا يهتمون بأحكام الفقه والفقهاء، ويتصرفون في غيبتنا وحضورنا كما يحلو لهم، ولا يستحضرون أحكام الشريعة الإسلامية.
إن الذي أمامي هم هؤلاء المواليد من علاقات غير شرعية، لمسلمين وقعوا في الغلط، وارتكبوا المحظور…فأنا لا أنظر للعلمانيين واللادينيين، بل الحكم عندي مرعي فيه المعنيون به أمامي، وهم هؤلاء الآلاف من أبناء الزنا، ومن هؤلاء الزناة الذين هم من عامة الناس وحطمتهم، وهم يكرهون العلمانية والعلمانيين، وينفرون من اللادينيين، ويحبون الإسلام والمسلمين، وهم الذي أعنيهم بجواز الإلحاق، وأبحث لهم عن المخارج، ولست مهتما بمن حادَّ الدين وأحكامه، ولا هو مهتم بي أصلا.
إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله