الدكتور لهنا يكتب: الموت والحياة…
هوية بريس – د.زهير لهنا
في ليلة النزوح، جاءت سيدة إلى المستشفى حوالي الثانية صباحًا وكانت تعاني من ألم شديد بدأ معها منذ غروب الشمس، ولكن بسبب قلة وسائل المواصلات، تأخرت في الوصول. كنت في مكتب رئيس القسم الدكتور غسان، الذي زودناه بسرير لأستريح قليلاً، في الثانية و النصف صباحا أحد الشباب يطرق الباب بشدة. قمت بفتح الباب، اعتذر الطارق وقال لي إن الطبيبة المناوبة رهام بحاجة إليّ لأن هناك حالة قيصرية مستعجلة.
نزلت الطابقين بسرعة، فصادفت السيدة عند باب العمليات والممرضة تحاول أخذ عينة من الوريد للتحاليل وتركيب المحلول، السيدة كانت قد خضعت لخمسة عمليات قيصرية من قبل، وكانت تعاني من ألم شديد وضغط مرتفع. بعد إدخالها لغرفة العمليات ووضع التخدير الموضعي، استطعنا استخراج جنين أنثى، ولكن للأسف دون دقات القلب مع نزيف كبير داخل الرحم. حاول طبيب الأطفال إنعاش الطفلة ولكن بلا جدوى.
أما الأم، فقد دخلت في مضاعفات خطيرة نتيجة ارتفاع الضغط والنزيف الداخلي، مما أدى إلى سيلان الدم وعدم قدرته على التخثر، وهي من أصعب المضاعفات التي يمكن مواجهتها أثناء الولادة وقد تودي بحياة الأم.
مستشفى ناصر الذي يغطي حاليا جنوب القطاع يعاني من نقص حاد في المستلزمات الضرورية لإجراء الفحوصات اللازمة ومتابعة حالة السيدة للخروج من هذه الحالة الخطيرة. لذلك، كان علينا الإسراع بترميم الرحم وخياطته، ثم إعطاء السيدة مقبضات لتجنب استئصاله، وتزويدها بوحدات دم وبلازما تحتوي على عوامل تخثر خارجية، لتمكين دمها من التخثر إلى أن يتمكن كبدها من إنتاج تلك الوحدات وتستطيع هي أن تخثر دمها وتخرج من منطقة الخطر.
كانت المهمة صعبة مع صوت آذان الفجر يدوي في الرابعة ونحن نقاوم من أجل الحياة بالوسائل المتاحة.
لم أستطع تحمل فقدان الطفلة البريئة التي دفعت ثمن الحرب ولم ترى نور الحياة بعد.
نحن مسلمون، نستسلم لأمر الله، لكن الإنسان مكلف ببذل كل جهده لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. فالذين يستهينون بأرواح البشر يفقدون إنسانيتهم، وهذا أخطر ما يمكن أن يهدد كيان أي انسان.