الدور المحوري للفقهاء والعلماء في مطالب استقلال المغرب وتوحيده
هوية بريس – ذ.إدريس كرم
** ملخص:
يستعرض الموضوع دور الفقهاء والعلماء، في الحفاظ على العقيدة الإسلامية في المجتمع المغربي، باعتبارها الدينامية التي استعصت عن المحو، رغم ما بذل من جهود فكرية وتبشيرية وعسكرية، من قبل الأوربيين الذين فعلوا المستحيل من أجل ذلك، لدرجة اعتبروا تغيير هندام المغاربة، واختزالهم في اسم واحد هو: محمد أو فاطمة نصر مبين، لأن ذلك سيؤدي لضياع مفتاح حياتهم، ودفن هويتهم.
بيد أن أذيال جلابيب الفقهاء، وسلاهيم العلماء، كانت تلك التطلعات، ولم تكن مطالب الاستقلال سوى عناوين وشعارات، تكسر مخططات التفرقة والتغريب، كلما ظهرت لبوساتها.
لذلك ما أن حلت 2000 الموعودة، حتى وجدت المساجد غاصة بالمصلين، ومدراس القرآن ملآى بالطلبة، على خلاف ما توقعه لوطورنو وتلاميذه.
** كلمات مفاتيح:
محمد حسن الوزاني، موليراس، هاردي، شارل دوفوكو، الجنرال مانجان، بول بيتان، بول مارتي، أدينو، لوطورنو، ييفون، لوكلاي، الكتاني، الحجوي، الفقيه البوعزاوي، الفقيه لعتابي، شنقيط، السلطان العثماني رشاد، ربير منطان، المكي الناصري، معنينو، عواد، سجن كلميما، مجلة “مغرب”، جريدة “عمل الشعب”، مطالب الشعب المغربي.
** نص الدراسة:
التهديد الأوربي للعقيدة الإسلامية بالمغرب:
مطالب (بالجمع) العلماء والفقهاء باستقلال المغرب وتوحيده، مطالب عقدية، قبل أن تكون مطالب سياسية أو اجتماعية، لأن الأوربيين لم يخفوا نواياهم في وجوب تدمير العقيدة الإسلامية بالمجتمع المغربي قبل انتزاعها من قلوب ونفوس أفراده.
يقول موليراس، مبعوث الأكاديمية الفرنسية للمغرب سنة 1900: “على عاتق الدول الأوربية أن تنزل الضربات التي لا ترحم بمناهج التعليم في مساجد المغرب، حيث يترعرع التعصب وينمو، منذ قرون في أذهان الطلبة، والأساتذة على السواء، هؤلاء الذين يلهبون قلوب الجماعات الشعبية بشعور الكراهية ضد كل ما ليس مسلما”.
لأنه “قلما رأينا شعبا في تاريخ العالم، بقي كالشعب المغربي، محافظا على وجوده، رغم الحوادث التي مر بها، وظل متحدا في صفاته، مرتبطا بعاداته وأنظمته التقليدية، غيورا على حريته الصحيحة” (هاردي في كتابه: نهضة المغرب:ص6).
يقول الأب شارل دفوكو ناصحا الحكومة الفرنسية: “لن يكون المغرب لكم، مادام الإسلام فيه”، ويقول الجنرال منجان: “تشبث المسلمن بالدين، يفوق تشبثهم بشعائر الإسلام، فإذا احترمنا فكرة الدين عندهم، تمكنا من هدم بناء القرءان وتعاليم محمد، ولا شك أننا لا نقرب لهؤلاء الأهالي الحضارة، إلا عن طريق المدرسة التبشيرية، لا المدرسة اللائكية الملحدة”.
ولذلك عملوا من أول وهلة على تحطيم الرموز، وتسفيه الشعائر الإسلامية، لزعزعة مكانتها في النفوس من خلال ما يفعل بها في الأعيان، من قبيل تجريف المقابر، كما حدث في الدار البيضاء، ووجدة، وسلا، وغيرها، وتحويل المساجد لرباطات دواب الجند، في أكثر من مكان والدعوة لجعل الخمر مشروبا وطنيا بدل الشاي سنة 1929، وربطه بتنظيم البغاء الرسمي والموسمي،، للترفيه على الجنود والمعمرين المزروعين في سهول وشواطئ المغرب الممكن، وتسريبه للمغرب المحتمل العاصي عن الاحتلال، وتحويل النساء في الناطق الصنعية والمعامل التحويلية لسلع، في أفق نشر ما يساهم في إفقاد المغربي مفتاح إدارة توازن حياته، كما قال نقيب المحامين الفرنسيين بمكناس، paul buttin في كتابه le drame du maroc.
وخير شاهد على ذلك، ما فعل حاكم الرباط مع باشا سلا في رمضان 1911 الذي بينته الرسالة التالية:
“من جناب سعادة السيد الجنرال الأكبر الحاكم على جيوش الدولة الفرانساوية برباط الفتح وسلا وجوارها، إلى القايد الحاج الطيب الصبيحي، عليك السلام التام وبعد:
إني سأقدم عندك يوم الإثنين الآتي على الساعة الحادية عشر صباحا مع ولدي الإثنين، وأفطر عندك إن شاء الله والسلام، بتاريخ 29 غشت 1911 (4 رمضان 1322).
وما فعله ليوطي مع رئيس المجلس العلمي بفاس، عندما طوق رقبته بوسام الشرف، المنتهي بصليب، استقر على صدره، مذكرا الناس بنذر البلاء القادم مع فرنسا، الحالقة لدين ودنيا المغاربة، وهم يشاهدون إهانة كبير علمائهم أصحاب الجلابيب على رؤوس الأشهاد.
الذي وصفهم ليوطي بأصحاب الجلابيب والبرانيس الذين يترددون على القرويين ليتحلق حولهم الطلبة فيبثوا فيهم من روحهم الإسلامية المتعصبة قبل أن يلقنوهم دروسا في الشريعة الإسلامية، وأنه لن يرتاح حتى يقضي عليهم (ادريس كرم؛ هيسبرس 2013/1/4).
وهو ما جعل بول مارتي يمنع كل تنقل للفقهاء في القبائل، وكل مظهر إسلامي بها، لأن الإسلام تهديد لفرنسا وخطر عظيم على نفسها، كما كتب بول أدينو في كتابه: “محور السياستين” ترجمة 1927.
ولا يخفى ارتباط الإسلام بالفقهاء والعلماء والمساجد، الذين قال عنهم لوطورنو، مدير ثانوية مولاي ادريس، ومؤلف كتاب “فاس قبل الحماية” في مقال سنة 1937 يتعلق بنظرة تلاميذ مدرسته لفاس سنة 2000 حيث (يعتقدون أن المساجد في هذا التاريخ ستكون فارغة، والمدارس القرآنية ستبدو كأنها أماكن مأهولة بالمكروبات… وطلبتها يشربون ماء غسل بياض صلصال الألواح، فالجيل الشاب في طريقه للقطع مع الجيل السابق، وهو ما يقلق الآباء)l,enseignement au maroc…yvonne knibiehles.
يبدو أن لوطرنو لم يكن يعلم برأي (le glay) في أن “المغربي كائن ديني عميق… التدين عنده غريزة دفينة، قوية تحدد تصرفه ونظرته للعالم، ودينه الرسمي اليوم هو الإسلام، الذي يرتبط به وبشعائره بصدق… (انظر جورج هادي ص54).
ذلك التمكين هو ما يبينه بول أدينو (غالبا ما يتلقى الفقيه دروسا في بداية عمره متنقلا بين زوايا الجبال ومساجدها من شيوخ منقطعين هناك، متعصبين ضد الكفار، يأمرون بالجهاد).
ويصفه نقيب المحامين بالرباط، المنصب للدفاع عن معنينو ومن معه، في قضية محاربة نشر الخمارات بسلا قوله، “إن السيد معنينو قرأ في القرويين، التي لا تدخلها الشمس لافتقارها للنوافذ، لذلك يقع للمتعلمين بها شبه خلل في عقولهم” لذلك هم ضد نشر الخمارات.
يقول إبراهيم الكتاني (دخل علينا في سجن كلميما ضابط فرنسي برتبة كمندار، وقال:
أنتم تلاقون جزاء أفعالكم الذميمة، التي أقلقت الحكومة، وقضَّت مضجعها، فقد دبرتم حوادث مكناس ومراكش، ولخميسات، وبني يازغة، ووزان وغيرها، وأخيرا حوادث فاس والقنيطرة، ووجدة والرباط وسلا، لقد أردتم القيام بانقلاب من نوع الانقلابات التي قام بها رجال الدين بالمغرب، هذه الحوادث كشفت النقاب عن نياتكم وعجلت بوجوب القضاء عليكم، قضاء لا قيام لكم بعده) “من ذكريات سجين مكافح في عهد الحماية الفرنسية البغيض في المغرب أو أيام كولميما” الكتاني ص:72.
ويقول أدينوا (ليس صحيحا أننا نود إبقاء المسلمين على حالتهم، ولا أن نرد للإسلام زهرة علومه ومعارفه، فنتكلف بنشر القرءان والحديث والسنة، فيما بين المسلمين، إن دعوتنا تلك هي مجرد كذب وافتراء وزندقة لنتوصل لجلب قلوب المسلمين ونفوسهم لجانبنا) ص:183.
فهذا التجنيد ضد الفقهاء والعلماء، -الذين يقيمون صرح الإسلام وينافحون عنه- من قبل منظري الإستعمار ومنفذي سياساته، يقصد به إخلاء الساحة منهم، ومن أفكارهم وتكوين خلف لهم، حتى يتمكن من زرع المعمرين فيه، لإيجاد شعب جديد مغاير لما هو موجود بالمغرب.
فلا غرو أن يعلق محمد الحجوي حين احتلال فاس سنة 1911 (إن مصيبة الإحتلال هو في الحقيقة ضياع الوطن والدين، فما أشأم شمس هذا اليوم على المغرب، فليبك عليه من في قلبه مثقال حبة من إيمان… فقد فقد أهل فاس والدا كريما واستقلالا عظيما) مسائل ورسائل… ص:28 ادريس كرم.
فمسألة استقلال المغرب، لم تكن غائبة عن الفقهاء والعلماء، بل كانت عقيدة، لأن الإستعمار كان ممزوجا بالتنصير والعبودية.
ومنذ معاهدة للامغنية 1845 التي أنشأت أولى خطوات بتر أطراف من شرق المغرب وجنوبه، والعلماء ينافحون عن ذلك الإستقلال بالقول والسلاح ثم بالسياسة والقلم.
جاء في رسالة للفقيه البوعزاوي قائد مجاهدي الشاوية من محبسه بفاس 1906 بعث بها لقبائل الرحامنة ودكالة: (إني أواخذ عليكم تخاذلكم، كيف بالله تستطيعون النوم في خيامكم وجبالكم، والعدو مستقر بأرضكم، إنه التخاذل أمام الكفار، الذين يظنون أنهم أقوياء وما القوة إلا بالله، فاطردوا العدو إن كنتم ترغبون في رضى الله ورسوله، وإن الذي يكتب هذه السطور ليوجد حبيس الظروف، ولكن الوقت لا يسمح بالانتظار، إنكم إذا لم تستجيبوا لدعوتي، وتهبوا وتستجيبوا لدعوة الله في الجهاد، فلن يبق لي إلا أن أوجه الدعوة لنسائكم للجهاد نيابة عنكم
الامضاء
العبد الضعيف محمد البوعزاوي) أنظر:
(مصطفي العلوي: الحرب المغربية الفرنسية الاسبانية 1906-1936 ص:92).
مراحل المطالبة بالإستقلال
بعد إعلان الحماية، كان أول من طالب باستقلال المغرب وتوحيده، هو العلامة محمد لعتابي؛ كاتب وزير العدل، أبي شعيب الدكالي، الذي توجه للمشرق بعد عزل مولاي عبد الحفيظ، للتنديد بالذي حدث، وذلك سنة 1913، وقد اتصل الفقيه بالخليفة العثماني محمد رشاد، وطلب منه مساعدة المغرب على استرجاع استقلاله، وفي تركيا قدم طلبا للمؤتمر الإسلامي المنعقد بها، للإعتراف باستقلال المغرب، فتم له ما أراد، فحاكمته فرنسا غيابيا، ومنعته من العودة للمغرب، وتجريده من أملاكه.
وفي سنة 1917 نجح في استصدار مصادقة المؤتمر الإسلامي المنعقد باستكهولم، على الإعتراف باستقلال المغرب، وضم إقليم شنقيط (ادريس كرم: هسبريس 19/1/2013).
** تقديم مطالب إصلاحية سنة 1920
وفي سنة 1920 قدمت لليوطي مطالب بالإصلاح، كان جوابه عليها في تقرير أرسل للحكومة الفرنسية، عربه الشيخ المكي الناصري، تحت عنوان: (سياسة الحماية الفرنسية في المغرب الأقصى، تقرير سري من المرشال ليوطي إلى وزارة الخارجية الفرنسية في 3/12/1920 ومما جاء فيه:
إن الشعب المغربي هو أكثر شعوب الشمال الإفريقي استعدادا وقابلية للتجديد، ولا يوجد بلد يدفع فيه ثمن الجهالات والمناورات الفاسدة بسرعة وبغلاء مثل المغرب (ص:15)، وهذا ما جعلهم يضمون شملهم ويوحدون جبهتهم ليعلنوا مطالبهم مثل ما حدث في شهر يونيو الفارط 1920 حيث طالبونا بصحافة حرة، وإصلاحات في التعليم الخ.
ويمكن التيقن التام أنه فيما حولنا وعلى غير علم منا تتكون حركة فكرية على وشك الظهور، وأنه توجد اجتماعات سرية عدائية، وتعليقات على الحوادث العالمية، وعلى حالة الإسلام بالخصوص، وأن ذلك سيبرز وينفجر في يوم من الأيام، إذا لم نهتم بهم، ولم نقبض دون تأخير، على زمام هذه الحركة.
أنا أعلم جيدا أن الإدارة المباشرة، لاصقة في جلدنا نحن الموظفون القادمون من فرنسا، والضباط القادمون من الجزاير… كل من هو رجل إداري يعتبر أن الأهلي المغربي، من سلالة سفلى، والنظر إليه بصفة كمية لا تستحق سوى الإهمال (ص21).
** الرابطة المغربية جمعية استقلالية:
وفي سنة 1926 تم إنشاء جمعية الرابطة المغربية وأنصار الحقيقة بالرباط، يقول عنها أحد مؤسسيها الحاج محمد بنونة:
(وطنيتنا ولدت استقلالية من الساعة الأولى… لها ظاهر وباطن، الظاهر محاربة البدع والخرافات، والأوهام والتفرنج وانحلال الأخلاق، وباطنها محاربة الإستعمار، والعمل على استقلال الوطن، وتحرير الشعب المغربي من الإحتلال، وإرجاع مجد الأجداد المفقود، شعارها نموت ويحيى الوطن، وغايته الإستقلال أو الموت الزؤام، ) الذكرى الفضية لتأسيس الجمعية.
** العلماء في الواجهة:
كتب روبير مونطان عن توجهات الشباب المغربي في العشرينيات يقول:
لقد تألم هؤلاء الشباب من دخول الشاب محمد بن عبد الجليل إلى المسيحية، وهو متخرج من الثانوية الإسلامية بالرغم من أنهم أدخلوا شابين فرنسيين للإسلام وهما delong وfaroil إن جميع هؤلاء الشباب بدون استثناء وطنيون في أعماقهم، ولا يوجد من بينهم من يقبل إمكانية التعامل الغير المحدود مع فرنسا (الإتحاد الإشتراكي4/1/2007 ص2).
ويضيف (إن النتائج المحصل عليها بخصوص الغزو الأخلاقي كانت مخيبة للآمال في الغالب… لأنه لحد ذلك الوقت كان ما يزال علماء المغرب أكثر تشددا في الدفاع عن التقليد الثقافي الذي يتلاءم مع العادات العريقة للإمبراطورية الشريفة( (الإتحاالإشتراكي5/1/2007).
وفي 1929/12/7 ألفت الإقامة العامة لجنة لدراسة السير الحالي للعدلية البربرية والتغيرات التي تدخل عليها، وهذه اللجنة، عقدت ثلاث جلسات: الأولى في 1930/2/26 والثانية في 1930/3/6 والثالثة في 1930/3/13؛ وقد توجت اجتماعاتها بإصدار ظهير 16 ماي 1930 المستند على ظهيري 1914/9/11 و1922/6/15 المتعلقين باحترام الأعراف وتفويت العقارات للأجانب، تدبر بقرارات وزارية حسب المصلحة، وطبعا مصلحة الحماية، وبذلك تضع حدا للحاجة لموافقة السلطان، ومنه الرجوع للشريعة الإسلامية، باعتباره حاميا لها، وظهيره هو المعتبر في قانونية التشريع، وحقق الرغبة التي عبر عنها فكتور بيكي في كتابه (تاريخ المستعمرات الفرنسية) بإنشاء قانون مغربي لا يستمد شيئا من القرآن لا قليلا ولا كثيرا.
un droit marocain qui n,a nullement besoin d,emprunter quoique ce soit au coran
أنظرها في (“فرنسا وسياستها البربرية في المغرب الأقصى” محمد المكي الناصري؛ ص:33-137-139).
فأوجب هذا العداء السافر الذي انتهى بالإدارة المباشرة -التي حولت المغرب من محمية لمستعمرة-إلى هبة الفقهاء والعلماء لإدانة السياسة الفرنسية في الداخل والخارج، الهادفة لتنصير المغاربة، والتمكين للتغلغل المسيحي، من خلال المبشرين المصاحبين للقوات الفرنسية، أو المعمرين المنزرعين فيه.
وقد انطلقت العملية، من ترديد “اسم الله اللطيف” في كتاب كان يديره قاضي سلا السابق عواد، الذي لم يألوا جهدا في مقاومة استيلاء المعمرين على الأراضي المحيطة بسلا، انظر (سلا “المدينة المقفلة” لـ:-عز الدين معنينو-ص 134 وما بعدها).
ضربة قاضية للسياسة البربرية:
شبه ربير منطان حدث 16 ماي 1930 بقنبلة انفجرت فجأة كانت سببا في تطور الوطنية المغربية.. خاصة مع الحملة الإعلامية التي قادها أساقفة الرباط الذين كانوا يعتبرون عملهم هذا بمثابة إنجاز سياسي كبير من شأنه تجنب أسلمة البربر (ص:854 جواد الفرخ ج2).
وقد خلص اجيرون إلى أن السياسة البربرية للحماية بالمغرب كانت خطأ سياسيا جسيما، أسفرت عن نتيجة عكسية ساهمت في توحيد المغاربة وميلاد الحركة الوطنية المغربة (جواد الفرخ 855 ج2).
فظهرت أدبيات ومساجلات ومظاهرات للاحتجاج على خرق معاهدة الحماية التي تضمن الحفاظ على الدين والمعتقدات الإسلامية للمغاربة وسلطة السلطان كممثل للشرع.
ومن الكتب الهامة التي ظهرت وقتها كتاب (فرنسا وسياستها البربرية في المغرب الأقصى) وكتاب (الأحباس الإسلامية) و(عاصفة في مراكش) بالفرنسية للشيخ محمد المكي الناصري.
جاء في محاضر اللجنة المكلفة ببحث تنظيم العدلية البربرية السابق ذكرها، تدخلات:
إيزار: في سنة 1924 اجتمعت لجنة مشابهة لهذه اللجنة، وأعلنت وجوب إصدار ظهير للاعتراف بوجود “الجماعات”… وقررت وضع “مشروع ظهير” يعطي اختصاصات الحكم في الجنايات للقواد، وفي المسائل المدنية والتجارية للجماعات.
كورديي: إن ظهير 1914 هو الوثيقة الوحيدة التي اعتمدت عليها إدارة الأمور الأهلية في الجهات العسكرية، إدارة المراقبة المدنية في النواحي المدنية لإقامة عدلية ملائمة لرغبات البربر، وحقوقهم المعترف بها، وذلك في سبيل الأمن السلم.
بلان: يظهر لي أنه ليس من الممكن مطالبة السلطان بإصدار ظهير عام، ينشئ عدلية مخالفة لعدليته الخاصة.
بينازي: الفصل الثاني الذي يتكلم عن الأمور المدنية، حيث أنه يمس القانون الإسلامي المنزل، ويطلب من المخزن أن ينفذ قانونا ليس قانونه الخاص.
بلان: إن السلطان -مصطبغ بصفته ونفوذه كرئيس ديني- لا يمكن أن يقول لنا إلا شيئا واحدا: (إفعلوا ما تريدون لكن افعلوه بأنفسكم).
في سنة 1927 كتب مستشار الحكومة الشريفة إلى الكاتب العام للحماية، السلطان لا يريد أن يضع في قانون رسمي، قرارا يهدم الشريعة، ولا أن يعلن بصفة من الصفات، تنازله عما له من الحقوق، بصفته إماما وحارسا للقانون الديني، وهذه عنده مسألة نفوذ أمام رعاياه، ومسألة شعور ديني صادق، هو متعلق به شديد التعلق.
كوردي: لا يلزم فقط إصدار ظهير من السلطان لتنظيم العدلية البربرية وتحديدها، بل يجب أن يتعاون السلطان مع الأمة الحامية، لتنفيذ هذا التنظيم.
ايزار: إذن فعلى الحكومة أن تفاوض السلطان في هذه المسألة (فرنسا وسياستها… ص:139 وما بعدها).
وهكذا تم أخذ سلطات الحماية مسألة تنظيم العدلية باستخفاف، مثل ما فعل بالتعليم والفلاحة والصناعة، فكانت النتيجة كما قال ليوطي في تقريره السابق، أن دفعت فيه ثمنا غاليا لمناوراتها الفاسدة، ضد مؤسسات المغرب الشرعية، التي مثلت حركة اللطيف عصيانا مدنيا وتمردا شعبيا على سلطة المستعمر دون أن يستطيع لهما وقفا، لأن ترديد اللطيف بالمساجد كما يقول محمد حسن الوزاني أصبح تحديا للأقوياء، ومجابهة للطغاة (ص73/ج3)، وصيغته: اللهم يا لطيف نسألك اللطف فيما جرت به المقادير، ولا تفرق بيننا وبين إخواننا البرابير، ورافقت الحركة خطبا ومظاهرات وعرايض، واعتقالات، وكان من نتائج حركة اللطيف، أن ظهرت:
مجلة (مغرب) بالفرنسية يولي و1932 بباريس، وذلك للسير بالحركة الإحتجاجية على الظهير البربري خطوة إلى الأمام بالخارج يقول الوازاني (ج3/ص206) وكان من كتابها بلافريج، عبد القادر بن جلون، واليزيدي، وعمر بن عبد الجليل، وعبد اللطيف الصبيحي، ومحمد حسن الوزاني.
وجريدة عمل الشعب 1933/8/4 بالفرنسية بفاس التي كان صدورها فتحا مبينا لا في عالم الصحافة المغربية فقط، بل كذلك في مجال الكفاح الوطني الذي شهد انطلاقة فجرت الحماس وحررت الطاقات.. فأصبحت (عمل الشعب) قطب الحركة الوطنية ومحور المعارضة، والمطالب باسم الأمة (الوزاني ج3 ص355) ومن كتابها:
محمد حسن الوزاني، محمد الخلطي، عمر بن عبد الجليل، محمد اليزيدي، محمد حصار، عبد القادر بنجلون، محمد الصالح ميسة، المهدي لمنيعي، محمد بردلة، عبد القادر بن عمر برادة (الكتابة بالفرنسية في المجلة والجريدة).
وفي 11 ماي 1934 منعت الجريدة من الصدور بعد حوادث فاس التي صاحبت زيارة السلطان لفاس انتقاما منها على ما قامت به بمناسبة الرحلة السلطانية وإسكاتا لصوت الحركة الوطنية المغربية (الوزاني 3ص395)؛ وفي بحثي عن سبب توقيف الجريدة، قمت بزيارة للإقامة العامة، ومنها خرجت بفكرة إعداد لائحة بمطالب الحركة الوطنية، فعرضتها على الرفاق، اتفقنا على إنجاز الفكرة ص65/66ج4 وعقدنا سلسلة من الاجتماعات في بيتي بفاس وبيت محمد اليزيدي بالرباط، وكان المشاركون المعتمدون هم المتكلمون بالفرنسية؛
اليزيدي، وابن عبد الجليل، والمكي الناصري، وانضم إلينا علال الفاسي، فاتخذنا الأساس هو “عمل الشعب” ومصادر أخرى، من كتب ووثائق نشرات كلها بالفرنسية ومنها الطبعة الفرنسية الكاملة للجريدة الرسمية المغربية… وساعدنا في الحصول على ما سبق عبد الله الركراكي، ومسعود الشيكر.
يقول أبو بكر القادري (لقد جد الناصري في درس تلك المطالب، وأضاف إليها مواد جديدة، ونقح شيئا منها مما جعلها أكثر انسجاما، وأنضج تكوينا) (مذكراتي في الحركة الوطنية المغربية من 1930 إلى 1940 ج 1ص294).
مطالب الشعب المغربي:
مطالب الشعب المغربي، ليست كما وصف بعضهم -جهلا أو عنوة- [تعبيرا عن (ميلاد وعي وطني زائف) لأنه لا يقول شيئا عن الكيفية التي نشأت بها فكرة تحرير هذه الوثيقة، ولا عرف محرروها، ولا عن اللغة التي حررت بها، ولا عمن اقترح التسمية، التي تعرف بها، ولا عن المشاركين في إعدادها، وكتابتها، بأسلوب فرنسي راق جدا، لا يمكن أن يكتب بها إلا من يمتلك الثقافة الفرنسية، وهم ليسوا في شباب كتلة العمل الوطني.
فالمطالب برنامج فرنسي إعدادا وتحريرا “ويخلص للقول بأن فرنسا” بعد أن خلقت دولة عربية جديدة بالمغرب سنة 1912، كان عليها أن تخلق نخبة في 1934 تدافع عن عروبة هذه الدولة، وتسلمها لها سنة 1956 أنظر (هسبريس 2015/12/21)] هذه النخبة هي غير تلك التينوه بها لوطورنو.
فلو كان الأمر كما ذكر آنفا لما دون الفرنسيون المنوه بهم في أول المطالب تعريف:
الحماية – نظريتها – مهمتها – شروطها؛ واستدلوا بما جاء في تقرير ليوطي سنة 1920 من (أن الحماية هي أن بلادا تحتفظ بتنظيماتها، وتحكم نفسها، وتدير شؤونها.. ووضعوا من الإصلاحات ما يقوض سياسة الحماية مثل:
تحرير قانون مغربي، يكون مستمدا من الفقه الإسلامي وتطبيقه على سائر المغاربة، وتأسيس لجنة لتحرير القانون المغربي من العلماء بالشريعة، وبعض الإختصاصيين في القانون، وجعل اللغة العربية هي اللغة الرسمية في أعمال المحاكم، وتوحيد برامج التعليم الحديث، لجميع المغاربة، دون تفريق بين الطبقات، إجبارية التعليم الابتدائي من 6 سنوات إلى 12، جعل تعليم القرءان والعربية والدين الاسلامي تاريخ المغرب وجغرافيته، ومنحها في الامتحانات نفس الاعتبار الذي لغيرها من المواد، إلغاء التشريع القاضي باعتبار نزع الملكية لإحداث دوائر استعمار من المصلحة العامة، مع إيقاف الاستعمار الرسمي، الاحتفاظ بالأسماء المغربية للمدن والقرى والشوارع والأحياء المغربية، وعدم تغييرها بأسماء أجنبية، احترام الأعياد الإسلامية، واعتبارها أيام عطلة رسمية، عدم استعمال لقب (صليب) في الأوسمة الشريفة بسائر درجاتها (الوزاني ج4 ص 363 ومابعدها).
ترى هل هذه نخبة مهادنة مسالمة متعاونة مع الحماية من أصحاب اللطيف، سمتها (لجنة العمل المغربي) ووضعت لها كأرضية أديولوجية (مطالب الشعب المغربي)؟
وكعادة النظرة الإستعمارية التجزيئة، لم يلتفت محول “أصحاب اللطيف لعملاء”، إلى الحركة التحررية التي كانت تجري في الشمال، ولا لجرائدها ومجلاتها، ودور شبيبتها، في مناهضة الظهير البربري، لا من قريب ولا من بعيد.
ودعما لمبادرة تقديم دفتر (مطالب الشعب المغربي)، وجهت الهيئة الوطنية بالمنطقة الخليفية برقيتين للسلطان محمد بن يوسف، ووزير الخارجية الفرنسية وذلك في فاتح رمضان 1353 موافق1934/12/9 موقع من قبل السادة:
التهامي الوزاني، الحسين بن عبد الوهاب، عبد السلام بنجلون، محمد المصمودي، محمد طمانة، مخمد عمير، محمد باغوز، محمد افلال، محمد داوود، عبد السلام بن عبد الوهاب (جواد..ص:865).
وفي سنة 1942 تم إنشاء جبهة قومية مغربية إسلامية عامة، جامعة لكافة عناصر الوطنية العاملة للسعي لإقامة نظام إداري وسياسي جديد في المغرب، يضمن حقوق المواطنين المغاربة، ويصون حرياتهم في جميع أطراف المملكة، للوصول إلى حياة حرة مستقلة.
واعتبار المطالب المعنونة (بمطالب الشعب المغربي) حدا أدنى، لإقامة النظام الأساسي المرغرب فيه… الخ (الميثاق الوطني… للوطنية المغربية 1942).
فإذا كانت حركة مناهضة الظهير البربري، قد أبانت على تجذر العقيدة الإسلامية في النفوس، فإن حركة المطالب، قد بينت أن المغاربة لا يمكن أن يعيشوا إلا مسلمين، في تلاحم بين القاعدة والقمة، وأن وثيقة المطالبة باستقلال المغرب وتوحيده، كانت امتدادا للمقاومة المسلحة التي خاضها المغاربة في الجبال والسهول والصحراء بقيادة الفقهاء والشرفاء وممثلي المخزن الشريف، والممانعة التي أبداها السلطانان مولاي يوسف وابنه محمد، الذي سيتوِّجُه المغاربة ملكا عليهم سنة 1933، ويحتفلون بوم تنصيبه خلف لوالده، في تحد للحماية، ويفتكونه من هيمنتها في سنة 1936 أثناء زيارته لفاس، مترجمين ذلك الإلتحام في وثيقة 11 يناير 1944 المطالبة باستقلال المغرب رافعين شعارا، من صياغة العلماء والفقهاء هو: الله، الوطن، الملك.