الدولة الصهيونية دولة زنادقة.. بين اليهود الحسيديم والملاحدة
هوية بريس – د. طارق الحمودي
يهود الخزر الأتراك…والأشكناز الشرقيون
يعني الباحثون بيهود الخزر، يهود الإمبراطورية التركية الخزرية الواقعة بين مجرى الفولغا والسفح الشمالي لجبال القوقاز، ممتدة إلى ما حول بحر آزوف ثم إلى مدينة كييف عاصمة أوكرانيا ووسط الدينبر، ومع مناطق واسعة من جنوب روسيا، محصورة ببحر قزوين والبحر الأسود، وكانوا في أول أمرهم على الديانة الشامانية الصوفية الباطنية، ثم تحولوا إلى اليهودية في عهد الخلافة العباسية، وبعد سقوط دولتهم، تفرقوا في أوروبا الشرقية ثم العالم، ونسلهم اليوم يمثل نحو 80 في المائة من يهود العالم، ولهم النفوذ الأكبر، وكانت الإمبراطورية الخزرية اليهودية العائق الأكبر أمام تقدم الفتوحات الإسلامية المحاولة الالتفاف من جهة الشرق نحو أوروبا الغربية، وقد دامت الحروب بينها وبين المسلمين نحو المائة سنة! ومن عجيب الأخبار، أن يهود الخزر كانت لهم مراسلات كثيرة مع يهود الأندلس، الذين هم من يهود السفرديم، وأفضل كتاب في تاريخهم كتاب “تاريخ الخزر” لدنلوب، ومنه استفدت، ومن “يهود الخزر، صهاينة أشكناز” لأحمد توني عبد اللطيف، وقد كان سقوط دولتهم على يد الروس السلاف، الذين بدأوا باسترجاع كييف أولا، ثم دمروا باقي الإمبراطورية التي سقطت في الثلث الأخير من القرن العاشر الميلادي.
هرتزل.. مؤسس الدولة الصهيونية الملحد
قال الدكتور عبد الوهاب المسيري في موسعته عن الصهيونية واليهودية: (مصطلح يهودي ملحد يبدو وكأنه تركيب واضح التناقض …ولكن معيار تعريف اليهودي ليس كونه مؤمنا بالعقيدة وإنما كونه مولودا لأم يهودية، وبحسب الشريعة اليهودية يمكن أن يكون اليهودي من الناحية النظرية يهوديا وملحدا في الوقت نفسه)، وزاد المسيري: (يبدو أن الرأي العام الإسرائيلي بدأ يتجه اتجاها مغايرا في الآونة الأخيرة، بحيث أصبح لا يمانع في إطلاق مصطلح يهودي على مسيحي هاجر إلى إسرائيل مدفوعا بدوافع صهيونية).
قلت: ولا يخفى على قارئ الذكي، أن اليهودي هنا صار بمعنى الصهيوني، ولست أفوت الفرصة للتنبيه على أن وصف اليهودي الملحد، يقابله عندنا سعي إلى إحداث مثله في الفكر الإسلامي، فيوصف الملحد بأنه مسلم لأنه مولود من مسلمين، وهو الإسلام اللايت المفصل على رغبات الإمبريالية العالمية.
وبعد هذا، لا يستغرب أن يعلم أن ثيودور هرتزل وزملاؤه الذين سعوا في إنشاء دولة يهودية صهيونية، كانوا زنادقة ملاحدة، وما كتب عنهم وكشف من حقائق حياتهم يدل على هذا.
الحسيديم الصوفية
تنتسب هذه الطائفة اليهودية -والتي يتميز أتباعها بلباسهم وقبعاتهم المدورة أو المصنوعة من الفرو- إلى مؤسسها “إسرائيل بن أليعازر” الأوكراني، وكان متصوفا مترهبا، اعتكف في الجبال طلبا للكشف والولاية، ويُزعم أنه كُشف له عن تعاليم خاصة، واشتغل بالرقية والشعوذة وكتابة الطلسمات، واجتمع حوله الناس، وزعموا له الكرامات والخوارق، وكان يعادي حاخامات اليهودية التقليدية، وينتظر ظهور “المسيح” اليهودي المخلص، وبذلك أسس طائفته “الحسيديم“، والتي تعني “الأتقياء” أو قل: “الأولياء“! وقد توفي سنة 1960م، ومن أحسن ما كتب في الكشف عن تاريخهم وعقائدهم وعباداتهم وعاداتهم، ما كان نصحني به شيخنا محمد بوخبزة رحمه الله، وهو: “اليهود الحسيديم” لـجعفر هادي حسن، وهو كتاب “رائع“.
الزوهار
يحتوي كتاب الزوهار على كل عناصر ما يسمى “القابالا” اليهودية، -الذي أظهره أحد الأحبار الإسبان- وهو جملة من التعليقات والشروح لمجموعة من الأحبار اليهود على نصوص التوراة، وعلى واحدة من أغرب نظريات التأويل القديمة، والتي أنتجت منظومة فكرية من أكثر الباطنيات إثارة، ومن القرن السادس الهجري، ظهرت أولى المجموعات القبلية في “جيرون“، والتي شكلت نواة لسلاسل القبليين الظاهرين في إسبانيا بعد زمن التكتم.
و”القابالا“، نظام تأويلي باطني، يعتمد على حساب الجمل، وعلم الأعداد الباطني، والتأويل الرمزي، وهو جملة اعتقادات باطنية وأعمال وثنية على رأسها السحر.
ثم رواية أخرى تشير إلى قصة ثانية لنسخة أخرى من “الزهار” انتقلت من المشرق إلى جبال الأطلس الكبير، يحكيها إبراهيم أزولاي في مقدمة تعليقه على الزهار، تفيد أن بعض الحجيج اليهود المغاربة، استقدم معه نسخة من فلسطين كانت مستورة في جبال الخليل، ثم كشف عنها على قمم جبال “تودغا” بالجنوب الشرقي للأطلس الكبير بعدما ظل مكنونا مختوما منذ الأزل وإلى عهد قريب، وهذه معلومة تكفي على الأقل لوضع بعض الفرضيات التي قد تشهد لها كثير من المعطيات الأخرى، فرضية تحوم في فلكها مجموعة من الأسئلة المتعلقة بموقع “الزهار” في الثقافة المغربية، خصوصا تلك المتعلقة بالفكر والممارسة المتصوفة، وإذا انضاف إلى هذا شواهد تأثر ببعض الممارسات الباطنية كالسحر وغيرها، فالأمر حينئذ يستحق النظر الواسع.
مقبرة اليهود في الدار البيضاء
ألفت الباحثة مريم افقيهي كتيبا ممتازا بعنوان “الفضاء الجنائزي اليهودي بمدينة الدار البيضاء، مقاربة وصفية“، وهو ضمن سلسلة “شرفات” من منشورات “الزمن“، وهي دراسة مركزة حافلة بالمعلومات الكاشفة عن البعد الجنائزي عند اليهود المغاربة، بتفاصيل دقيقة، ورغم أن الكتاب دراسة وصفية، لكنه لم يخل من لمسات مقارنة وتحليل، والقارئ للكتاب يلتقط طائفة مثيرة من المعلومات والإشارات والملاحظات، والتي لا يتردد القارئ الفطن في عدها مؤشرات وأمارات، وقد لفت نظري من ذلك جملة منها، أخص بالذكر من أسماء الطائفة المكلفة بإقامة مراسيم الجنازة والدفن “حبرا الربي شمعون بار يوحاي” الذي تنسب إليه أدبيات اليهود تأليف “الزوهار“! ومن اللافت أيضا اعتقاد نجاسة الميت في الفكر الجنائزي اليهودي، وقد ذكرني هذا بما عليه يهود فلسطين المحتلة، والذين يستعملون رماد بقرة حمراء مذبوحة محروقة لرفع تلك النجاسة عن الغاسل أو المباشر للميت اليهودي، ومن هذا أيضا أن من مراسيم الجنازة تقديم “طعام العزاء“، ولعل هذا هو مصدر ما يفعله كثير من المغاربة، في طقوس أخرى يغلب على الظن أنها متلقاة من اليهود، مثل “الأربعين“، والقراءة على الميت وغيرها، ومن عجيب ما لفت نظري وجود مصطلحات جنائزية مغربية من أصول “ألمانية“، ومن المثير أيضا، أنه جُعل للأشراف والتجار وأصحاب المكانة الرفيعة أماكن خاصة في المقبرة اليهودية!!! كما لاحظت في بعض الصور أن بعض قبور عام 1944 وضع عليها نجمة داود!
تضم الدار البيضاء مقبرتين لليهود، مقبرة “بوطويل“، ومقبرة “بنمسيك“، وفيهما كثير ممن يزعمون أنهم أولياء وقديسون يهود، وقبورهم فيها محل زيارات متتالية من يهود العالم، وتنسب إليهم كرامات ومعجزات مثل إشفاء المرضى والتحكم في قوى الطبيعة وعلم الغيب، ومن أولئك الرابي يعقوب الأشكنازي الذي كان يمشي على الماء! ولاحظ نسبته الأشكنازية!
الحاخام المغربي.. بينتو
تضم مقبرة بوطويل قبر الربي حاييم بينتو الأصغر، حفيد الجد بالصويرة، وقد نسبت له كرامات وخوارق مثل غيره، وهو محل زيارات خاصة، وممن يحرص على زيارته، كبير حاخامات المغرب من نسله، والرئيس السابق للمحكمة اليهودية في المغرب، يوسف بينتو الأشكنازي التكوين الصوفي المذهب، وهو شخصية غريبة تدور حولها اتهامات فساد، وصل بعضها إلى اتهامه بتمويل حملات انتخابية لبعض المرشحين في أمريكا، والتدخل في محاكمات قضائية، والله أعلم، وهو من أغنى الحاخامات في العالم، وله أتباع كثيرون في الولايات المتحدة الأمريكية من أئمة المال والأعمال، وله علاقات مع جماعات يهودية متطرفة، ومن محبيه جاريد كوشنر زوج ابنة دونالد ترامب، الذي زار قبر بينتو رفقة الحاخام ديفيد بينتو!
خلاصة منبهة
أخلص الآن إلى تنبيه مهم، وهو أن القارئ لهذا المقال لن يعدم “كلمات” مفاتيح، يجمعها كي تشكل له خارطة طريق لفهم ما يجري، واستحضار مختلف العلاقات والروابط بين كثير من مكونات الصراع اليهودي الإسلامي في العالم، خاصة ما تعلق باليهودية في المغرب، وعلاقة الملاحدة المؤسسين لدولة “إسرائيل” و”الحسيديم” المعمرين، ويكفي استحضار مشترك واحد وهو الإلحاد والزندقة بنوعيها، ويبقى هنا أن أسأل: هل سميت إسرائيل باسم النبي أو باسم الولي؟