لم يكن يخطر ببال أحد أن يمتد أخطبوط التطبيع إلى هيئات العلماء، فقد كنا نظن أن جبهة العلماء هي الوحيدة التي تمثل الممناعة والمقاومة للتطبيع، الذي جاء إلى المغرب بذريعة القضية الوطنية الصحراء المغربية، وإن كانت تلك الحجج كلها واهية، لأن التطبيع مع كيان مجرم متغطرس يعني الاعتراف به، وطمس كل جرائمه من الذاكرة، وتزييف الوعي التاريخي والواقعي، وفسخ العقدة النفسية لدى المسلمين قاطبة تجاه الاحتلال الصهيوني، لأن من طبيعة المسلم أنه لا يرضى بالذل والاحتلال، ويعمل ما في وسعه للقضاء عليه، وشهادة التاريخ قائمة على ذلك.
لا يقيم على ضيم يراد به……………….إلا الأذلان عير الحي والوتد
هذا على الخسف مربوط برمته……….وذا يشج فلا يرثي له أحد
بدأ سرطان التطبيع ينخر جسم الدولة المغربية ومؤسساتها، فأصبحنا نرى كل مرة إحدى المؤسسات والوزارات تتهاوى وتنبطح للتطبيع، وتهرول لإقامة تعاون وعلاقات مع بني إسرائيل. في يوم 28/01/2022 أبرم معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة اتفاقا لتطوير البحث العلمي مع الجامعة العبرية في القدس، وبالأمس فوجئنا بالأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء أحمد عبادي يلتقي بالصهيوني المجرم غوفرين من أجل بحث تعاون الأئمة والحاخامات بين المغرب وإسرائيل.
وهذه خطوة خطيرة جدا أن تصبح مؤسسة العلماء في عمق التطبيع، وخادمة للكيان الصهيوني المجرم، وذلك للاعتبارات الآتية:
أولا: كسر الجانب النفسي لأبناء الأمة حين يرون العلماء مطبعين مع عدو أمتهم، فينزع ذلك الثقة في نفوسهم، فيتبرمون من العلماء، وقد يفضي ذلك إلى التبرم والتنكر للدين نفسه.
ثانيا: تطبيع مؤسسة العلماء ذريعة لباقي المؤسسات أن تفتح العلاقة مع الكيان الصهيوني، من غير حرج، بحجة أن العلماء الذين يمثلون “السلطة الدينية” قد انبطحوا وهرعوا إلى التطبيع مع إسرائيل، فيفتحون بذلك شرا مستطيرا.
ثالثا: أن تطبيع العلماء يعني تزكية جرائم إسرائيل، والاعتراف باحتلالها لفلسطين، والأخطر من هذا أنهم سيكتون ويصمتون عن الآيات القرآنية التي تفضح وتلعن بني إسرائيل، وتكشف نياتهم الخبيثة، وطويتهم الشريرة، وكيدهم الشديد. في الوقت الذي ينبغي أن تبقى فيه جبهة العلماء مستقلة في قرارها، مناضلة من أجل قضايا أمتها ووطنها، لا أن تطوح في خضخاض التطبيع، وتستنكف عن ما يمليه عليها دينها.
بقي السؤال المهم وهو: ما هو هذا التعاون بين الأئمة والحاخامات؟ كيف سيتم ذلك؟ ما طبيعته؟ ماذا سنعمل بالآيات الربانية القرآنية التي تتحدث عن بني إسرائيل؟ هل سيجتهد علماء التطبيع في تعطيلها، ونسخ ومسخ أحكامها، والإبقاء على تلاوتها سرا، أو من وراء حجاب؟
فكرت كثيرا عن أوجه التعاون المدعى فلم أجد ما يعزز ذلك، سوى إرضاء الإسرائيلي والتمكين له على أرض المسلمين، مما يفتح باب الشر على الأمة، ونسي العبادي ومن يحوم حوله قول الله تعالى “لكم دينكم ولي دين”.
وقد سبق لي أن قلت إبان الصلاة الهلوكوستية التي حضرها أحمد عبادي مع الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي السعودي محمد العيسى، خلال زيارتهما لمعسكر “الإبادة” أوشفيتس ببلولندا يوم 23 يناير 2020 “كيف يتنكر الأستاذ عبادي لمبادئه التي تشربها منذ أن وضع قدميه في الحركة الإسلامية وهي الوفاء للقضية الفلسطينية، ومناهضة التطبيع بكل أشكاله وأنواعه، هل حلاوة المنصب، والقرب من دوائر القرار والسلطان، أنسته من أن يكون له موقف مشرف تجاه أولى القبلتين وثالث الحرمين ومعراج النبي صلى الله عليه وسلم”.
إن التطبيع أكبر جريمة من الاحتلال نفسه، إذ الاحتلال يجد من يقاومه بشتى ضروب المقاومة، المسلحة، والفكرية والعلمية، والاقتصادية… أما التطبيع فخيانة وتنكر للقضية الفلسطينية، وهي قضية الأمة، وتبديد للجهود، وفتح الآمال للمحتل أن يستمر في عدوانه وجرائمه.
إن علماء التطبيع فقدوا بوصلتهم، وفكوا ارتباطهم مع القرآن الكريم، إذ هو السجل الرباني الذي عرفنا بأهل الكتاب، وخاصة بني إسرائيل، فمن فقد البوصلة وفك الارتباط كيف به أن يسير في الطريق، ويسلك المفاوز، ويستضيء في الغسق، فتنكشف له الحقائق، منها حقيقة بني إسرائيل وجرائمهم التاريخية، والمعاصرة؟ لذلك من لم يقرأ القرآن جيدا، قراءة إيمانية تدبرية معرفية، لن يعرف كيف يتعامل مع بني إسرائيل، ولكم في قصة البقرة أن تعرفوا من خلالها السياسة الإسرائيلية الالتوائية والمكرية.
على علماء الأمة أن يتحملوا مسؤوليتهم التاريخية، إزاء أمتهم قاطبة، وما يجري فيها من أحداث جسام، تشيب لها الولدان، والقضية الفلسطينية خاصة، التي تمثل مقدسات الأمة، وعليهم أن يقاوموا التطبيع بكل أشكاله، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يصافحن إسرائيليا مجرما أبدا أبدا.
حسبنا الله ونعم الوكيل، حتى هؤلاء أشباه العلماء أدخلوهم في هذه الخيانة . اللهم نشهدك أن مثل هذا العبادي لا يمثلنا ولا يمثل إلا أسياده