الرحمة والتحريم.. لماذا حد الله تعالى بعض مظاهر فرح الإنسان بسياج من التحريم؟
هوية بريس – د.خالد الصمدي
طرحت هذا السؤال بعد ما خضت في نقاش مع بعض الزملاء حول حدود الفرح والتحريم، وقرأت تدوينات متعددة تدعو الى عدم منع الناس من الفرح، في هذا الفصل الذي يعتبر فصل الأنشطة والمهرجانات والسهرات، فالاسلام في نظرهم دين رحمة وليس دين تحريم.
وتعتبر هذه الآراء والتدوينات أن كل حديث عن أحكام الشرع في ما يجري في هذه المهرجانات مما يخدش القيم والحياء العام ، وكل دعوة إلى الفرح الذي لا يخرج عن الاخلاق العامة هو تقييد لسلوكات الناس ومنعهم من الفرح.
وهذا الفهم لا يستقيم إذا ما فهمنا العلاقة بين الرحمة والتحريم.
ففي الاسلام الاصل في الاشياء الإباحة، ومعلوم أن الله خلق الله الانسان وخلق معه متاع الدنيا لينعم ويفرح بفضل الله وبرحمته ولكنه في نفس الوقت وجه طاقة الفرح هذه وشكلها بما يحفظ عليه دينه وعقله وماله وصحته البدنية والنفسية، وعرضه وشرفه، وليستعمل هذه الطاقات كلها في الاستخلاف والعمران وليس في الطغيان وخسران الميزان، فأباح له من صور التمتع بهذه النعم ما لا يمس بهذه الطاقات ويصرفها عن مقصدها، وحد للتمتع بها حدودا لا ينبغي انتهاكها حتى يكون الفرح في محله مقدرا بقدره بريئا في قصده، يراعي الشعور العام، والسياق والذوق ،ويصرف طاقة الانسان فيما يفيد.
وهكذا يكون في التحريم في حد ذاته رحمة بالانسان لأن فيه ترشيدا لطاقته، وفي ذلك مصلحته الفضلى، فإذا انفصلت مظاهر الفرح عن هذه الحدود خرجت من الرحمة الى التحريم، وهما كما ترى كلمتان مكونتان من نفس الحروف، فإذا اختلف التركيب والقصد، اختلف المعنى.
وهكذا وبمنهجية حكيمة حدد الاسلام المحرمات باعتبارها استثناء من المباحات فقال “قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغي بغير الحق” الآية، وقال بعد ذلك في القاعدة العامة “قل بفضل الله وبرحمته فليفرحوا هو خير مما يجمعون“.
وهكذا ينبغي أن يعيش الإنسان في حياته في توازن بين الرحمة والتحريم، قائلا على الدوام حين يسمع هذه الايات: صدق الله العظيم.