لقد شكلت الطريقة التي جمعت بها كثير من كتب التاريخ والأخبار، بلا تدقيق في الرواة ولا تحقيق في الإسناد، مادة دسمة للشيعة الحاقدين والمستشرقين المغرضين للنيل من مقام الصحابة الميامين.
فتوافقوا، وراحوا يرددون ما وضعه أسلافهم كأبي مخنف لوط بن يحيى، الإخباري الرافضي الكذاب، في ثوب الحقائق الصادقة التي لا غبار عليها، والتي صارت فيما بعد علكة يلوكها كل من امتلأ قلبه غيظا وحقدا على الصحابة الكرام.
كحال المتشيع المغربي عبدو الشكراني (Abdou Chougrani)، الذي ما فتئ يردد تلك الشبهات، ويعيد نشرها بين الفينة والأخرى في صفحته الرسمية على الفايسبوك.
قبل أن يقرر الصدع بها وإخراجها إلى العلن من بوابة الحوار الذي أجرته معه أسبوعية الأيام المغربية، يومه الخميس 12 ماي 2016، والذي تهجم في إحدى فقراته على الصحابة وخص بالطعن منهم سيف الله المسلول، خالد بن الوليد-رضي الله عنه-.
فبعد أن اتهمه بأنه شخص دموي، قال: «خالد بن الوليد قام بكارثة كبرى وتسبب في مجزرة في التاريخ الإسلامي، جز رأس مالك بن نويرة، وطبخ رأسه، ودخل على زوجته في نفس اليوم وهي ما زالت في ذمة زوجها».
نفس القصاصة التي يرددها كل مغرض تحدث عن قصة خالد بن الوليد مع مالك بن نويرة، من علماء الشيعة كالحلي، والمفيد والكوراني، والتيجاني، ومن المستشرقين كالفرنسي سيديو (L.A.Sediollt) والألماني كارل بروكلمان C.brockelman)) وغيرهم.
و إليكم أيها القراء الأعزاء، الرد على هذه الشبهات عبر المحاور التالية:
من هو خالد بن الوليد؟
هو خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي، ولد سنة 592م في مكة، أسلم بين الحديبية والفتح، ويقال قبل غزوة مؤتة بشهرين، فارس من فرسان الصحابة، قاتل أهل الردة ومانعي الزكاة، وفتح الفتوح، وظل مجاهدا لإعلاء كلمة الله، إلى أن توفي سنة 21هـ.
فضائله:
عن أنس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، نعى زيدا، وجعفرا، وابن رواحة للناس، قبل أن يأتيهم خبرهم، فقال: «أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ جعفر فأصيب، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب، وعيناه تذرفان، حتى أخذ سيف من سيوف الله، حتى فتح الله عليهم» رواه البخاري 4262.
و عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: «ما عدل بي رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلّم وبخالد بن الْوليد أَحدا من أَصحابِه منذ أَسلَمنا».
أثنى عليه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: «نِعْمَ عبد الله وأخو العشيرة خالد بن الوليد » أخرجه أحمد والحاكم.
قال عنه الذهبي: «سيف الله تعالى، وفارس الإسلام، وليث المشاهد، السيد الإمام، الأمير الكبير، قائد المجاهدين، أبو سليمان المخزومي المكي، وابن أخت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث. شهد الفتح وحنينا، وتأمر في أيام النبي صلى الله عليه وسلم، جاهد في سبيل الله وحارب أهل الردة، ومسيلمة، وغزا العراق، وشهد حروب الشام» سير أعلام النبلاء (1/366).
خالد بن الوليد وقتال أهل الردة ومانعي الزكاة:
معلوم أنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ارتدت بعض قبائل العرب، ومنع بعضهم الزكاة، ممن كان يرى اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بجمعها وأنه لا تدفع لأحد غيره، ومعلوم أيضا أن أبا بكر الصديق، الخليفة الأول أوفد جيوشا لقتال هؤلاء المرتدين ومانعي الزكاة.
و من بين تلك الجيوش، جيش بقيادة خالد بن الوليد اتجه لمحاورة ومقارعة من ارتد ومن منع الزكاة من القبائل، كقبيلة بني حنيفة أتباع مسيلمة الكذاب، وبني تميم أتباع مالك بن نويرة.
من هو مالك بن نويرة؟
مالك بن نويرة يكنى أبا حنظلة، كان شاعرا وفارسا من فرسان بني يربوع، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعمله على صدقات قومه.
فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم، اضطرب فيها فلم يُحمد أمره، وفرق ما في يديه من إبل الصدقة، فكلمه الأقرع ابن حابس والقعقاع بن معبد، فقالا له: إن لهذا الأمر قائما وطالبا فلا تعجل بتفرقة ما في يديك. فرد بشعر، منه:
و قلت خذوا أموالكم غير خائف، *** ولا ناظر فيما يجي من الغد
فإن قام بالأمر المُخوَف قائـــــم *** منعنا، وقلنا الدين دين محمد
قتله بعض جند خالد بن الوليد، في حروب أهل الردة، وتزوج خالد بعد ذلك زوجته ليلى بنت سنان، كما تذكر كتب التاريخ.
لماذا قتله خالد بن الوليد؟
إن اختلفت الروايات التاريخية لهذه القصة في ملابسات الحادث وبعض حيثياته، فإنها اتفقت في السبب وبعض تفاصيله، فقد ذكرت أكثر من رواية أن مالك بن نويرة امتنع عن أداء الزكاة وحبس إبل الصدقة، ومنع قومه من أدائها، مما حمل خالدا على قتله، من غير التفات إلى ما يُظهره من إسلام وصلاة .
قال ابن سلام في “طبقات فحول الشعراء”: «والمجتمع عليه أن خالدا حاوره ورادَّه، وأن مالكا سمح بالصلاة والتوى بالزكاة» (ص:172).
وقال الواقدي في كتاب “الردة”: « ثم قدَّم خالدٌ مالكَ بن نويرة ليضرب عنقه، فقال مالك :أتقتلني وأنا مسلم أصلي للقبلة؟ فقال له خالد: لو كنتَ مسلما لما منعت الزكاة، ولا أمرت قومك بمنعها» (107-108).
روايات تواتر ذكرها بعدهم عند كثير من المؤرخين كالطبري وابن الأثير وابن كثير والذهبي وغيرهم .
ينضاف إلى ذلك ما ذكرته روايات أخرى من وجود علاقة بين مالك بن نويرة وسجاح التي ادعت النبوة، وكذا سوء خطاب صدر من مالك بن نويرة، يفهم منه الردة عن دين الإسلام.
قال ابن كثير في “البداية والنهاية”(6/322): «ويقال: بل استدعى خالد مالك بن نويرة، فأنَّبَه على ما صدر منه من متابعة سجاح، وعلى منعه الزكاة، وقال: ألم تعلم أنها قرينة الصلاة؟ فقال مالك: إن صاحبكم كان يزعم ذلك. فقال: أهو صاحبنا وليس بصاحبك؟ يا ضرار اضرب عنقه، فضربت عنقه».
مالك بن نويرة عند الشيعة:
من عجيب روايات الشيعة، التي يضرب بها المثل في التناقض والاضطراب، أنها تذكر ردة مالك بن نويرة، ثم يأتي منهم من تشغب ويدعي أن خالد بن الوليد قتل مسلما بريئا.
قال الشيخ المفيد في كتابه “الإفصاح في الإمامة” (ص41): «ولو كانت الصحبة أيضا مانعة من الخطأ في الدين والآثام لكانت مانعة لمالك بن نويرة، وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله على الصدقات، ومن تبعه من وجوه المسلمين من الردة عن الإسلام».
و في “بحار الأنوار” للمجلسي (جزء28 صفحة11 باب1-افتراق الامة بعد النبي صلى الله عليه وسلم): «أقول: قال السيد بن طاوس- ره-: ذكر العباس بن عبد الرحيم المروزي في تاريخه: لم يلبث الإسلام بعد فوت النبي (صلى الله عليه وسلم) في طوائف العرب إلا في أهل المدينة وأهل مكة وأهل الطائف، وارتد سائر الناس، ثم قال: ارتدت بنو تميم، والرباب، واجتمعوا على مالك بن نويرة اليربوعي…».
إذن عند الشيعة مالك بن نويرة مرتد، فلا حجة لهم ولا وجه صواب فيما يروجون من شبهات حول مقتله، مما يطعنون به في سيف الله المسلول.
عقيدة أهل السنة والجماعة في ذلك:
أقصى ما ذهب إليه علماؤنا الأفاضل أن مالك بن نويرة منع الزكاة كما ذُكر، وحبس إبل الصدقة، ومنع قومه من أدائها، وأنه كان غامضا بداية أمره في شأنها، وفيه شبهة ارتداد، وأن خالدا قتله متأولا ارتداده، بعد محاورته، وهو مجتهد في ذلك، ولا يأثم، وإن أخطأ في اجتهاده كما هو معروف.
و هذا الغموض هو ما جعل بعض الصحابة ينكرون على خالد بن الوليد، هذا القتل، كما فعل عمر بن الخطاب وأبو قتادة الأنصاري، رضي الله عنهم جميعا.
يقول شيخ الإسلام في “منهاج السنة” (5/518): «مالك بن نويرة لا يعرف أنه كان معصوم الدم، ولم يثبت ذلك عندنا، ثم يقال: غاية ما يقال في قصة مالك بن نويرة: إنه كان معصوم الدم، وإن خالداً قتله بتأويل، وهذا لا يبيح قتل خالد، كما أن أسامة بن زيد لما قتل الرجل الذي قال: لا إله إلا الله. وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: “يا أسامة أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله؟ يا أسامة أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله ؟ يا أسامة أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله؟ “فأنكر عليه قتله، ولم يوجب قوداً ولا دية ولا كفارة».
فليس في قتله طعن على خالد بن الوليد رضي الله عنه، ولا في زواجه من امرأته من بعده، باعتبارها سبية.
توضيح:
ركزنا في هذه المحاولة على القتل والزواج لثبوتهما، أما باقي الشبهات، كاعتبار أن خالد قتل مالكا ليتزوج من امرأته، وأنه دخل بها في نفس اليوم الذي قتل فيه زوجها، أو أنه جز رأسه، وطبخه، وأكل منه، وغيرها من الأساطير التي لا تثبت ولا تصح، والتي يعرف فسادها وعورها مما غنينا عن الرد عليها.
فلا وجود لها إلا في أفئدة الحاقدين المغرضين الذين امتلأت قلوبهم حقدا وغيظا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن سلام في معرض حديثه عن مالك بن نويرة: «… وكان قتله خالد بن الوليد بن المغيرة، حين وجهه أبو بكر، رضي الله عنه، إلى أهل الردة، فمن الحديث ما جاء على وجهه، ومنه ما ذهب معناه علينا، للاختلاف فيه، وحديث مالك مما اختلف فيه فلم نقف منه على ما نريد. وقد سمعت فيه أقاويل شتى، غير أن الذي استقر عندنا أن عمر أنكر قتله، وقام على خالد فيه وأغلظ له، وأن أبا بكر صفح عن خالد وقبل تأوله» طبقات فحول الشعراء 204.
إن الاختلاف حول مقتل مالك بن نويرة، هل قتل مرتدا أم لا؟ التابع لاختلاف وضعف بعض الروايات المؤرخة للقصة، لا يتخذ بأي وجه من الوجوه سبيلا للطعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، وقد أفضوا إلى ما قدموا.
و الله عز وجل يقول: (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون) (سورة البقرة؛ 134).
فلو كان مالك ارتد فعلا، لكان خالد محقا في قتله، ولو لم يكن كذلك، لكان خالد غير آثم لتأوله ارتداده واجتهاده في قتله.
لمدا لم تأتي بحديث البخاري، أم إنه لم يعد صحيحا في هده القضية.؟
ولمدا لم تدكر أن خالد بن الوليد هو من الطقاء؟
لن تستطيع أن تمحوا الحقيق ونحن نبحث ونقرأ.
لمدا لم تأتي بحديث البخاري، أم إنه لم يعد صحيحا في هده القضية.؟
ولمدا لم تدكر أن خالد بن الوليد هو من الطقاء؟
لن تستطيع أن تمحوا الحقيق ونحن نبحث ونقرأ.
جزاكم الله خيرا وبارك فيكم وفي جهودكم