الرسالة الملكية والمعنى

هوية بريس – ابراهيم أقنسوس
واضح أن المبادرة الملكية، المرتبطة بتعليق أضحية العيد هذه السنة، لاعتبارات اقتصادية واجتماعية، قد خلفت في العموم، ارتياحا بينا، رغم ما قد يصدر عن البعض، من تعبيرات مختلفة، هنا وهناك. هذا الإرتياح الذي اتخذ أشكالا مختلفة، وعبر عنه الكثير من المواطنات والمواطنين، مباشرة بعد انتهاء وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، من تلاوة الرسالة الملكية، يسعفنا في إيراد الخلاصات التالية :
أولا : أن شعيرة ذبح الأضحية، قد زاغت عن معانيها الجميلة والعميقة، التي يتوخاها الدين الإسلامي، وأنها تتحول سنة بعد أخرى إلى فرض اجتماعي، جد مكلف، بالنسبة إلى عموم الطبقات الإجتماعية، التي أضحت تتقارب من حيث التحديات التي تواجهها، وأن جل الأحاديث التي تقول بعدم إلزاميتها بالنسبة لغير القادر، لم تعد تعني شيئا بالنسبة للكثيرين، فحلول الأضحى يعني مباشرة ضرورة إحضار الأضحية، بغض النظر عن كيف ومن أين وبماذا ؟، ما يعني أن الخطاب الديني حول الأضحية يحتاج إلى تحيين، وإلى قراءة متجددة للواقع الإجتماعي، وإلى إبداع آليات جديدة لتبيان موقع الأضحية ضمن النسق العام لدين وتدين المغاربة.
ثانيا : أن الأشكال والمظاهر، أضحت هي الغالبة، في الكثير من أوجه التدين عندنا، وأن المضامين والمقاصد والغايات الكبرى، تغيب وتضمر ؛ ويعتبر التدين الشكلي والمظهري، من الآفات النظرية والسلوكية، التي تحتاج إلى معالجة علمية رصينة وفاعلة ؛ ولنا أن نلاحظ المسارات التي تتخذها الكثير من الأحاديث، التي تستند إلى المرجعية الدينية، أو تعتقد ذلك على الأصح، حيث ينشط البعض أو الكثير، في الحديث عن بعض المظاهر والأشكال، أو التي تحولت إلى مظاهر وأشكال، كاللباس واللحية وأضحية العيد وغيرها، ثم يفترون ويتراجعون، أثناء الحديث عن أمهات الأمور التي تقوم عليها حياة الناس، كإقامة العدل بين المواطنين، وتقدير العلم والعلماء، والإنصات إلى صوت الحكمة، وبناء مدرسة الجودة حقا لا ادعاء، وإتقان الأعمال، وإنجازها في مواعيدها المضبوطة، وتقديم المستحقين والأكفاء، لا الجهلة والأنانيون، وخدمة الصالح العام، فعلا وصدقا، ومحاسبة اللصوص الكبار قبل الصغار، ومعالجة المرضى، في مستشفيات عمومية تليق بالبشر، والمحافظة على البيئة، والتصالح مع الخضرة والجمال، مما يعتبر بداهة من صميم الدين والتدين معا.
ثالثا : هذا الإهتمام غير العلمي بالمظاهر والأشكال، وهذا الغلو غير المنضبط في تضخيم بعض السنن، وفي إهمال الكثير من الأمهات والأصول، هو بالضبط ما يستغله السماسرة والأنانيون، الكبار والصغار، هؤلاء الذين يغتنون ويراكمون الثروات على حساب المستضعفين من المواطنين والمواطنات، فكيف يعقل مثلا، أن تقتنى أضحية العيد، بأجرة شهر كامل لموظف، وما القول فيمن لا أجرة لهم ولا مدخول، والذين لا يمكنهم اجتماعيا، أن يتخلوا عن الأضحية. واضح أن الرسالة الملكية تتضمن رسائل متعددة، وتخاطب جهات مختلفة ؛ الجهات المعنية بتدبير الشأن العام، والتي عليها أن تنكب على مواجهة آفة الغلاء، والأسباب الحقيقية لتراجع القطيع ببلادنا، في زمن المخطط الأخضر، وأن لا تكتفي بالإشادة ؛ السماسرة والأنانيون، الكبار والصغار، والذين يعانون نقصا مهولا في الوطنية، هؤلاء الذين لا تهمهم غير مصالحهم الشخصية والقبلية ؛ ثم عموم المواطنات والمواطنين الذين عليهم أن يعيدوا النظر في منظورهم للتدين، بالتركيز على المقاصد والغايات بدل المظاهر والأشكال ؛ فالذي تم تعليقه إلى حين، هو أضحية العيد، وليس العيد، وما يعنيه ويقتضيه، كما أشارت الرسالة الملكية.



