الرقي الذاتي
هوية بريس – سلمى المعتصم
يبدو أن المجتمع المغربي أصبح خليطا من التركيب الثقافي، لمختلف أنواع الشرائح الاجتماعية. وما ذلك إلا نتاج للاستعمار والحداثة.
فمسألة الوعي أصبحت من أبرز مظاهر الحداثة التي باتت تنادي بالتقدم والإزدهار. إلا أن هذا التقدم نراه ينبثق على الغرب بما فيه الوعي الاخلاقي الذي هو أساس التحضر، خلافا لنا نحن كمجتمع مسلم.. إذ يظهر أنهم أهل لذلك ومتفاضلين علينا.. وهذا ما نراه في شبكة الاعلام بما فيها مواقع التواصل، التي تساهم بشكل كبير في نشر الثقافات بين الناس.
فإن السؤال الذي يتبلور هنا: أين يتجلى الوعي الذاتي عندنا كمجتمع مسلم تسوده الحداثة؟
والواقع أننا كأناس نحاول ارتداء طابع التحضر، تحت مسمى الانتماء إلى تقليد الغرب.
ففي الطريق على سبيل المثال لا الحصر، تجد أُناس بملابس أنيقة، أو داخل سيارتهم تبرهن هيئتهم عن تطورهم الإنساني! لكن تلاحظ منهم رمي المخلفات في غير مكانها. ضاربين بذلك عرض الحائط للأخلاقيات الطريق. بما في ذلك من السلوكيات الغير المحمودة كالسب والشتم بأسفه الكلام على أتفه الاسباب وربما وصل الامر إلى لعن الدين الاسلامي الذي هو معتنقه. والحق سبحانه يقول “ادفع بالتي هي أحسن” أين نحن من هذا ياسادة.
فالمشكلة الاخلاقية عندنا نحن المغاربة، والوعي الذاتي بالسلوكيات، راجع إلى البيئة التي تمت فيها التنشئة الاجتماعية. لذلك يصعب تطبيق نموذج الحضارة الذي ينبغي أن يحتذى به في مجتمعنا.
فالوعي العربي بين نارين لم يستطيع أن يتقبل الغرب كما هو، كما لم يستطيع أن يرفضه.
وإنك تكاد تجد من النادر ذلك الكائن الراقي المتحضر، من الطراز الرفيع للطيبوبة، والانضباط والاحترام للقوانين، فالتعامل الاخلاقي أمر أصبح من التعاملات المعقدة والغائبة، في ظل الامراض القلبية التي تفشت، وانفجر سمها في هواء الواقع المسرطن .
إن الإشكالية المطروحة من طرف الحداثة المطبقة في مجتمعنا يمكن اختزالها في كلمة واحدة، وهي غياب الوعي الذاتي، فالحداثة لا يمكن أن تغير ما نشأنا عليه، إذا لم نغير نحن أنفسنا في تعاملنا مع محيطنا.
بل نحتاج إلى التقدير الاخلاقي، وإعطاء القيمة لكل هيئة اجتماعية، كالدين والاسرة والمدرسة… من خلال مبدأ الاقتداء والاحترام. فالاخلاقيات هي رأس مال كل فرد، ليضمن استمراريته داخل الجماعة، فلا بد أن يتخلى بالأخلاق الاجتماعية، واحترام روح الجماعة، فلا يعقل أن يرى أحدهم سيدة تبدو حامل أو عجوز في انتظار الحافلة ممَّا يصعب عليهم تغير المكان، وهو يدخن بكل حرية بدون مبالاة لما أمامه، فهذا التمتع بالاستقلال الارادي هو في غير الحدود الذي تسمح به الجماعة.
إذن نحن في حاجة أكثر بالزيادة الوعي الذاتي في احترام ذواتنا والجماعة. وكما يؤكد بيار بورديو -أحد علماء الاجتماع الفرنسين- في تصوره عن مبدأ الاخلاق أنه لايمكن أن يتشكل من دون عقوبات رمزية.
وكمقارنة مع الغرب أننا مثلهم في الحداثة كما أشارت سلفا،
ولكننا بالفعل متخلفون عنهم على مستوى البنية الفوقية، وهذا راجع إلى الانحطاط الاخلاقي الذي نعيشه بالانشغال بالتفاهات وغياب الوعي الذاتي، ماذا يجب علينا أن نفعل، فمعيار التخلف عندنا على مستوى الافكار والابداع، فلا ننتج شيئا جديدا سوى ثقافة الاستهلاك. و قوله تعالى في سورة الرعد ينطبق علينا (إن الله لا يغيرما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم..)
ففي هذا الطرح يحيلنا هشام شرابي في كتابه مقدمات لدراسة المجتمع العربي “موضوع التغير الذاتي الذي ينبثق من معرفة الذات، فالمعرفة الذاتية هي الشرط الاساسي للتغير الذاتي، في الفرد كما هي في المجتمع. ولا تكون هذه المعرفة مجرد معرفة نظرية بل معرفة نقدية قادرة على اختراق الفكر السائد والنفاذ إلى قلب القاعدة الحضارية التي ينطلق منها سلوكنا الاجتماعي، وينبع منها فكرنا وقيمنا وأهدافنا. والوعي الصحيح هو الوعي النقدي القادر على كشف الواقع وتعريته واظهار عدته الحضارية. لا يمكن تغير الواقع إلا بكشف النقاب عن حقيقته. وما عملية الكشف هذه إلا عملية المعرفة النقدية الهادفة إلى تغيره.”
على ما يبدو أننا بحاجة إلى التوقف حول ذواتنا، لأننا أصبحنا في فوضى اللامعقول مع أرواحنا في ظل الصراعات التي نعيشها، مما تعرقل لنا سلسلة السلوكات داخل المجتمع، وبهذا نحتاج إلى الزيادة من جرعات الوعي، وميزان الاعمال بميزان العقل والمسؤولية عن كل تصرفاتنا، لنسمو نحو التغير ونحظى بالاستقرار الروحي. فلو كانت جل الشرائح المجتمع تحظى بوعي ذاتها، الذي تملكه القلة القليلة، لكان المجتمع في أحسن الرقي والازدهار الاخلاقي ، ولما وصلنا إلى تفشي هذه الظواهر الخبيثة في المجتمع. وبهذا نختم المقال بكلمة. وعيك بذاتك و بأخطائك يساهم في بناء مجتمع الرقي الاخلاقي والانساني.
إنمَّا الامم الاخلاق ما بقيت ** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.
المراجع:
القراءن الكريم:
سورة الرعد-12-
سورة فصلت -33-
هشام شرابي – مقدمات لدراسة المجتمع العربي-