الروائيون أصناف..
هوية بريس – يونس فنيش
الرأي أن الرواية روايات، لأن نفس القصة يمكن حكيها بطرق متعددة، و أما الروائيون فأصناف.
فالروائي المحترف لديه هدف واضح لأنه يعيش بفضل ما تحققه كتاباته من أرباح مادية، و بالتالي عليه اختيار مواضيع إبداعاته الأدبية حسب هوى العامة من القراء في ما يخص المواضيع الإجتماعية، كما علية إرضاء آلة النشر المتجسدة في اللوبي الإعلامي الذي يمتلك وسائل التمويل في ما يتعلق بالمواضيع السياسية و الإقتصادية، حتى يبيع أكبر عدد من النسخ.
و الروائي الهاوي هو ذاك الذي يستمتع بالكتابة فيكتب من حين لآخر و ينشر القصص حول المواضيع التي تروق له بغض النظر على ما يتطلبه سوق النشر، و قد يعرف نجاحا إن أسعفه الحظ.
و أما الروائي الملتزم فهو ذاك الذي لا يستعمل الكتابة من أجل منفعة شخصية ما، سواء كانت مادية أو معنوية، بل يكتب كلما ادعت الضرورة، حسب تقديره، لطرح فكرة أو أفكار جديدة من أجل الصالح العام أو من أجل مساندة و إنصاف المجتمع الذي ينتمي إليه مستغلا موهبته، و أيضا من أجل انتقاد وضع من الأوضاع مع اقتراح حلول يرى أن من شأنها تحقيق المنفعة العامة، مستعملا الأسلوب الروائي لأنه أفضل طريقة أدبية تمكن من تمرير الأفكار بسلاسة. هذا الصنف من الروائيين غالبا ما يكتفي بنخبة من القراء المعتبرين الذين يمتلكون القدرة على الفهم و استيعاب المعنى سواء كانوا من نخبة المثقفين المستقلين أو من النخبة السياسية أو الإدارية.
ولكن الأكيد أن هؤلاء الروائيون، كيفما كان الصنف الذي ينتمون إليه، لديهم قدر من الذكاء، و فكر و أسلوب يخصهم، و قدرة غير عادية على التخيل و الغوص في الخيال.
و هناك الروائي غير المصنف، و هو ذاك الذي يصر على كتابة و نشر رواياته بشكل منتظم، فقط من أجل استعراض عضلاته اللغوية، مستعينا بقاموس اللغة التي يستعملها، و أما الأفكار فقد يقتبسها من غيره و قد لا ينصف مصادره، و عادة ما يكون مثقفا “كلاسيكيا” يعتمد على الحفظ و تعوزه موهبة أو ملكة الإبداع و الإبتكار الفكري و القدرة على الخيال، ولكنه يبقى نافعا و لو اكتفى بإعادة تدوير الأفكار و الآراء، بصفة عامة، لأن في أدائه الأدبي حفظ للغة التي يستعملها و صيانة لمصطلحاتها، و قد يكون ناجحا إن اهتم أكثر بالنقد الأدبي بدل إنتاج الروايات، لأن هذا النوع من الروائيين عادة ما يكون بارعا في الوصف و التحليل.
ولكن المهم أن الروائيين، سواء كانوا مصنفين أو غير مصنفين، يظلون من أحسن العناصر الفعالة التي يتوفر عليها المجتمع من أجل الرقي و المضي إلى الأمام، فحبذا لو أتيحت فرصا إضافية لكافة المواهب الجادة مع تطوير وسائل التوزيع و تشجيع الناس على القراءة، و تحية للعاملين في الشأن الثقافي و الإعلامي، و تحية عالية للقراء الشرفاء الأعزاء.