الروح الإسلامية في حدث المسيرة الخضراء المظفرة
هوية بريس – د. يوسف الحزيمري
كتب العلامة المرحوم “أحمد بن شقرون” في شذرات له بجريدة ميثاق الرابطة لسان رابطة علماء المغرب أنه “لا تعرف عظمة الأمم والشعوب إلا بالأمجاد التي يسجلها التاريخ بمداد من الفخر والعز والكرامة، ولا يتأتى للأمم العظيمة إثبات أمجادها التاريخية، إلا بالعطاء الكريم الذي تقدمه شعوبها والقادة العظماء الذين تنجبهم” وعنون رحمه الله شذراته بـ: “المسيرة الخضراء مسيرة فتح” مضيفا في ذكرى المسيرة الخضراء لسنة 1997م أنه “تحل اليوم ذكرى عزيزة تحييها الأمة المغربية ملكا وحكومة وشعبا، لتضيفها إلى أمجاد التاريخ الزاهر وكل من يذكر المسيرة الخضراء، مسيرة فتح غراء، يذكر ذلك الدرس العظيم الحافل بالحكم والعبر الذي قدمه قائد مسيرة المغرب المظفرة لشعوب العالم وقادته. درس الجهاد السلمي الكبير، يوم دعا قائد الأمة وأمير المؤمنين جلالة الملك الحسن الثاني شعبه الوفي لمسيرة تحرير الوطن، واللقاء بإخواننا المغاربة في الصحراء، ودعا أمته إلى حمل كتاب الله العظيم، ونبذ العنف، ومعانقة السلام، والصلاة إلى الله.
ويؤكد “مولاي عبد الرحمن الكتاني” على ضرورة الحفاظ على الروح الإسلامية التي كانت متجلية في الشعب المغربي أيام المسيرة الخضراء وهو ما “أجمع الأجانب الذين كانوا موجودين في المغرب وفي غير المغرب سواء منهم الديبلوماسيون والصحافيون أو المعتنون بأخبار العالم الإفريقي على انبهارهم بتلك الروح الإسلامية “.
لقد كان البعد الديني حاضرا في حدث المسيرة الخضراء إن لم يكن هو المهيمن عليها، وكل من عاش الحدث حضورا أو متابعة تغير رأيه في الشعب المغربي وعرف كما يقول مولاي عبد الرحمان الكتاني أن ” روحه الإسلامية التي ورثها عن آبائه الأحرار الذين قاوموا الاستعمار في كل شبر من أرض المغرب حتى طردوه مرات بعد كرات لا تبلى، وأيقن أن الفضل في ذلك يرجع إلى القرآن والسنة وأقوال العلماء المستمدة منهما والدروس العلمية التي كانت المساجد مملوءة بها.
ويجلي هذه الروح الإسلامية العلامة “عبد القادر العافية” في مقال له بعنوان: (المسيرة الخضراء إلهام رباني وتدبير حسني) حيث يقول:”ولقد سمى أمير المومنين المسيرة الخضراء بمسيرة «فتح» لأن مبدع المسيرة أراد لها أن تكون مسيرة تستوحي مخططاتها من القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، واتضح ذلك تمام الوضوح من خطابات صاحب الجلالة حفظه الله، منها الخطاب الملكي السامي الذي وجهه جلالته لإخواننا بالصحراء والذي جاء فيه:
«نتيمن ببناء سياستنا على آيات من الذكر الحكيم، وقد أرادت الصدف أن تكون تلك الآيات كلها في سورة واحدة وهي (سورة الفتح)، وهي السورة التي أخذنا منها العملية، فسميناها عملية فتح، ومنها استلهمنا مسيرتنا…».
فاستلهام القرآن الكريم وأحداث السيرة النبوية، -يضيف العلامة عبد القادر العافية- كان ذلك متجليا في المسيرة الخضراء، واعتبره أمير المومنين من الأسس التي انبنت عليها المسيرة، وتأكد ذلك في وصايا أمير المومنين لشعبه، وفي توجيهاته السديدة.
ويضيف: المسيرة الخضراء وفر لها مبدعها جوا روحيا ودينيا تجلى ذلك في استلهام روحها، ومنهجها من القرآن الكريم والسيرة النبوية، كما تجلى في التأطير الديني للمسيرة الخضراء، حيث شارك فيها مجموعة من العلماء، والوعاظ، والمرشدون، وحملة القرآن، الذين توزعوا على مضارب الخيام.
ومن أصداء المسيرة الخضراء التي تبرز روحها الإسلامية ودور العلماء البارز في تأطيرها على المستوى الديني استقبال صاحب الجلالة المغفور له الملك الحسن الثاني أعضاء المجلس العلمي بمراكش برئاسة الأستاذ “الرحالي الفاروق” الذي شارك في انطلاق المسيرة وقام بالوعظ والإرشاد في مخيمات المتطوعين والمتطوعات منذ وصولهم إلى إقليم طرفاية، وقد أبلغ الأستاذ الرحال الفاروقي جلالة الملك شكر جميع العلماء والمرشدين على الفرصة التي أتيحت لهم للمشاركين في المسيرة الخضراء ومضى يقول: فجزاهم الله خيرا ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يسددكم في خطواتكم وفي خططهم، وإن يبقيكم لرفع راية الإسلام ولخدمة الصالح العام،، وإننا نعتقد أن دولة الحق ستنتصر، أن دولة الظلم ستنكسر، “وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون”
ثم خاطب صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني نصره الله وقد المجلس العلمي بمراكش بالكلمة التالية:إننا نجازيكم فرصة للعلماء وأهل العلم، وأهل الفكر لينسجموا مرة أخرى مع المجتمع المغربي انسجاما تاما، فقد أدرك الجميع أن دور العلماء لم ينحصر، ولن ينحصر في الوعظ والإرشاد فقط، بل العلماء الذين هم ورثة الأنبياء لابد أن يقوموا بدور للتوعية السياسية حتى يتمكنوا من قيادة السباب في طريق الوطنية التي لا يمكنها أن تخالف مبادئ الدين والتشبث بالدين، فيما أن المغرب دولة إسلامية لا يمكن أن يعقل أن تكون هناك وطنية لائكية، الوطنية الحق هي التي تكون مبنية قبل كل شيء على إتباع النهج القويم الذي رسمه الإسلام.
وإذا أمكن لكل شاب وشابة أن يسيروا في هذا الطريق النير، طريق الله، سهل عليهم أن يسيروا في طريق الحنفية الوطنية إن شاء الله.
ولهذا فهذه الخطوة كانت مباركة للجميع، للشباب، للكهول، للشيوخ، للعلماء لأهل الفكر، وإننا نحمد الله سبحانه وتعالى أن مكننا من هذا الانتصار، لأنه كيفما كان الحال يمكننا أن نقول بأن المسيرة قد بلغت ولله الحمد هدفها وغايتها، بلغت هدفها، وستبلغ أهادفا أخرى إن شاء الله”.
هوامش:
ميثاق الرابطة، العدد: 798، الخميس 5 رجب 1418هـ، الموافق لـ 6 نونبر 1997م، السنة الثلاثون.
مقال: حافظوا على الروح الإسلامية المتجلية في المسيرة الخضراء، مولاي عبد الرحمان الكتاني، مجلة دعوة الحق، العدد 211
مقال: المسيرة الخضراء إلهام رباني وتدبير حسني، عبد القادر العافية، مجلة دعوة الحق، العدد 301 جمادى 1-جمادى 2 1414/ نونبر-دجنبر 1993
من أصداء المسيرة الخضراء، دعوة الحق، العدد 166