الروح الرياضية
هوية بريس – ابراهيم أقنسوس
الرياضة فعل إنساني نبيل، ونشاط حيوي أنيق وجميل، يساهم في ترقية الكائن البشري، والسمو بحيواته، ونقله من دائرة الطبيعة والبهيمية، إلى أفق الثقافة والمدنية؛ ومن ثم، لابد للممارسة الرياضية، من نصيب معتبر من التهذيب والتثقيق، ولا بد لها من قدر معقول، من الإعداد المعرفي والأخلاقي، فضلا عن الإعداد البدني؛ فلا رياضة للأبدان، بلا رياضة للعقول والأفهام؛ وكثيرا ما ينصرف الحديث عن الرياضة، أية رياضة، إلى المعنى المادي والجسماني، وقلما يتم الإنتباه إلى ضرورة المزاوجة بين الرياضة وأخلاقها، بين اللياقة البدنية، واللياقة الأخلاقية، فلا ننسى أن المعني بهذه الرياضة، في النهاية، ليس إلا هذا الإنسان، وما يصح أن يكون عليه، ويصدر منه، من كلام وتصرف وأثر.
وكما تحتاج العضلات إلى تمارين، منضبطة ومنتظمة وفاعلة، تحتاج الأفهام والأخلاق بالموازاة، إلى تكوين وتعهد ورعاية، وإلا تحولت الممارسة الرياضية، كما هو مشاهد وملاحظ، إلى مسرح لألوان من الصراعات والمناكفات والكراهيات، ومناسبة لإثارة النعرات والتجاذبات المقيتة، ومواسم لتبادل مشاهد الهمز واللمز والسخرية، بين المتنافسين، ما يفقد الرياضة كل معانيها النبيلة.
إن الكثير من العبارات الجميلة التي يتفوه بها الكثير من الرياضيين والإعلاميين، مثل ( الروح الرياضية، المنافسة الشريفة، التباري الأنيق…) وغيرها، لا يمكن أن تجد طريقها إلى واقع الممارسة الرياضية، ما لم تتحول إلى برامج وتكوينات جادة، يتم من خلالها التربية على أخلاق الرياضة، والغاية المثلى من هذه الرياضة ابتداء؛ وبالطبع، كل هذا يحتاج إلى استصحاب المدبرين للشأن الرياضي، بكل أصنافهم واختلافاتهم، وأنواع رياضاتهم، لمستوى مقدر من المعرفة، الناظمة والضابطة، بما يمكنهم من التفكير باستمرار في الغايات المثلى من الممارسة الرياضية، وبما يؤهلهم لتربية مجموعاتهم الرياضية على هذه المعاني، وطنيا وقاريا ودوليا؛ فالرياضة في النهاية، نشاط بشري، من الإنسان إلى الإنسان، يمارسه الرياضي (ة) المواطن، ليسعد به نفسه والآخرين؛ ولنا أن نتأمل ما يصحب الكثير من المنافسات الرياضية، من لغط، ومن سجالات، ومن خوض في كل شيء، ومن تضييع للكثير من الأوقات في الحديث في كل الاتجاهات، ما يؤكد حاجة الممارسة الرياضية، في الكثير من وجوهها، إلى مستوى مقدر من التثقيق والتهذيب والترشيد، وإلى امتلاك أخلاق المنافسة الشريفة حقا، البعيدة عن التسييس المريض، والعصبيات البغيضة.
فماذا يتبقى من الممارسة الرياضية، حين تفقد أخلاقها وأناقتها وروحها، وماذا يتبقى من الفرجة عليها، حين تتحول إلى مناسبة للتعبير عن ألوان من الأحقاد والضغائن، والإنشغال بهذه التفاهات طيلة الأسبوع، بل طيلة العام، ماذا يتبقى من المنافسات الرياضية، حين تصبح مرتعا لتصريف مختلف المكبوتات، عبر تدمير المنشآت، وإفساد المرافق والممتلكات ؟
لم توجد المنافسات الرياضية، لإذكاء العداوات، وإثارة النعرات، وصناعة المزيد من الكراهيات، بين الأفراد، كما الدول والجماعات.
الرياضة نشاط نبيل، يكسب أصحابها لياقة في العقل والجسم معا، ويمنح المتفرجين على منافساتها متعة جميلة، تريح أعصابهم، وتزيدهم سعادة ورغبة في الإقبال على الحياة، وقدرة أكبر على مواجهة صعابها وتحدياتها، وهذه بالضبط، هي روح الرياضة، التي يظهر في كل مناسبة، أنها شيء عزيز، يفتقده الكثير من الرياضيين والرياضيات، وبإيعاز من بعض دولهم أحيانا، ويعبرون عن ذلك بما لا يليق، بمعنى الرياضة وروحها.