الريسوني*: الحرام حرام سواء في المكان العام أو الخاص.. ومن يريد نقض أحكام الإسلام سيصل بعد حين إلى تقويض أسس الدولة ومشروعيتها ووجودها
هوية بريس – نبيل غزال
تعرف الساحة الفكرية والحقوقية والسياسية نقاشا حادا حول موضوع الحريات الجنسية، وفي هذا الإطار نظمت بعض الجمعيات والأحزاب السياسية ندوات حول هذا الموضوع، أوصت من خلالها بإعادة النظر في بعض بنود القانون الجنائي الحالي، خاصة المتعلقة منه بالعقوبات المترتبة على الخيانة الزوجية والجنس الرضائي/الزنا والإجهاض والإفطار العلني في رمضان.. وقد أصدر المجلس الوطني لحقوق الإنسان مذكرة في هذا الشأن.
كيف تقيم النقاش الدائر حول هذا الموضوع؟
هذا النقاش تغذيه وتشجعه عدة أسباب يجب أن نعيها ونعي أغراضها،
أولا: معظم القائمين بهذه الحملات هم من فلول اليسار وفلول التيارات اللادينية بصفة عامة، وهؤلاء كانت لهم مطالب في الإصلاح السياسي والدستوري والاقتصادي، ولهم أهداف اجتماعية جليلة كنا نؤيدهم ونلتقي معهم فيها، الآن كل هذه المطالب فشلوا فيها، بل أصبحوا في المغرب وغير المغرب حلفاء للفساد والاستبداد، وأصبحوا كغيرهم وأكثر من غيرهم، ولفظتهم الشعوب بشكل واضح، كما حصل في تونس وكل الأقطار العربية، فقد فشلت رسالتهم وأهدافهم الأصلية، وهم يبحثون عن أهداف ومطالب جديدة يتحركون من خلالها ليبقوا على قيد الحياة.
الأمر الثاني: هو أن هذه المطالب تأجيجها والاستمرار والصمود فيها مدعوم بشكل سافر وعلني، وإن كان ما خفي أعظم، فإن كثيرا من عناصرها وجوانبها تكشَّف الآن، التمويلات الأوروبية، والتدخل الأوروبي، وتدخل السفراء مع الأحزاب ومع المنظمات، ومع الوزراء المغاربة، إذا هناك تدخل مستمر وتشجيع وتمويل وتأييد، فهذه النقاشات والمطالب ليست مغربية خالصة، بل ليست مغربية أصلا.
هذا هو السياق الذي تأتي فيه هذه النقاشات وهذه المطالب وهذه الحملات، ولكن مع ذلك يجب أن يكون المدافعون عن الهوية المغربية، وعن مقومات الدولة والمجتمع المغربي بالمرصاد، ويجب أن يكونوا متيقظين لدحر كل هذه المحاولات.
هل ترى أن المجتمع المغربي بحاجة إلى الحريات الجنسية أكثر منه إلى شيء آخر؟
هذه المطالب ليست مغربية وليست شعبية وليست مجتمعية، وإنما هي فئوية ضيقة جدا، ترفعها جمعيات ورموز علاقاتهم معلومة، والمغرب في غنى تام عن كل هذا.
فالمغرب له مؤسسات تشتغل بشكل طبيعي لكن هؤلاء لا يرضون بالاشتغال الطبيعي ويريدون فرض أجندات ومطالب وفق حساباتهم وارتباطاتهم، والمجتمع ليس في العير ولا في النفير مما يطالبون به.
بل على العكس من ذلك، فما يطالبون به يشمئز منه المغاربة، ويستقذرون من هذه المطالب المرتكزة على المحرمات، وعلى المطالبة برفع التحريم والتجريم عن الزنا والشذوذ الجنسي والخيانة الزوجية والسماح بالإفطار الاستفزازي التظاهري في رمضان، وليس مجرد الإفطار، فكل واحد يقدر ظروفه وعذره وشأنه ولا أحد يبحث عمن هو مفطر ومن هو صائم في رمضان، ولكنهم يريدون التحدي وإسقاط هيبة الدين والتكاليف والأحكام الشرعية.
أقول، المغاربة يستقذرون كل هذا ويستنكرونه، لذلك يلجأ هؤلاء إلى الضغط من وراء ستار على المؤسسات وعلى صانعي القرار، وإلا فإن هذه المطالب لا شأن للمجتمع المغربي بها، وهي لا تسمن ولا تغني من جوع.
هل يمكن القبول بهكذا مطالب في بلد ينص دستوره على إسلامية الدولة؟
معلوم أن الدستور المغربي، بل الدساتير المغربية كلها تنص على أن أمرين لا يقبلان النقاش والمراجعة، وهما ما يتعلق بالدين الإسلامي ومقتضياته، وما يتعلق بالنظام الملكي، وهؤلاء الآن يطعنون في مسلمات الدين الإسلامي، ويطالبون بمحوها، وبإثبات القوانين التي تمحوها، فلو كان الأمر يؤخذ بالجدية اللازمة لكان على هؤلاء أن يعتبروا أنفسهم “خارجين عن القانون”، وقد فعلوا، وخارجين عن الدستور، وخارجين عن الدولة ومقوماتها.
ونحن في المغرب عندنا ما هو أهم من الدستور وهو أن الدولة قائمة منذ قرون قبل الدستور وقبل أن يفكر الناس فيه، وقيام هذه الدولة ومقوماتها ليست سوى الإسلام والدفاع عن وحدة البلاد وسيادتها، هذا ما قامت عليه هذه الدولة، وما قامت عليه جميع الدول التي تعاقبت على حكم المغرب، لذلك فهم يهدمون شيئا أكبر من الدستور وأقدم من الدستور وأرسخ من الدستور.
ولكن في النهاية من هدم مقومات الدولة، ومن هدم مقومات الإسلام، وهو مناقض لما ينص عليه الدستور، سيصل إلى تقويض الدولة نفسها، أي إلى تقويض العنصر الآخر الثاني وهو ما يتعلق بالنظام الملكي الذي لا يقبل المراجعة في هذا الدستور.
الخلاصة، من يريد نقض أحكام الإسلام وثوابت الإسلام ومقتضيات الإسلام سيصل بعد حين إلى تقويض أسس الدولة وأسس مشروعيتها ووجودها، فيجب أن نفهم الأمور على هذا الأساس وأن نفهم أبعادها وتداعياتها.
ما هو واجب الوقت على العلماء والمؤسسات الدينية الرسمية حيال من يرفع هاته المطالب؟
واجب الوقت في هذه القضية وهذه المعركة هو القيام بمتطلباتها ومواجهة هذه المطالب وفضحها، وفضح أسبابها وتداعياتها وآثارها على المجتمع وعلى الدولة، هذا هو واجبنا، التوعية والمواجهة الثقافية والمواجهة الفكرية.
ولكن أيضا هذه فرصة ثمينة، أعتبرها هدية من هؤلاء، لكي نوعي مجتمعنا أكثر فأكثر بمقتضيات وثوابت دينه والأحكام القطعية وأبعادها وآثارها وضرورتها، فهذه مناسبة، والمناسبة شرط.
فأحيانا تأتي لتحدث الناس عن خطورة الزنا والشذوذ الجنسي وعن مؤسسة الزواج وأهميتها فلا يبدو الناس مكترثين كثيرا، هذه أمور معروفة ومسلمة، لكن حينما يتم هذا الهجوم وتقدم هذه المطالب الهدامة تكون الفرصة مناسبة لتوضيح ما يجب توضيحه، وسيستمع الناس وينصتوا ويفهموا ويقارنوا ويميزوا.
ويدخل في ذلك توضيح أن هذه المحرمات ليست كما يظن بعض السياسيين، وأنها محرمات في الشارع العام وليست محرمة في البيوت والأماكن الخاصة، لا نحن حين نتحدث من الناحية الشرعية فالمحرمات محرمات في الأرض وفي السماء، وفي البر وفي البحر، وفوق الأرض وتحت الأرض.
صحيح أن المعاقبة القانون وحتى المعاقبة الشرعية لا تبحث عن الناس ولا تطاردهم وتتجسس عليهم، هذا لا يجوز بحال من الحوال، ولكن الحرام يبقى حراما ويجب أن نبينه للناس حتى لا يلبّس عليهم أحد بقصد أو بغير قصد، فيفهموا أنهم إذا استتروا فإن الأمر جائز وليس فيه شيء، لا، الحرام حرام بنفس الدرجة وأينما ما كان مكانه، وأينما كان مخبؤه، فنحن نتعلم ونعلم أنفسنا وبعضنا أن تقوى الله واجتناب محرمات الله تكون في السر والعلن على حد سواء.
ــــــــــــــــــــ
* د.أحمد الريسوني: رئيس مركز المقاصد للدراسات والبحوث ورئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
حفظك الله و رعاك على كلمة الحق .