الريسوني والبغي الجزائري وبيانات العلماء
هوية بريس – إبراهيم الطالب
قضية الصحراء المغربية نموذج من الملفات التي يحتفظ بها الغرب من مخلفات حملاته الامبريالية من أجل ضبط مناطق استغلاله في جغرافية المسلمين.
والحق في هذه القضية واضح بيّن لا لبس فيه، نظرا للمعطيات التاريخية المباشرة والتي استحوذ في إبانها الاحتلال الفرنسي على الجزائر العثمانية، وضمها إلى بلاده، ومارس فيها الحكم المباشر.
فالمغرب ظل مستقلا إلى غاية 1912، وكثيرة هي الحجج التي قدّمها المغرب للأمم المتحدة في دفاعه عن مغربية صحرائه، لكن الغرب ومن ورائه اللوبي الصهيوني احتفظ بالملف مفتوحا، حتى يستعمله في ابتزاز المغرب وتوظيف الجزائر ووضع العراقيل دون وحدة مغاربية لها كل شروط النجاح، وليس هناك مانع منها سوى التدخلات الأجنبية التي تستخدم الحكام وفق أجندتها ومصالحهم المشتركة.
موقف الجزائر لو توخينا الإنصاف موقف مخزٍ، يخدم الصهاينة وهو سبب مباشر في انطباق فكي كماشة التطبيع على دولة المغرب المسلم، رغم أن العاهل المغربي، بل المغرب شعبا وحكومة وملكا يمدون الأيدي بالصلح والتعاون لخدمة المصالح المشتركة، ووعيا منه ألح الملك محمد السادس على شعبه ألا ينساق وراء الدعوات التي تشيطن العلاقات بين الشعبين الشقيقين، حيث قال بالحرف في خطاب العرش الأخير: “أهيب بالمغاربة مواصلة التحلي بقيم الأخوة والتضامن، وحسن الجوار، التي تربطنا بأشقائنا الجزائريين، الذين نؤكد لهم بأنهم سيجدون دائما، المغرب والمغاربة إلى جانبهم، في كل الظروف والأحوال”.
وهذا نظر عميق لمن تأمله خصوصا وأن الصهاينة يشتغلون على التفرقة بين الشعبين، وتكفي إطلالة سريعة على ما يدونه الصحافي الصهيوني النشيط “إيدي كوهين” دليلا على ذلك.في هذا السياق سئل الدكتور الريسوني عن ملف الصحراء، وأجاب وفق قناعاته، وربما نعتبر ما ذكَّر به بخصوص موريتانيا وبعض المعطيات التاريخية حساسا، كان الأولى تجنبه لحساسيته، ولقطع الطريق أمام من سيُشغب على الفكرة الأساس من التصريح، والتي هي باختصار: “استغلال الصهيونية لملف الصحراء ولتعنت عسكر الجزائر ونظامه وحمايته لعصابات البوليساريو وتمويله لحربهم ضد المغرب”.
إن الحرب بين المسلمين من الناحية الشرعية حرام، لكنها من الناحية الواقعية ممكنة الوقوع، بل حدثت وستحدث، وأحكامها في القرآن والسنة (أحكام البغي).
فأين المشكل في كلام الشيخ إذا أبدى استعداده لدعم مسيرة تزحف فيها الجماهير لتحرير جزء يراه من المغرب؟؟
فما تفضل به الشيخ الريسوني لا يعدو أن يكون داخلا في هذا السياق، فليس يدور في الخلد أن الشيخ يقبل باقتتال المسلمين، لكن ما دام واقع الحال هو أن نظام الجزائر ودولته تسلح شرذمة من البغاة نعلم جميعا أنهم أداة للصهاينة ولأمريكا حتى تمنع أي وحدة بين بلداننا، وتستعمل الخلاف المفتعل حول الحدود من أجل مشاريعها التوسعية، فإن كلام الشيخ له من الوجاهة الشيء الكثير، وإن كان صادما لكثير من الناس لذكر بلدانهم في كلامه، وكذا لمشاعر المسلمين المجروحة من بلاد المغرب التي تعيش اليوم إعادة انتشار المكون العبري المتصهين والتطبيع مع كيانه.
لكن لماذا لا نقاتل في صف دولتنا ما دام البغي واقعا علينا، ونتجرع نتائجه منذ عقود بفعل تعنت العسكر الجزائري؟؟
أردوغان كان يقاتل في إحدى مدن سوريا أظنها حلب، في اتفاق مع النصرة ولما هددته القوى الأجنبية والعميلة باستعمال شرذمة الشمال للنفاذ إلى الحدود التركية، ترك القتال في المعركة التي كانت في غاية الاشتغال والاحتدام، وحوَّل كل قوته للشمال رغم أن نتائج ذلك كانت فظيعة بل تسبب انسحابه في مذبحة بين صفوف المسلمين.
إن للحرب قواعد وأحكاما تخضع فتاواها للواقع ومتغيراته، وتُحكَّم في الاستنباط قواعد الشرع باعتبار المصالح والمفاسد.
إن قول الشيخ الريسوني صادم للإخوة في الجزائر لأن دولتهم معنية بهذا البغي، فبدل أن يزايدوا على الشيخ في جوانب من كلامه نريد منهم ذات البيان يصدرونه في عدوان النظام الجزائري ضد المغرب واحتضانه للبغاة، طيلة عقود طويلة استنزفت البلدين والشعبين، وكانت الذريعة الكبرى لتطبيع المغرب مع الصهاينة.
هل يرضى الجزائريون وخصوصا علماؤهم عن نظامهم الظالم الغاشم الباغي؟؟
لماذا انتفضوا ضد الشيخ في حين يلتزمون السكوت المطبق عن القضية رغم مفاسدها العظيمة؟؟ فهل حرَّكتهم كلمات قليلات أغلبها حق من الشيخ الدكتور الريسوني ولم يحركهم الخطر الداهم الذي تسبب فيه نظامهم؟؟
هذا نقوله، ونحن مستحضرين لحرمة الدم المسلم، ولوجوب حقن دماء المسلمين ومنع أية مواجهة بينهم، ولكننا أيضا نستحضر واجب النصرة في الدين، والدفاع ضد البغاة والضرب على أيديهم النجسة التي تحركها الصهيونية العالمية لتضعف الأمة بكاملها، وتخلق بين شعوبها الحروب والخلافات.
فإذا كان صدام حسين رحمه الله قد بغى على الكويت وتسبب في دخول الأمريكان للخليج، فإن الجزائر برعايتها للشرذمة التي استنبتتهم في تندوف هي من تسببت في دخول الصهاينة إلى المغرب.
وإن لم يُتدارك الأمر فلابد أن يدخل الصهاينة الجزائر أيضا، لا قدر الله، وتلك حقيقة يجب أن نعيها جميعا فلها شواهد تاريخية أقربها احتلال الجزائر الذي مهّد لاحتلال تونس والمغرب في القرن الماضي.
ومع هذا كله لا نقبل أن يراق قدر محجم من دم مسلم أينما كان موطنه، لكن للأسف الدنيا لا تمشي وفق ما نشتهيه ونتمناه.
إننا لا نزال يُلعب بنا في لعبة الأمم، ويهرق دمنا في كل محاولة للغرب في تغيير الجغرافية السياسية لبلداننا لصالح مشاريعهم التوسعية.
فالأمم المتحدة “علينا” احتفظت بقضية الصحراء طيلة أكثر من ستة عقود، لأن الخمسة الكبار يهمهم أن يبقى هذا الملف مفتوحا لابتزاز المغرب واستنزاف ثرواته وتوجيه مواقفه في القضايا الدولية.
لكن الدولة التي مولت ورعت ودافعت واستماتت في النكاية بالمغاربة هي الدولة الشقيقة المجاورة، فمن أحرى باللوم وتدبيج البيانات يا علماء الجزائر؟؟ من يتحدث عن قضية يعاني منها بلده ويستعمر من جديد بسببها؟؟ أمَّن يدعم البغي ويؤوي البغاة، ويعمل لصالح دول الغرب حتى تفتح طريقا إلى المحيط الأطلسي باسم كيان البوليساريو المزعوم لتسهل عمليات استنزاف الثروات الجزائرية الكامنة في صحرائها؟؟
ولنا أن نتصور إذا قامت فعلا حرب بين الجزائر والمغرب لا قدر الله، بسبب البغي الذي ترعاه في بلادها، ماذا يكون موقف المسلم في كلتا الدولتين؟؟
فهلا أوبة إلى الرشد أيها العلماء قبل أن تستحكم الفتن؟؟
إننا عندما لا نقوم بالواجب الذي يفرضه الدين اتجاه قضايا أمتنا ومنها قضية الصحراء المغربية إنما نترك الفرصة للصهاينة ليستغلوا تلك القضايا في ابتزاز الدول والمتاجرة بهمومنا وآلامنا.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
لا فض فوك