الزلزال الذي أعاد للإنسان إنسانيته وللمجتمع حيويته

17 سبتمبر 2023 21:48
هذا عدد الهزات التي تعرض لها المغرب بعد الزلزال المدمر

هوية بريس – ذ.محمد بادرة

وقع زلزال الحوز وسقط الالاف بين شهيد وجريح ومفقود.

وقع زلزال الحوز ودمر عشرات الالاف من المباني والبيوت والاسوار.

وقع زلزال الحوز وقضى على الحيوانات والمواشي والطيور والدواجن وسجلت الكاميرات وصورت الات التصوير والمسيرات (الدرونات) صورا حية عن الندوب الجسدية والجروح المتفاوتة الخطورة، صورت تصدعات الابنية وتشققات الارض وتساقط الاحجار وانقطاع الطرق والمسالك، ونقلت للمشاهدين تقارير المؤسسات والقطاعات الوزارية الوصية (الداخلية- الصحة..) عن احصاءات وبيانات عن اعداد الموتى والمصابين والناجين الا ان جروحا اخرى لم تلتقطها هذه الكاميرات والدرونات ولم تحصيها العدادات وهي تلك الندوب التي تشقق الانفس وترعب الارواح وهي ما تزال مختبئة داخل الاجساد الطرية والهشة !!

ان اعداد المتضررين نفسيا من هذه الكارثة المروعة قد يفوق كثيرا اعداد المتضررين جسديا، انهم متضررون بعوارض كثيرة كالشعور بالخوف والقلق والاضطرابات النفسية لكن… ولكن تطوع المغاربة جميعا حصن الصحة النفسية لكل المتضررين من الزلزال عبر تلك الهبة الجماعية والمسيرات العفوية والتعاطفية والانسانية نحو مناطق الزلزال رغم وعورتها احس الجميع بالاطمئنان وساعد على بلورة مشاعر ايجابية من خلال الشعور بالرضا عن النفس والغيرة المقدسة من خلال التركيز على ماسي الضحايا والمتضررين حتى اصبح الجميع هنا وهناك كيانا متوحدا وكلا متوافقا يشد بعضه بعضا كالبنيان المرصوص.

لقد شاهد العالم كيف ان الانسان المغربي اظهر معدنه الخالص حين تعامل مع الكارثة الطبيعية بالخلق والخير والعطاء ونكران ذات لا بالأوهام والانانية والرعب الخرافي وتعامل مع اخوانه المصابين واسرهم المكلومة برباط العطف ومحو الذات فشاركهم الاحزان وتقاسم معهم الاضرار والاموال متماسكين تماسك الفولاذ ومشدودين الى بعضهم البعض حتى تمتد فيهم جذور الاخوة والتكاثف جيلا بعد جيل وهو ما يبين ان مجتمعنا المغربي هو مجتمع فيه نظام للتوجيه الروحي رغم هيمنة المال والرأسمال على ثقافة المجتمع الا انه لم يتغير اي شيء عن حاجيات الانسان الروحية بل جاء هذا الزلزال ليزيد من وعي الانسان بإنسانيته.

جاء الزلزال وهدم القرى والدواوير ونسف الارض واصاب الناس في ارواحهم لكنه في المقابل حرك المشاعر والعواطف الإنسانية والروحية ومنحنا الامل والسند والتشجيع وتزايد عدد المؤمنين بالقيم الروحية والوطنية والانسانية لوجود جذور اصيلة للعقيدة الاسلامية في نفوس المغاربة. ولقد اشترك الجميع رغم تباين السنتهم ومعتقداتهم في هذا التكافل والتضامن والتآزر الانساني واستمتعوا به وهو ما خلق اسمى اشكال السعادة الانسانية الا وهو المتعة المشتركة مع المصابين والمكلومين سواء في الفرح او القرح وسواء في الانجازات او النكبات وليس اقدر على توحيد البشر من المشاركة في الاعجاب بهذا التكافل.

ان هذه التقاليد المشتركة هي الارضية التي يعيش عليها سكان هذا الوطن وهي النسيج الذي صنع منه الثوب المغربي الذي يلف الجميع وهذه المسالة ليست ظرفية كما قد يعتقد البعض او يتوهم المغرضون وانما هي مسالة جوهرية تدخل في نطاق هويتنا وثقافتنا وحضارتنا وليس عجيبا ان يدرك الاشقاء والاصدقاء والاعداء والخصوم من الشعوب والامم الاخرى حقيقة هذه الخصال التي تشكل جوهر هويتنا وربما من واقع الدهشة التي اصابت البعض من اشقائنا وأصدقائنا وحتى خصومنا ان وجدوا انفسهم اسرى له وهو ما دفعهم الى البحث في تراث وتقاليد شعبنا العتيقة.

ان المواطنة التي تسلح بها المغاربة في مواجهة هذه الكارثة هي ايمان مغروس بجذورنا في البناء الخاص لشخصيتنا وهو ما ادهش العالم حين يتابعون القوافل والمسيرات والحشود البشرية من الشباب والكهول والاطفال افرادا وجمعيات متجهين نحو مناطق الزلزال (لا الهروب منها) لتقديم يد المساعدة لإخوانهم ومشاركتهم في الالام والاحزان وتقوية معنوياتهم رغم الهزات العنيفة التي اصابت ابدانهم واجسادهم ونفوسهم وممتلكاتهم. هذا الايمان وهذه المواطنة الاصيلة المتجذرة في النفوس والعقول كانت الوسيلة الاساسية التي تم بها قهر جبروت الطبيعة وكوارثها كما تم بواسطتها تفويت الفرصة على بعض القوى الاجنبية لاختراق الجبهة الداخلية او اللعب بالعواطف.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M