الزّواج الناجِح أساسُ استقرار الأسرة وتماسكها.. قواعد وتوجيهات

07 يوليو 2022 10:35
مَرْكَزِيَّةُ التَّعْلِيم فِي الإِصْلَاحِ.. الشَّيْخُ أَبُو شُعَيْب الدّكَّالِي النَّمُوذَجُ وَالْمِثَالُ (1295هـ-1356هـ/1878م-1937م)

هوية بريس- د. عبد العزيز الإدريسي

من منطلق قول تعالى في سورة الروم:(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً و رَحْمَةً  إنَّ  فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ  (21)، وقوله تعالى:  (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَّاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (1) سورة النساء، فإن  الزواج هو المدخل الفطري والشرعي لبناء الأسرة المتراحمة التي  تضطلع  بأدوارها  الحضارية ومسؤولياتها المجتمعية،  لأن الأسرة  في المنظور  الشرعي  الإسلامي هي كل شيء فيها يصنع الإنسان وبها يبنى العمران، ولذلك أولاها القرآن الكريم الحظ الأوفر والمساحة الأوسع من تشريعاته، تفصيلا وتبيينا لأدق أحكامها، وبينت السنة النبوية تفاصيل ودقائق وأحكام أخرى، لأن سلامة الأسرة يعني سلامة حاضر ومستقبل الإسلام والمسلمين، والبشرية كذلك، وأن خرابها يعني خراب ذلك جميعا.

إنّ نجَاح الأسرة  باعتبارها  نواة المجتَمع والوحدة التأسيسية لشبَكة العلاقات الاجتمَاعية (نسب-زواج-مصاهرة-رضاعة)، والتي تُكون المجتمع، وهي حاضنة الأفراد، ملبية حاجة الانتماء الوجداني، مانحة لهم الثقة في المستقبل، ومعززة فيهم الأخلاق الدينية والمبادئ الوطنية والقيم الإنسانية،و استقرارها يسهم في تحقيق أمن المجتمع وسلامته، ويقلل من وقوع المشاكل كالطلاق والعنف والقتل والاغتصاب وانتشار المخدرات وتفشي الفواحش، ولا  سبيل إلى  ذلك  إلا  بزواج ناجح و متين على  هدى وبصيرة ، ولذلك حث الرسول ﷺ الشباب على المسارعة إلى الزواج:(يا معشر الشباب من استطاع منكم البَاءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفَرَج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وِجاء) أخرجه البخاري،

ومن أجل أن يتَأسس الزواج على قواعد متينة ويُحقق مقاصده النبيلة، نقترح جملة من التوجيهات التي نراها قمينة بحفظ هذا الميثاق من الانحلال وبالتالي حفظ الأسرة من التفكك والاضطراب، مستحضرين في ذلك حديث الخيرية الأسرية حيث يقول الرسول عليه الصلاة السلام: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي»، ويمكن إجمالها في:

1-حسن الاختيار: حسن اختيار الزوج الصالح والزوجة الصالحة، والرضا بقبول بعضهما البعض، والحرص على التوافق بينهما في المشاعر والتصورات و الميولات والاهتمامات هو القمين بتأسيس زواج يعطي أكله  بإذن  ربه  ، يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: “إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ، فَأَنْكِحُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ”.  قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ؟ قَالَ: “إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ” ثَلَاثَ مَرَّات”، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ : لِمَالِهَا ، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا ، وَلِدِينِهَا ، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ ) ، ولذلك  شرع  الإسلام  الخِطبة بما هي تواعد رجل وامرأة على الزواج، مما يسهل عملية  التعارف والاكتشاف، ولكل من الخاطب والمخطوبة حق العدول عنها، ومن مقاصد الخِطبة تعرف الخاطبين على بعضهما، والتشاور فيما بينهما، مما يدعوهما إلى الاقتران حتى يكون الزواج على بصيرة ولا يفاجأ أحدهما بما لا تحمد عقباه.

2-الحضور المؤثر  والإيجابي:  بما هو معاشرة بالمعروف وأداء للواجبات وحفاظا على الحقوق،سواء تعلق الأمر بالزوج أو  الزوجة، أو  جميع  أفراد الأسرة  فيما بعد، فهذا سيدنا  زكريا عليه  السلام  يجسد  هذا التوجيه  الأسري  الناجع، يقول الله تعالى  في  سورة  آل  عمران:( فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا  قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ  إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37) ، والشاهد في الآية قوله 🙁 يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا  )، وهذا لا يعني التدقيق في كل الأمور صغيرها وكبيرها، والتدخل في كل الأحداث والوَقائع ظاهرها وباطنها ، بل يجب التّحلي بخلق التغافل في العلاقات الزوجية خصوصا  والعلاقات الأسرية عموما، دلّ على ذلك قول الحبيب عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح المليح:( لا يفرَك مؤمنٌ مؤمنةً إن سخِطَ منْها خُلقًا رضِيَ منْها آخرَ)، ومن الحضور المؤثر القيام بالوجبات المنزلية الأسرية ، والقدوة الكاملة  والأسوة الخالدة الحبيب عليه الصلاة والسلام الذي وصفته أمنا عائشة رضي الله عنها عندما سُئِلت: ما كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يعمَلُ في بيتِه ؟ قالت: كان يَخيطُ ثوبَه ويخصِفُ نعلَه ويعمَلُ ما يعمَلُ الرِّجالُ في بيوتِهم) رواه ابن حبان في صحيحه.

3-الدخل المالي المناسب: وشرطه أن يكون حلالا طيبا، لأن الدخل المناسب للأسرة يؤمِّن الاحتياجات المادية والمستلزمات المعيشية لأفراد الأسرة، ضمانا لقسط من الاستقرار المادي والطمأنينة والسعادة، لأن انعدام الدخل المادي يؤدي إلى تهديد تماسك الأسرة وسلامتها، وفي هذا السياق نستحضر حديث سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله تعالى عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا ذُو مَالٍ، وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ لِي وَاحِدَةٌ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: أَفَأَتَصَدَّقُ بِشَطْرِهِ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ؟ قَالَ: الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، ولذلك  حث  الإسلام على  تحمل تبعات  الزواج من  طرف  الزوج  رب  الأسرة وأناط  به  القوامة قال تعالى:( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا)  سورة النساء:34، ورمزية  الصَّداق أو  المَهر  في الإسلام  باعتباره ركنا  من أركان  الزواج لا يصح  إلا به،  فيكونه  دليلا واضحا  على  قدرة  الزوج  على  تحمل  تبعات  الزواج  من  نفقة ورعاية لأسرته .

4-استحضار مقاصد الزواج ومراعاة وظائف الأسرة: لأن الزواج الناجح هو اللبنة الأساس للأسرة الناجحة، وهذا النجاح مرتبط بمدى تحقيق الزواج لمقاصده وغاياته، ومدى قيام الأسرة بأدوارها ووظائفها، ويمكن أن نجمل مقاصد الزواج:

  • إقامة أسرة فاضلة صالحة بانية: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(تزوجوا الودود الولود، إني مكاثر الأنبياء يوم القيامة)
  • تلبية حاجات الزوجين في سمو وآدمية: قال الرسول صلى الله عليه وسلم:(لم ير للمتحابين مثل النكاح)
  • تأمين سلامة المجتمع من تفشي الفواحش وحفظ الأعراض والانساب من الاختلاط: قال النبي المختار عليه الصلاة والسلام:(الولد للفراش وللعاهر الحجر) وقال الله تعالىى:”ولاتقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا”سورة الاسراء
  • تقوية الروابط الاجتماعية وتمين أواصر العائلة: قال تعالى:(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً 54) سورةالفرقان .

أما عن وظائف وأدوار الأسرة فقد وضحتها الدكتور خديجة مفيد في كتابها “الأدوار الأسرية بين المنظومة القرآنية والمنظومة الوضعية-دراسة في المفاهيم والأنساق”، أما الوظائف فتتمثل أساسا في :1-وظيفة الزوجية، 2-وظيفة الأمومة،3-وظيفة الأبوة،4-وظيفة التنشئة والتأهيل الاجتماعي، أما أدوار الأسرة حسب الدكتورة خديجة مفيدة فترتبط في مآلاتها وتفاعلاتها بتحقيق غاية مثلى هي الخيرية والشهود الحضاري، وتتمثل هذه الأدوارفي:1-دور الاستقرار،2-دور الإعمار،3-دور الإصلاح،4-دور القيادة. وهي أدوار ووظائف ثابتة مرتبطة بتوجه معياري رسم معالمه الكبرى القرآن الكريم، وجسدته التجربة النبوية عبر منظومة من المفاهيم المؤسسة للصلاح والخيرية والسعادة.

ختاما، إن موضوع الأسرة   موضوع  متجدد وراهن  واستراتيجي، ومهما أعطينا  من وقت  وبذلنا  من  وسع،  فإن  ما نتوقع  الوصول  إليه  هو أكبر  بكثير  مما  نبذله، خصوصا  ما  تعرفه  مجتمعاتنا من  تحولات  وتحديات،  تستوجب  أن  تقوم كل المؤسسات  بأدوارها  في  التوعية  والتحسيس، والتأطير  والتأهيل، والمواكبة والاستشراف والوقاية والبناء.

والحمد لله رب العالمين

عبد العزيز الإدريسي

مكناسة الزيتون10ذو القعدة 1443ه/10يونيو 2022م

 

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M