السؤال الصعب عند أحمد عصيد!!
هوية بريس – إبراهيم بَيدون
الإثنين 22 دجنبر 2014
(هذا مقال لي سبق ونشرته شهر أبريل 2013، وأعيد نشره لما أرى من أهمية له في كشف موقف عصيد من الإسلام أو الإسلاميين، وكيف يغالط قراءه وهو يهاجم الدين باسم أنماط التدين..).
نص المقال:
كلما وجد أحمد عصيد نفسه في مواجهة سؤال: هل أنت تعادي الدين الإسلامي كما يصفك الإسلاميون؟ يجيب قائلا: أنا لا أنتقد التدين بل أنتقد أنماط التدين! (ندوة سؤال القيم.. في مدرسة علوم الإعلام)، أو يلتجئ إلى انتقاد استخدام الدين في السياسة ليوهم مستمعيه أنه ضد الإسلاميين (أنماط التدين) الذين يوظفون الدين لأغراض سياسية وليس ضد الإسلام، و”هم ليسوا طهرانيين حتى لا يمكن انتقادهم؛ خصوصا وأنهم يتماهون مع العقيدة الإسلامية في أطروحاتهم السياسية.. ونحن في بناء الدولة الحديثة لسنا في حاجة إلى أية مرجعية دينية”، هكذا كان جوابه في حوار “قهوة مع عصيد؛ هسبريس”.
كما أنه طالب في الحوار ذاته من يتهمه بأنه يمس بالدين؛ أن يقدم الدليل على ذلك من كلامه وكتاباته، وهذا ما سأحاول سرده ونقله في هذا المقال، وحتى لا أكثر من ذكر تلك الأدلة التي تزخر بها العديد من مقالاته وتصريحاته، حتى ليخيل للقارئ أنه يقرأ لمستشرق مغرض حاقد يحرص أن يوهم قراءه بعدم سماوية وقدسية دين الإسلام1؛ سأكتفي بالوقوف والاستدلال بكلام من مقاله الذي سماه: “أسئلة الإسلام الصعبة”2، ليتبين لنا أنه يهاجم الدين في ذاته، وينتقد أنماط التدين ليس لانتقاد تلك الأنماط فحسب، بل لتكون سنده في مهاجمة الدين، والتدليل على أن المشكلة تكمن في ذات الدين لا في اختلاف الأفراد (أنماط التدين).
وقبل الخوض في صلب الموضوع؛ ألفت انتباه القراء الكرام أن العنوان وحده يفضح تلك الأغلوطة التي يجيب بها عصيد عندما يوجه له ذلك السؤال الصعب؛ فعصيد اختار أن يعنون مقاله بـ”أسئلة الإسلام الصعبة”، وفرق كبير بين أسئلة الإسلام الصعبة؛ وأسئلة الإسلاميين الصعبة!! ولعله هو الفرق بين التدين وأنماط التدين.
فوصف الأسئلة بالصعبة يعني أن جوابها غير متيسر؛ وهو ما سيبرهن عليه في المقال والعودة إليه، وما يدفع توهم أنه يقصد بالإسلام في العنوان الإسلاميين لا الإسلام في حد ذاته.
السؤال الأول
بدأ عصيد المقال بقوله: “يسود في أوساط المسلمين خطاب مفاده أن الإسلام بريء من كل ما ينعت به من نعوت سلبية مصدرها في اعتقادهم موجة “الإسلاموفوبيا” المنتشرة في الغرب بعد الأحداث الإرهابية التي كانت العديد من البلدان الغربية مسرحا لها، ومضمون هذا الخطاب هو أن الإسلام دين “وسطي متسامح” يتضمن كل القيم التي تعتبر اليوم قيما نبيلة وإنسانية، وأن الذين ينعتونه بتلك النعوت للنيل منه هم أشخاص ليس لهم إلمام بالإسلام وتعاليمه، وإنما وقعوا ضحية الدعاية المغرضة والتشويش المقصود”.
وكلامه هنا عن الإسلام وليس عن المسلمين، وسيستدل بتصرفات المسلمين ليفند ذلك الادعاء (براءة الإسلام)، بدعوى أنهم يتبنون المرجعية الدينية في كل سلوكياتهم، حيث قال: “إذا كان الإسلام دينا بريئا من كل النعوت السلبية وليس فيه مشكل في حدّ ذاته، فأين يكمن المشكل إذن، ما دام المسلمون يبررون كل مشاكلهم مع العالم ومع بعضهم البعض وكل أخطائهم انطلاقا من الدين ومن نصوصه؟”.
وهنا نسأل عصيد، إذا كنت تنتقد أنماط التدين فأنت إذن قادر على التفريق بين التدين الصحيح والتدين الخاطئ، وهو الأمر الذي لا يمكنه أن يحققه لاعترافه بجهله بالعلم الشرعي بحكم أنه ليس “رجل دين”!، فكيف يستدل بأنماط التدين على صواب أو خطأ التدين؟
السؤال الثاني
صاحبنا عصيد سيكون واضحا في كثير من كلامه الذي سيذكره بعد ذلك، وأن المشكلة تكمن في الدين ذاته وليس فقط في أنماط التدين، حيث قال: “لأن اللحظات التي تصور على أنها “عصر ذهبي” للإسلام والتي هي مرحلة النبوة والخلفاء الراشدين كانت أيضا مرحلة حروب فظيعة واقتتال شنيع وأحداث مهولة ولم تكن مرحلة سلم وحضارة وازدهار..”، فمجيء الإسلام ونبي الإسلام صلى الله عليه وسلم لإخراج الناس من ظلمات الجاهلية إلى نور وعدل الإسلام غير معترف به من طرف عصيد، بل سبب ازدهار أمة الإسلام عنده راجع إلى: “نقل التراث الإغريقي واللاتيني والسرياني إلى العربية وهضمه بالتدريج، والتفاعل مع الحضارات الفارسية والهندية واليونانية واللاتينية”، ما يعني أن الإسلام لم يكن له دور في ازدهار المسلمين وتقدمهم؛ ولا في إخراج أتباعه من جاهلية عمياء وحضارات وثنية ومنحرفة إلى نور الإيمان والتوحيد؛ فهل هناك تهجم على الإسلام أكثر من إنكار دوره في بناء وازدهار؛ لا الحضارة الإسلامية وحدها بل الإنسانية جمعاء؟!
وهل بعد نقل ذلك التراث (الذي كان شره أكثر من نفعه) توقفت الحروب بسبب تأثيره السحري في بناء وازدهار الحضارة؟!
السؤال الثالث
ثم قال عصيد ناقلا شبها ليس هو أول من يلقيها طبعا: “إذا قام بعض المسلمين بالدفاع عن دينهم باستحضار نصوص ذات مضامين إيجابية، فإنّ بعضهم الآخر يرتكب الأخطاء الشنيعة اعتمادا على نصوص أخرى هي أيضا من القرآن والسنة، مما يطرح مشكل التعارض الصريح الموجود بين نصوص الدين الإسلامي، والارتباك في استعمالها، وهي تناقضات إن كان المسلمون يبتلعونها صامتين باللجوء إلى ألاعيب “الناسخ” و”المنسوخ” و”الضعيف” و”الصحيح” فإن باقي العالم لا يمكن له القبول بالتناقضات التي لا يستسيغها العقل السليم”.
إذن العقل السليم حسب عصيد لا يمكن أن يقبل هذا الدين المسمى: إسلاما؛ لأن التناقض والتعارض الصريح يوجد بين نصوص الدين ذاته، وليس فقط في أنماط التدين!!
وهذا تصريح آخر في مهاجمته الصريحة للإسلام لا لأنماط التدين كما يدعي.
فهل يوجد تعارض صريح بين نصوص الدين الإسلامي؟
بالطبع لا يوجد ذلك إلا عند من كانت لديه أحكام مسبقة وتشبع بأيديولوجيات لائكية معينة تكره التدين أصلا؛ وإلا فإن علم الناسخ والمنسوخ في أصول الفقه، والصحيح والضعيف من الأحاديث عند علماء الحديث، هي علوم قائمة لها قواعدها ومبادئها.
وهي بالمناسبة علوم تدهش العقول عند معرفة مدى انضباطها وعِلميتها؛ تجمع بين نصوص الشرع الصحيح وما يقتضيه العقل السليم:
1- فمما ورد بخصوص الناسخ والمنسوخ قول الحق سبحانه: “مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” (البقرة:106)، ومن الآية يتبين لنا أن الأمر ليس مجرد ألاعيب كما وصفها العلماني عصيد، بل هو أمر رباني له حكمته التي يعلمها المؤمنون بأن هذا القرآن وهذا الدين من لدن حكيم خبير؛ فالعقل يقتضي عند بداية التشريع مراعاة أحوال وطباع الناس، وهو الأمر الذي يلزم منه التدرج في التشريع، ولهذا كان في الإسلام شيء اسمه الناسخ والمنسوخ.
2- أما قضية الصحيح والضعيف التي تخص أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، فهو علم قائم بذاته جعله الله عز وجل وقيض له من العلماء ما يصدون به هجمات المحرفين من الكذبة وأهل الأهواء، ومن الحملات الفكرية للمستشرقين، وأتباعهم من المستغربين، والحق ظاهر بين في هذا الأمر لا يزيغ عنه إلا هالك.
فهل بعد هذا التهجم الصريح على سلامة الدين الإسلامي من التعارض الصريح الذي يفضي إلى عدم ربانيته؛ شك في أن العلماني عصيد يهاجم الدين لا أنماط التدين القابلة للصواب والخطأ؟!
ثم ما دام عصيد نفسه يدعي جهله بعلوم الشريعة فلم يخالف العقل ويخوض في مباحث لا علم له بها؛ وأكثر من ذلك ينتقد ويجهّل ويحكم؟
ثم أين موقع عصيد من أنماط التدين الإسلامي؛ أم تراه لم يكلف نفسه البحث عن النمط الصحيح الذي سيلقى به ربه؟
السؤال الرابع
أما سؤاله الرابع فتمحور حول الردّ على مقولة أن الإسلام: “صالح لكل زمان ومكان”، حيث قال: “وكأن الإنسان لم يقم بثورات قلبت معارفه رأسا على عقب وجعلته يعي وجوده ووجود العالم بشكل مختلف لا نظير له في التاريخ ولا علاقة له بما كانت تقوله الأساطير والديانات المختلفة”، ما يعني حسب عصيد أن الإسلام داخل جملة في الديانات المختلفة التي قامت الثورات لتقلب معارف الإنسان حولها رأسا على عقب، فصارت غير صالحة لهذا الزمن، وإلا: “هل يمكن لأي دين في عالم اليوم أن يزعم بأنه “صالح” لكل شيء وفي كل شيء، إلا إن كان أهله يعانون من مشاكل نفسية وعقلية خطيرة؟” (حسب عصيد).
ألا يعد اعتبار الإيمان بكمال الدين الإسلامي وصلاحية شريعته لكل زمان انحراف عقدي وعقلي ونفسي، وتهجم صريح على الدين الإسلامي وعلى خصائصه في ربانيته وشموليته واستمراريته3؟!
فالمسلمون على مر التاريخ وإلى اليوم لازالوا على يقين تام من صدق وشمولية وصلاحية رسالتهم؛ ومن قلبت معارفه فليتهم نفسه وعقله؛ وليكف عن التعميم؛ فهذه الشبه التي ينقلها عصيد ليست من كلامه ولا من بنيات أفكاره؛ فكم رددها قبله من هو أعتى وأشد؛ فما نالوا غير أن صنفهم التاريخ في زمرة الحاقدين وأعداء الدين؛ أما عند الله فهذا أمر آخر.
السؤال الأخير
وفي آخر أسئلته الصعبة التي يوجهها للمسلمين وكأنه طرف خارج دائرة الإسلام يقول: “يعتبر المسلمون دينهم أفضل الأديان وأصحّها على الإطلاق، ويعتبرون ديانات غيرهم خرافية ومنحرفة ولا عقلانية..”.
وهذا أمر غير مقبول عنده؛ فحتى نكون أكثر رقيا وازدهارا ينبغي أن نتخلى عن الإيمان؛ وعن عقيدة الولاء والبراء؛ ونتماهى مع كل الديانات والعقائد الأخرى.
ونحن نوجه رسالة إلى عصيد؛ ونسأله:
ما هي عقيدة اليهود في المسلمين؛ وما هو أفضل الأديان بالنسبة لهم وأصحّها على الإطلاق؟
والأمر نفسه بالنسبة للنصارى وكافة الطوائف والنحل والمذاهب بما فيها العلمانية؟
ولماذا يشن عصيد هذه الحرب أصلا على الإسلام إلا من منطلق الولاء والبراء؛ واعتقاد أن العلمانية هي المذهب الصحيح الذي يجب اتباعه ولا مذهب صحيح غيره.
في الختام
بعد هذه الأسئلة التي هاجم فيها عصيد بعض أركان وأسس الإسلام ومبادئه العظمى4، مشككا في حقائق لا يقبل التشكيك فيها مسلم، سيخلص إلى نتيجة توضح ما دندنت حوله من الأول، وهو أن عصيد يهاجم الإسلام والتدين، وأن الحل عنده لخروج المسلمين من عنق الزجاجة -على حد زعمه- هو: “الاعتراف بأن المشكل ليس في المسلمين فقط بل يكمن في صميم الدين الإسلامي وبين ثنايا نصوصه”!!
فهل يصدق بعد ذلك عصيد عندما يقول أنه ينتقد فقط أنماط التدين، وهو يصرح هنا بأن المشكل ليس في المسلمين فقط (أنماط التدين)، بل يكمن في صميم الدين وبين ثنايا نصوصه؟!
صراحة أستغرب كثيرا من العلماني المتطرف أحمد عصيد وهو الذي يتبجح بحقه في التعبير وفي المعتقد وفي الانتقاد، عدم امتلاكه الجرأة والشجاعة الكافية للتعبير عن موقفه الصريح من الإسلام، إذ يختار أسلوب اللف والدوران والروغان؛ والتواري وراء الكلمات والتلبيس في العبارات، ومهاجمة الإسلام في زي الدارس الذي يطالب بفقهاء متنورين يعيدون قراءة النصوص الدينية حسب أهواء وأسس اللائكيين الاستئصاليين، لتكون النتيجة إسلاما على مقاس تقارير “راند” الغيورة على إسلام معتدل!!
فمتى يا عصيد ستجيب على السؤال الصعب دون خوف أو تلبيس؟!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- عصيد حين قال: “الإسلام ليس هو الدين الوحيد الذي ينبغي أن يتبع، ولا دين مقدس حتى يستحيل تغيير ورفض شرائعه” (مقال: “حرب الحريات الفردية وحقيقة الانتماء إلى الإسلام” نبيل غزال).
2- ثم تلاه بعد ذلك بمقال عنونه بـ: “عودة إلى أسئلة الإسلام الصعبة”.
3- يؤكد هذا التهجم قوله: “شمولية الإسلام “فكرة إرهابية” في بعض مناحيها” وهو عنوان مقال له.
4- وغيرها كثير جدا؛ وإنما اضطررنا إلى الاختصار اضطرارا؛ ولعل الله تعالى ييسر في إخراج بحث مستقل في الموضوع.