السر وراء سُكون البحر ليوسف بن تاشفين وهو يعبر نحو “الأندلس” !
هوية بريس – حمزة الهيشو
في سنة (478هـ=1085م) كانت قد سقطت طليطلة حاضرة المسلمين في الأندلس على يد ممالك النصارى في الشمال ومنذ سقوطها في ذلك التاريخ لم تعد إلى المسلمين، ثم حوصرت بعدها مدينة إشبيلية؛ مع أنها كانت تقع في الجنوب الغربي للأندلس، وبعيدة عن مملكة قشتالة النصرانية التي تقع في الشمال، وقد كاد أن يحدث مع أمير إشبيلية المعتمد بن عباد مثلما حدث مع مدن أخرى كبربشتر أو بلنسية لولا أن منَّ الله على المعتمد بن عباد بفكرة الاستعانة أو التلويح بالاستعانة بالمرابطين وأميرهم يوسف بن تاشفين في بلاد المغرب ضد نصارى الإسبان في الشمال.
وكانت فكرة الاستعانة بالمرابطين فكرة شعبية خرجت أول ما خرجت من العلماء والفقهاء وتلقاها الناس بالقبول، ثم صارت مطلبًا عامًّا يجد الدعم الشعبي، ويصعد إلى الأمراء.
وبالفعل وفدت جماعة من أهل الأندلس على يوسف بن تاشفين، ووضحوا له ما حل بهم من أعدائهم، فوعدهم بإمدادهم وإعانتهم.
وبينما كان يوسف بن تاشفين يفكر في المعوقات التي قد تقف أمامه أثناء عبوره من المغرب إلى الأندلس، جاءته رسالة المعتمد بن عباد أمير إشبيلية والتي طمأنته؛ فهو بذلك سينزل إلى الأندلس بأمان ولا يُعتبر محاربًا مهاجمًا لأراضي إشبيلية أو غرناطة.
وأعد يوسف بن تاشفين العدة وجهز السفن وبينما كان يعبر مضيق جبل طارق وفي وسطه هاج البحر، وارتفعت الأمواج، وكادت السفن أن تغرق، الأمر الذي دفع يوسف بن تاشفين إلى التضرع إلى الله قائلا: «اللهم إن كنتَ تعلمُ أنّ في جوازي هذا خيرًا وصلاحًا للمسلمين فسهِّل علينا جواز هذا البحر، وإن كان غير ذلك فصعِّبْه عليَّ حتى لا أجوزه»، فهدأ البحر وسكنت الريح ليوسف بن تاشفين ليتم عبوره ومن معه.
وعند وصول القائد يوسف بن تاشفين وجد الوفود تنتظره ليستقبلوه استقبال الفاتحين فسجد لله شكرًا أنْ مكَّنَهُ من العبور، والذي يعد أهم عبور في تاريخ الأندلس ونقطة تحول كبيرة في الصراع بين المسلمين والنصارى هناك.
وبدأ المسير إلى شمال بطليوس على حدود البرتغال حاليًا في الموقع الذى تسميه الرواية العربية الزلّاقة (ويقال أنها سميت الزلّاقة من كثرة الدماء التي كانت الخيول تنزلق فيها).
وأرسل يوسف بن تاشفين خطاب لألفونسو يخيره بين الدخول في الإسلام أو الجزية أو الحرب، فاستشاط ألفونسو غضبًا ورد على أمير المسلمين بكتاب غليظ يفيض بالوعيد، فاكتفى يوسف بن تاشفين برد مختصر بعبارة: «الذى يكون ستراه».
واشتبك الجيشان يوم الجمعة 12 رجب سنة 479 هـ الموافق 23 أكتوبر سنة 1086م وبعد معركة طويلة انتصر المسلمون وفر ألفونسو في خمسمائة أو أربعمائة فقط من جنوده، معظمهم جرحى، ومات أغلبهم في الطريق، حتى أنه يقال أن كل من وصل طليطلة مع ألفونسو فقط مئة.
وبعد هذا النصر يعود يوسف بن تاشفين إلى إشبيلية، ويقيم هناك أيامًا، ثم عبر إلى المغرب وترك من جنده ثلاثة آلاف رهن تصرف المعتمد.
- المراجع:
- سير أعلام النبلاء (14/ 494).
- الكامل في التاريخ (8/ 307).
- المعجب في تلخيص أخبار المغرب (98).