السلالات الجينية لا تحدد هوية الانسان

17 نوفمبر 2025 14:31

السلالات الجينية لا تحدد هوية الانسان

هوية بريس – عبد الإله الرضواني

في المغرب اليوم، تتخفى موجة من الجهل وراء عباءة العلم. هناك من يستخدم السلالات الجينية لإشاعة العنصرية والقبلية والانقسام الثقافي، سواء عبر الإنترنت أو في الواقع. يرفعون السلالات الجينية J1  وE-M81  كأنها شارات للهوية، مدعين أن هذه العلامات الجينية تحدد من هو عربي ومن هو أمازيغي، ومن ينتمي ومن لا ينتمي. هذا علم زائف يُستخدم لأغراض الكراهية، ويجب مواجهته. قبل أن ترفع نتيجة السلالة الجينية في وجه أخيك المغربي، افهم أولاً ماذا تعني حقًا.

السلالة الجينية ليست علمًا يرفرف، وليست جواز سفر، وليست قبيلة. إنها خيط جيني، دليل على المكان الذي قد يكون عاش فيه أحد أسلافك البعيدين قبل آلاف السنين. لكنها لا تحدد ثقافتك، لغتك، قيمك، أو هويتك بأي شكل من الأشكال.

الهبلوتايب (haplotype) هو مجموعة محددة من التغيرات الجينية على جزء من الحمض النووي يتم توريثها معًا عادة. و السلالة الجينية (haplogroupe) هي تجمع أكبر من الهبلوتايبات المرتبطة، يعود أصلها إلى سلف مشترك واحد. يستخدم العلماء السلالات الجينية لتتبع الهجرات البشرية القديمة وفهم كيفية تفرع المجموعات السكانية عبر الزمن. هذه التغيرات الجينية التي تحدد السلالة الجينية يمكن أن تتخذ أشكالًا عديدة: مثل تعدد الأشكال النوكليوتيدية المفردة

(Single Nucleotide Poplymorphisms (SNPs))، وتغير عدد النسخ  (Copy Nmuber Variations )،

والحذوفات (Deletions)، والإدخالاتInsertions) )، والانعكاس (Inversion)، والانتقال (Translocation). هذه مجرد علامات تساعد الباحثين على تجميع السلالات وإعادة بناء مسارات الهجرة، وليست مؤشرات على الثقافة أو اللغة أو الهوية الحديثة.

تاريخ اكتشاف الهبلوتايبات والسلالات الجينية يعكس عقودًا من البحث العلمي الدقيق. في السبعينيات والثمانينيات، كشفت دراسات الحمض النووي الميتوكوندري ADN mitochondrial)) عن اختلافات بين الأفراد، ما أدى إلى ظهور مفهوم الهبلوتايب كمجموعة جينية موروثة عبر الام. وفي التسعينيات، حددت الدراسات على الصبغي الجنسي  Y     (chromosome Y) سلالات أبوية مميزة، مما سمح بتتبع خطوط الذكور. أما مشروع الجينوم البشري الكامل (    (Génome humain Complet    في العقد الأول من الألفية الجديدة، فقد تحسن الفهم بشكل أكبر، مما أتاح للباحثين تتبع توسعات السكان، والاختناقات السكانية (انخفاض شديد ومفاجئ في حجم عدد السكان في فترة زمنية معينة)، والهجرات بدقة غير مسبوقة. اليوم، أصبحت اختبارات النسب متاحة للجمهور، لكن التبسيط المفرط أدى إلى سوء الفهم على نطاق واسع.

ومع كل هذه الشعبية لدراسة السلالات الجينية، فان هذه الادوات لا تحدد هوية الاشخاص. فالسلالة الجينية J1، المرتبطة غالبًا بشبه الجزيرة العربية، حيث ظهرت هناك منذ آلاف السنين، توجد أيضًا في القوقاز، وقرن إفريقيا، وبعض سكان البحر الأبيض المتوسط.  في المقابل، السلالة الجينية E-M81، المنتشرة بكثرة في شمال افريقيا، وخاصة المغرب، والتي يُطلق عليها غالبًا أمازيغية، تظهر في إسبانيا، وصقلية، وأجزاء من إفريقيا جنوب الصحراء. المهم في الموضوع هو أن حمل J1 لا يجعلك عربيًا، كما أن حمل E-M81 لا يجعلك أمازيغيًا. السلالات الجينية تشير فقط إلى المكان الذي قد هاجر إليه أو منه أسلافك البعيدون قبل آلاف السنين، وليست جواز سفر ثقافي أو إثني.

ويتضح هذا في كثير من البلدان بما فيها المغرب. يمكن أن نجد نفس السلالات الجينية عبر مجتمعات مختلفة: يمكن العثور على السلالة الجينية J1 بين السكان الناطقين بالعربية وكذلك بين المجتمعات الأمازيغية؛ كما أن E-M81  موجودة في قبائل عربية ساحلية وكذلك في مجتمعات أمازيغية في جبال الأطلس والريف. هذا التداخل يثبت أن العلامات الجينية لا تتطابق بدقة مع الخطوط اللغوية أو الثقافية أو الإثنية. السلالة الجينية لا يمكن أن تخبرك إذا كان الشخص عربيًا أو أمازيغيًا أو صحراويًا أو حسانيًا، فقط توضح أن له سلفًا مشتركًا بعيدًا.

ولتبسيط الموضوع، تخيل شابًا مغربيًا يحمل السلالة الجينية E-M81. من الناحية الجينية، يمكن للعلماء القول إن أحد أسلافه البعيدين ينتمي إلى خط شمال أفريقي. لكن في الواقع، هذا الشاب يدرس في مدرسة فرنسية دولية، ويتعامل تقريبًا حصريًا مع أقران ناطقين بالعربية والفرنسية، ويتحدث فقط العربية والفرنسية، ويأكل بشكل رئيسي الأطعمة الغربية، ويرتدي الملابس الغربية. لم يتعلم الأمازيغية أبدًا، ولا يشارك في التقاليد الثقافية الأمازيغية. هل سيعتبره أحد أمازيغيًا لمجرد سلالته الجينية؟ بالطبع لا. هويته تُحدد باللغة التي يتحدثها، والثقافة التي يعيشها، والقصص التي يشاركها، والمجتمع الذي ينتمي إليه، وليس بعلامة في حمضه النووي. نفس الشيء، ولكن في الاتجاه الآخر، ينطبق على شاب يحمل السلالة الجينية J1 ولكن لا علاقة له بالثقافة العربية.

تظهر الدراسات السوسيولوجية والانثربولوجية أن الهوية أكثر تعقيدًا مما يتصوره البعض.  فالهوية تتشكل من نسيج غني من العوامل المترابطة. في المغرب مثلا، حيث تتعايش الهويات العربية والأمازيغية والصحراوية والحسانية، تتشابك هذه العوامل بعمق. وتشمل اللغة، التي تشكل التفكير والتفاعل الاجتماعي؛  العادات والتقاليد، التي تخلق ممارسات مشتركة وذاكرة جماعية؛ التاريخ والأساطير، التي تمنح المجتمع إحساسًا بالاستمرارية والبطولة والانتماء؛ الدين، الذي يشكل القيم والأخلاق والطقوس والرؤى العالمية؛ الجغرافيا والبيئة، التي تؤثر على الحياة اليومية والشبكات الاجتماعية؛ الفنون والموسيقى والمطبخ، التي تحمل معاني جمالية ورمزية؛ والسرديات الجماعية، بما في ذلك القصص والأساطير والقيم المجتمعية التي تنتقل عبر الأجيال. هذه الخبرات المشتركة والحية هي التي تحدد الهوية بشكل أعمق بكثير من أي سلالة جينية.

ختاما، إن تقليص الهوية إلى مجرد سلالة جينية يعرضنا للتمييز العرقي والخرافات العلمية المزيفة. إنه يمحو الواقع الغني والمتعدد في المغرب. الهبلوتايبات والسلالات الجينية أدوات رائعة لفهم هجرات النوع البشري وصلاته القديمة. يمكنها أن تظهر المكان الذي قد يكون عاش فيه أسلافك، لكنها لا تخبرك من أنت اليوم. الهوية تُعاش وتتعلم وتُشارك. حمل J1 لا يجعلك عربيًا. وحمل E- M81  لا يجعلك أمازيغيًا. ما يحددك هو قصتك، وإرثك، وتجربتك الإنسانية، وليس رمزًا جينيًا. لأولئك الذين يزرعون الانقسام: توقفوا عن استخدام الحمض النووي لإشباع عقدكم. المغرب لديه ما يكفي من التحديات دون إضافة العنصرية الجينية إلى القائمة.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
8°
19°
السبت
20°
أحد
20°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة