السلام في الصحراء عبر السكة الحديدية (2/1)

هوية بريس – ذ.إدريس كرم
المسألة أمام البرلمان (1929)
رأي الغرفة والحكومة
*** ملخص:
يستعرض النص مناقشات مشروع تمديد السكة الحديدية، من أجل إسهامها في اختراق المغرب غربا وجنوبا، اعتمادا على المخطط الذي اتفق عليه كل من الحاكم العام للجزائر، والمقيم العام بالمغرب، لتكون السكة أداة رئيسية لاختراق البلاد، والرفع من التعاملات التجارية وترحيل المعادن والمنتجات لفرنسا، إضافة للمواصلات البرية بالسيارات والطائرات لذلك تم التوصية بالإسراع في تحقيق الربط السككي بين بودنيب وتافلالت، ووجدة والدار البيضاء، ووهران وأكادير.
*** كلمات دالة:
المجموعة الاشتراكية، الاتحاد الجمهوري الوطني، الحكومة في المغرب، وزير الخارجية، جماعة اليسار الراديكالي، المقيم العام بالمغرب، الحاكم العام للجزائر.
*** النص:
من بين الوسائل الأكيدة، لاستعادة السلم والأمن في المنطقة المضطربة، على الحدود الصحراوية بين الجزاير والمغرب، مع أو بدون احتلال تافلالت، وضع السيد بورديس الحاكم العام للجزاير، والسيد سان المقيم العام في المغرب، المجتمعين يومي 6-7 ماي في كولمب-بشار، وفكيك، حول؛ تمديد خط السكة الحديدية المخترق للصحراء، إلى بودنيب أولا، وثانيا نحو زيز، هذا الخط الذي انطلق من وهران، وتوقف مدة خمسة وعشرين سنة، في كولومب-بشار.
وبعد أسابيع قليلة من انعقاد هذا المؤتمر، الذي جاء في وقته المناسب، كان من الطبيعي أن يثير النقاش البرلماني حول سياسة الحكومة المغربية، هذا الحل الذي دافع عنه هنا قايد الرحا، وأوصى به السلطات العليا، التي فوضتها فرنسا لتقديمه في الجزاير والرباط.
لذلك من المثير للاهتمام معرفة كيفية استقبال الغرفة قيام هذا المشروع، وما هو احتمال تقديمه للتنفيذ لاحقا؟
فيما يتعلق بمبدإ فائدة السكك الحديدية، كأداة لتهدئة الأوضاع في المستعمرة، جميع المتحدثين متفقون:
“ومن أجل الاختراق السريع للمغرب، قال السيد ريفيير نيابة عن المجموعة الاشتراكية؛ لا يمكن أن يكون هناك سوى طريقة واحدة، يجب أن نأتي هنا بما هو جيد في حضارتنا، يجب علينا بناء خطوط السكك الحديدية، والطرق، وطرق الاتصال، لنقول لأنفسنا؛ إننا معهم ولسنا معنا، وأنه في الحقيقة يجب علينا قبل كل شيء أن نسعى إلى أن نجعل منا أصدقاء، قبل أن نكون متوجسين، يجب أن نرسل للمغرب عددا قليلا من الجنود، والكثير من الأطباء والمهندسين.
إمبراطوريتنا الإفريقية، يمكن أن تعود لنا بما ننتظره من حقوق، قال سائل آخر، الكولونيل كايي، من مجموعة الاتحاد الوطني، الذي في اليوم الذي يكون فيه الاتصال سهلا، بواسطة الطائرات والشاحنات، التي ننتظر تحققه.
عندما تصبح السياسة جاذبة، لا يمكن تحقيقه إلا عن طريق التنظيم الصارم، لتنمية الطرق والسكك الحديدية كما أعلن السيد دُو-وَارين بتكليف من مجموعة الاتحاد الجمهوي الوطني.
ليس فقط من خلال تنمية الطرق والسكك التي تقربكم بشكل كاف من البلاد العاصية، وتسهل التموين وبسط السلطة، على الأسواق، لجلب كل ما يراد استيراده، من غير حاجة، لطلق رصاصة واحدة.
ومن خلال تنمية الطرق والسكك، سيمكن للطبيب من اختراق البلاد غير الخاضعة، وإنشاء مستوصفات حيث تأتي النساء والأطفال”.
سبق لوزير الحرب من جانبه أن اتخذ موقفا يوم 14 يونيو، في الجلسة المخصصة لتحديد موعد الاستجواب.
“توجهات سياسة الحكومة في المغرب -كما قال بقوة منذ ما يقرب من ثلاث سنوات- هي سياسة أسلوب اختراق سلمي، يتوفر على كل الموارد التي تمكنه من تحقيق الاختراق المطلوب، على الوجه الأكمل، والموارد هي:
الطرق، والسكك الحديدية، والتجارة، والتعاون الاقتصادي، وكذلك الطبـي.
وإذا أضفنا إلى هذا، إعلان وزير الخارجية، ردا على مختلف الأسئلة، فسنحصل على فكرة ورغبات مجلس النواب بالإجماع، وإدارة الحكومة بأكملها:
“قلتم لنا” أعلن السيد برياند ضمان المساعدة الطبية للقبايل التي ما تزال حالتها الصحية، أقل من المستوى المرغوب فيه، وإظهار الاهتمام برفاهيتها المادية، وفتح الأسواق لها، وبناء الطرق والسكك الحديدية، وإعطاء فرص العمل للأهالي، وتحقيق الإزدهار لهم، في أمان تام، وأخيرا معاملتهم بتقدير واحترام.
هذا بالضبط هو سادتي برنامجنا”.
*** الاقتراح الجزائري:
وبعد هذا التلاحم المبدئي الموحد بامتياز، الذي لا يصح إلا من خلال تطبيقه، ثم تقديم الحل الملموس؛ المتمثل في مد خط السكة الحديدية الاختراقية الجزائرية، في اتجاه بودنيب، وتافلالت، قدم إلى الغرفة من قبل السائل السيد رو-فريسينينج، النائب عن وهران، هو والسيد طومسون النائب عن قسنطينة، المفوض من جماعة اليسار الرديكالي.
إن هذين الممثلين للجزائر، اللذين كانا يتعاملان مع مسألة مألوفة، ويمكن للمرء أن يقول محلية، وحيوية لناخبيهما، قدما توضيحات للمناقشة، مصحوبة بمقترحات عملية، حضيت باهتمام، وتعاطف الجمعية المستمر، بسرعة كبيرة:
وقال السيد رو-فريسينينج؛ بأن الحاكم العام للجزائر، والمقيم العام بالمغرب، التقيا للبحث في حل لمشكلة المغرب، واتفقوا -بالتأكيد في هذه النقطة من الإجتماع لم يكن عبثا- في خلاصة الإجتماع هذا، بأن أحسن دفاع كان؛ هو بناء خط سكة حديد مباشر على الفور، من كولومب-بشار إلى بودنيب، الإقتراح مبهج في الواقع، لقد أثبتت التجربة بأنه، أينما تم وضع الدَّخَن في المناطق الصحراوية، فهو عامل للتهدئة بامتياز، وهكذا تتقدم الإنشقاقات في جنوب وهران، لغاية عين الصفرا.
لقد وضعنا مسار السكة في عين الصفارا، ورجع العُصاة للوراء، وذهبنا إلى حد دويفبري، بل تمددوا أبعد من ذلك، عندما وصلنا بني ونيف، قاموا بحركة انسحاب جديدة نحو كولومب-بشار، وعندما وصلت لهذه الأخيرة، انتشروا في الصحراء، هذا الخط الصحراوي لم يسبق أن تعرض لأي هجوم، ولم يُنْزع منه لولب واحد.
ومن ثم فقد تم الحصول على دليل فعالية المشروع، وأظهر القادة الكبار في الجزائر والمغرب، أن لديهم تقديرا سليما لقيمته، عندما أعلنوا أن بناء خط السكة الحديد، ربما يكون الوسيلة الأكثر عمليا لتهدئة الأوضاع، ولذلك فمن المفترض أن هذا البناء سيكون هشا للغاية، بين كولمب-بشار، وأرفود على هضبة لحمادة، بمعنى قرب الشريحة الصخرية.
بخصوص المعدات، كانت موجودة سلفا، فقد طلبت من قبل المغرب، لخط وجدة بوعرفة، وبعد أن قرر المغرب تحويل الخط الضيق لبوعرفة، إلى خط عريض،
تم شراء هذه المعدات من قبل السكك الحديدية للدولة الجزائرية، لذلك ليس هناك ما هو أسهل لتنفيذ مثل هذا المشروع، والكلفة لن تكون عالية.
لكن سادتي، إذا تم إنشاء خط السكة الحديدية لأغراض استراتيجية، من أجل تسريع عملية التهدئة، فلا بد أن يتم ذلك بسرعة.
يجب أن يتم هذا البناء دون تأخير، وأن يتم إكماله بسرعة، حتى نجني فوائده على الفور.

وأضاف إليه السيد طومسون:
نحن نلفت انتباه الحكومة إلى الحرب، حيث أننا بينما نقوم بتمديد الخط الحديدي، تمكنا من تحقيق الأمن، لم أنس الوعد الذي قطعته لك بأن أكون مختصرا، (تكلم، تكلم) لكن يمكنني أن أثبت لك، أن ظهور ذلك الخط، كان تدريجيا في هذا البلد، وبه الأمن ساد تقريبا على الفور.
وأيضا إذا كنتم تريدون تجنب إرسال كولون عسكري إلى هذا البلد، أو على الأقل، تقليل عدده، وبالتالي إنقاذ ما هو مهم، ألا وهي الحياة البشرية، يجب أن ننته من هذا المسار، في ما يتعلق بهذه النقطة، أكرر لديكم شهادة سلطات الحاكم العام، والمقيم العام، وأي تردد من جانبكم سيكون غير مفهوم.
إذا أردنا البدء في العمل بسرعة، وعدم تضييع الوقت في تعقيدات الغزو، فيمكننا رؤية السكة الحديدية في غضون بضعة أشهر، وأصر على أن السعر متواضع، يعني توفير المال والجهد، وحياة الإنسان، سيدي لا تتردد (حسنا حسنا).
كما أنه لم يشكك أي متحدث في فائدة السكة الحديدية كأداة للاختراق، ولم يتم رفع أي صوت لمناقشة مزايا ومدى استصواب التمديد، الذي طلبه ممثل الساكنة والحكومة، في الجزاير، المهتمة مباشرة بالسلام على الحدود الصحراوية، وهذا يعني أن المشكلة بعد أن طرحت بكل وضوح من قبل شخصية مأذونة، سوف تجد حلا قريبا يخرج عن مؤتمر، ويعرض على البرلمان، ويوافق عليه المجلس، والحكومة ستدخله في مرحلة الدراسات والتطبيق الفني، وذلك بعد أن يتم الاتفاق حول هذا الموضوع، بين الحاكم العام بالجزاير، والمقيم العام الجديد بالمغرب.
لم يصطدم هذا المشروع قط بمعارضات شديدة وحقيقية، لسياسة الاختراق والتهدئة الشرعية، لكن العناد هو الذي ترك هذا الخط المعبر عن سياسة صحراوية قائمة، على التغلغل والتهدئة، لمدة عشرين عاما، في الحدود الجزائرية المغربية.
سيكون هذا جميلا جدا، وغير متوقع جدا، بالنسبة لنا لكي نهدئ أنفسنا بأوهام جميلة، سيكون أيضا معرفة بكل الصعوبات البيروقراطية التي ما يزال يتعين التغلب عليها، كل المنافسات والطموحات التي يجب إسكاتها، كل المصالح الطفيلية التي تطورت حول وضعية متناقضة من الدرجة الأخيرة.
*** دروس الجنرال ليوطي:
في الصحراء، حيث لا تبقى أدنى مفرزة من القوات إلا بموارد تأتيها من الخلف، أي من المناطق الخصبة في الشمال، فإن جميع المسائل السياسية والعسكرية، فضلا عن إعادة احتلال تافيلالت، لتأمين أبواب كولومب-بشار، وعودة مشكلة النقل والجولان، ستبقى بدون حل جيد ما لم تكن هناك سياسة جذب، ولا استعراض للقوة، ولا سلام ولا أمن، كما قال الجنرال في مقابلة أجراها مع إحدى الصحف الجزائرية عام 1918 بمناسبة الأحداث المؤسفة التي وقعت في تافيلالت.
وقد أضاف:
“بالطبع الكولون قادم، لا بد من تموينه، التموين يسبب ارتباكا بين السكان، لأنها إمدادات قسرية تحرم السكان من الموارد الضئيلة التي يمتلكونها، من المقلق أن ننتقل للعداء معهم، وفي هذه اللحظة نجد أنفسنا في حالة تشبه حالة الحرب بشكل غريب”، ولهذا السبب أراد بأي ثمن تجنب تطور هذه المرحلة من الحرب، والتي حدد أسبابها بوضوح، في غياب أي وسيلة نقل، قادرة على ضمان إمدادات الكولون بما هو ضروري.
ما كان يخشاه، هو القبائل المعادية لهذه المنطقة، أكثر من المسار الحجري، والرملي، الذي يبلغ طوله 250 كلم، والذي أحرقته الشمس، واجتاحه الغبار، وتعرض لقطع الطرق، والذي يتخلله من كولومب-بشار إلى أرفود، جثث آلاف الجمال، التي تم الاستيلاء عليها من آلاف الكيلومترات المحيطة.
من الجيد أن نربط ما جاء في هذه المقابلة بالكلمات التي قالها في أكتوبر 1905 عند افتتاح خط السكة الحديدي، من بني ونيف إلى بشار:
“عبر السكة عبر الطبيب، عبر التجارة، مع ضباطنا في الشؤون الأهلية، يعد الإعداد المسبق أمرا ضروريا بالنسبة للسكان، بالوسائل السياسية، شرط أن يكونوا محميين بفرساننا، مدعومين بقواتنا التي تمتلك سيوفا جيدة، وبنادق جيدة، في مواجهة هؤلاء السكان الأباة، خير من يتحمل مسؤولية الأمن وصيانته بجمل حيثما أردنا الذهاب؟
خط السكة الحديدية بني ونيف كلومب-بشار، انطلق فيه عام 1903 فوْرَ تمركزنا في بشار، وتمَّ إنجازه في 18 شهرا، وكان إكمال ذلك المسار -كما كتب الجنرال ليوطي- أمام أعين الأهالي الذين شهدوا متانة عملنا فيه، وسرعة إنشائنا له، قد حقق لنا مزايا غير متوقعة، في تزويد مراكزنا، واقتصاد قواتنا.
لقد كان بمثابة تكريس لمؤسساتنا في جنوب وهران، والعمل الذي قامت به القوات هناك “paroles d,action” وكانت نقطة نهايته بالفعل في تافيلالت.
*** تجربة السيارة:
هل وضع إدخال السيارة في الصحراء، لتعويض النقص في الإبل، حلا لمشاكل الإمدادات بالصحراء؟
وهل شكلت في هذه المنطقة من الحدود الجنوبية الجزايرية المغربية، وسيلة نقل اقتصادية، ومرْكبة يزيد تداولها في الظروف الآمنة، وأداة يمكن استخدامها لسياسة جذب الأهالي لحضارتنا؟
التجربة أجابت بالنفي: لا!
يتبع….
– ص:314-312.



