السلام في الصحراء عبر السكة الحديدية (2/2)

هوية بريس – ذ.إدريس كرم
تجربة السيارة
*** ملخص:
يتطرق الموضوع لفوائد مشروع إنشاء شبكة سكة حديدية، تخترق المغرب وتجعله بين كماشة، تتحكم فيها الشبكة الفرنسية للسكك الحديدية، تربط الجزائر بمراكش، ووهران بأكادير، وكولمب-بشار ببودنيب، ووجدة بفاس، وكرسيف ببوسيدي، فالريش، فقصر السوق، والرباط بمكناس فأرفود، ثم بودنيب، ووهران بانوادبوا، وذلك من أجل تسهيل عملية اختراق المغرب عسكريا، واقتصاديا، وسياسيا.
*** كلمات دالة:
الجنرال ديمو، الجنرال ليوطي، الجنرال كلافيري، لحمادة، بودنيب، كولومب-بشار، كرسيف، بوسيدي، تافلالت، ميسور، واد زيز، الريش، قصر السوق، مركز البورج.
*** النص:
وكما كتب كومندار سابق للمنطقة العسكرية بعين الصفراء الجنرال دينو:
السيارة في الصحراء تمثل عنصرا من عناصر انعدام الأمن؛ عرضة للأعطال، متمردة على الإنضباط في القوافل، أثناء سيرها على المسالك، فضلا على الصراع المتتالي، مع المنخفضات الرملية والحصى في لحمادة، حسَّاسة للبرد الشديد، وكذلك الحرارة الشديدة، التي تتعاقب في الصحراء، خلال بضع ساعات، معاقة في الليل، وأحيانا بالنهار، بسبب الجهل بالصحراء.
السيارة حتى المسلحة منها، تصبح فريسة للجيوش، كم من المآسي يمكن أن نقدمها كأمثلة، باستثناء أشهرها، كاغتيال السيد إبستيان، الذي كان مسافرا خلف قافلة أخرى محروسة، وقتل الجنرال كلافيري، الذي أطلق عليه النار، قبل أن يستعمل هو، أو مرافقوه في الطريق أسلحتهم!
السيارة لا تُحتَرم، كما كان القطار دائما حتى الآن، بل يجب أن يكون مسارها مغطى بمراكز متعددة، أو مفارز عسكرية، ومصحوبة بسيارات مدرعة، إذ يقتضي تنقلها في كل رحلة، نشر قوات عسكرية كبيرة على جميع الطرق التي ستسلكها، لضمان أمنها.
لتموين القوات، نحتاج للسيارات، ولكي نوزع السيارات نحتاج لقوات، حلقة مفرغة يتناوب فيها قادة الدوائر والأقاليم، ويتبعها أيضا التهديد بالمفاجأة، والعدوان المحتمل دائما، وهي الوسيلة المعتمدة في هذه الظروف، عن إرسال الإمدادات لمسافة تزيد عن 250 كلم من محطة السكة الحديدية، ولا تعود السيارة في النهاية، إلا بأداء منعدم تقريبا، مما يشل قدرة أي مظاهرة عسكرية.
الوصول لهذه النتيجة الهزيلة، يكلف الميزانية ملايين وملايين، السيارة بالفعل، لا يمكن أن تكون وسيلة نقل اقتصادية، في المناطق البعيدة عن أي ميناء، لجلب الزيت والوقود، على مسارات خالية من أي محطة متابعة، أو إصلاح أعطاب، مع ضرورة عدم تجاوز كل سائق، الإلتزام بالتجول في بعض الأحيان، في مناطق غير قابلة للعبور، أو بعيدا جدا.
في منطقة الحدود الجنوبية الجزائرية المغربية، أبرمت الإدارة العسكرية صفقة مع شركة نقل مدنية بسعر 4 فرنكات، و10 للطن الكلمتري، ويجب أن تمر الشاحنات ذات الـخمسة 5 أطنان، التي تنطلق من محطة كولومب-بشار، لتزويد قوات أعالي كير، عبر عين الشعير، للوصول إلى بودنيب 180 كلم، وبلغت تكلفة رحلتهم 4000 فرنك، ولا تشمل تكاليف المرافقة الباهضة، التي تتحملها السلطة العسكرية، مع السكة الحديدية؛ كلومب-بشار، بودنيب، والتي لن يتجاوز مسارها المدروس 150 كلم، وبتطبيق المعدل الأقصى للسكك الحديدية المغربية (0.50) فإن نفس هذا النقل سيكلف 375 فرنكا، أي أقل بعشر مرات.
إذا ظلت جميع الأمور متساوية، فإن التوفير في مدفوعات النقل العسكري وحدها، في منطقة أعالي -كير، يصل سنويا إلى مبلغ يتجاوز 3 مليون.
ولكن لن يتم تخفيض كل المدخرات إلى هذا الحد، وبما أن القطار نفسه يحمل مرافقيه، فلن تكون هناك حاجة لعربات مصفحة، ومراكز حراسة على الطرق والشوارع، وفرض أعمال أمنية على السكان الغاضبين، في هذه المنطقة الصحراوية.
لقد قال الجنرال ليوطي؛ بأن الاحتلال العسكري المتوسط، يُوَلِّد مع العديد من القوات اضطرابات، ويثير حالة حرب، يتم التعامل معها اليوم، من خلال تفاقم هذا الاحتلال العسكري، ستنتج السكك الحديدية في النهاية بعد استعراض القوة لإنقاذ الرجال والدماء التي لا تقدر بثمن.
اقرأ أيضا: السلام في الصحراء عبر السكة الحديدية (2/1)
*** الحل المغربي لكرسيف-بوسيدي:
إن هذه الاعتبارات السارية اليوم، وحتى منذ عشرين عاماً لم تفلت، كما نعتقد جيدا، بأن السلطات المغربية ترغب بالتأكيد في ضمان احتلال تهدئة المناطق الصحراوية، المتاخمة لتافلالت، بأفضل الأسعار، تمت دراسة مشاريع السكك الحديدية حتى أن أحدهم أعدم، لكن المشكلة تبقى دون حل، لأن المغرب، تطبيقا لقاعدة السلوك التي جعلته يدير ظهره للجزائر، لم يكن يريد اللجوء إلى الأراضي الجزائرية،
ومع ذلك نظرا لأن السكة الحديدية، لا يمكن أن تمر في كل مكان، فغالبا ما يتم فرض مسار خط السكك الحديدية بطبيعته، على إرادة الإنسان.
إن تمديد السكك الحديدية المغربية، المتجهة من الشمال نحو الصحراء، تواجه على العكس من ذلك، عقبة منيعة تقريبا، تتمثل في الأطلس الكبير، أو امتداداته الشرقية.
وهكذا فإن الوضع يظهر نفسه، على أنه متناقض بقدر ما يمكن تصوره، خط السكة الحديد الذي كان من الممكن أن يصل بقفزة واحدة، دون جهد، ودون تكلفة كبيرة، إلى أعالي-كير، قبل عشرين عاما، تم إيقافه عند الحدود الجزائرية المغربية، كما لو أن هناك عقبة (وهمية إن وجدت) لا يمكن التغلب عليها، لأنها جزائرية، بينما تم إنفاق جهود لا تصدق، ومبالغ كبيرة، حتى يتمكن خط السكك الحديدية المغربي حصريا، من خدمة حدود تافلالت.
هذا الخط هو طريق 0.60 الذي يأتي من جرسيف ويصعد إلى ملوية، وبعد مرورها بميسور، وصلت مؤخرا إلى نهاية بوسيدي، على المنحدر الشمالي عند سفح جبل عياشي (3500م) ومن بوسيدي ينطلق طريق باتجاه الجنوب، حيث يعبر الأطلس في مضيق تيزي-لغمت، على ارتفاع 2000م وينحدر لواد زيز في الريش.
لقد مكن العمل الكبير، من ربط الريش مباشرة بقصر السوق، بعد واد زيز، الذي يمتد على طول المسار إلى أرفود، هذا الطريق هو طريق سياحي مثير للإعجاب، وهو شريان قيادي مهم، بين الرباط، ومكناس، أرفود وبودنيب.
ومن ناحية أخرى، فهو طريق مؤسف، يسير نحو التعافي، تحجبه الثلوج لمدة شهر في السنة، وله منحدرات شديدة الإنحدار، لا تصعدها الشاحنات إلا بكمية كبيرة من الوقود، وهي ليست أقصر إلى أرفود، من مسلك كلمب-بشار أرفود، وما يقدمه من ميزة، هو الإنطلاق من محطة مغربية، لا يقابله هذا العيب، الذي أشار إليه أحد المتحدثين في القاعة، بكونه على حافة الإنشقاق، بالتوازي معه، وكونه إغراء مستمر للقبائل المتمردة.
ستوضح بعض مقارنات التواريخ، هذه الملاحظة؛ في فاتح 1929 تم افتتاح خدمة شاحنات السيارات لنقل البضائع، من قبل هيأة السكك الحديدية 0.60 لربط محطة بواسيدي بمراكز الريش، وكراندو، كوراما، قصر السوق، أرفود.
29 أبريل تم احتلال مراكز البرج، وآيت يعقوب، تم إكمال الجناح الغربي للطريق المحروس، من قبل مراكز امزيزيل، وتاردا، ولكفيفات، وفي 8 يونيو جرت الحادثة التي تعلمون.
لا يبدو كما قال الوزير المتكلم تَوَّا، أنه سيكون تنظيما ممتازا لربط الأراضي الواقعة جنوب الأطلس عسكريا بمنطقة مكناس الواقعة شمالا، في حين أن مكناس والريش على سبيل المثال، يفصل بينهما جبلان هائلان مما يمنع بطريقة ما، العلاقات بين المنطقتين، أو يتطلب تحويلات طويلة، إذا أردنا إقامة علاقات.
وهو ما رد عليه وزير الحربية:
“إن التنظيم الإقليمي الذي تتحدث عنه، يعود في الواقع إلى ثلاث سنوات، هذا مجرد وضع انتقالي سيتم تعديله”.
وهذا التعديل في تنظيم الأوامر، كما يشير المنطق، هو التخلي السريع عن طريق بوسيدي-أرفود، باعتباره شريان إمداد، والعودة إلى طريق كولومب-بشار-أرفود التاريخي، والكلاسيكي، الذي تفرضه الطبيعة والرجال على فرنسا للوصول لتافلالت.

*** الحل المغربي الآخر وجدة-بوعرفة:
وفي هذا الصدد، تدخلت حقيقة جديدة: الاكتشاف الثمين في جنوب شرق المغرب، لرواسب غنية بالمنغنيز والفحم، بعد البناء المقرر والمباشر بالفعل لخط السكة الحديد القياسي، الممتد من وجدة لبوعرفة، ورأى بعض المغاربة في ذلك إمكانية حل مشكلة تافلالت، أخيرا بفضل السكك الحديدية المغربية وحدها، وقريبا تخطط لمد الخط من هنا إلى بوعرفة، وجهات النظر هذه، مهما بدت جذابة، إلا أنها لا تصمد أمام الفحص.
إن تاريخ تنفيذ مثل هذا التمديد غير مؤكد، والخطوط العريضة غير دقيقة، إلى درجة أننا لا نرى كيف يمكن معالجة حالة الحرب، على الحدود الجنوبية الجزائرية المغربية، التي تتفاقم المظاهرات فيها، يوما بعد يوم، بتكلفة قليلة، وفي الوقت المناسب، وتتطلب علاجات فورية؟
لن يصل خط السكة الحديد إلى محطة نهاية السير بوعرفة، وهي المحطة المخطط لها حاليا، قبل عامين، وسيصل امتداد الخط جنوبا إلى آخر فروع الأطلس المغربي، بعد أن يعبر منطقة شديدة الوعورة، تتطلب بناء العديد من الأعمال الفنية الباهضة الثمن.
خط السكة الحديدية بوعرفة، تم إنجازه لأغراض تعدينية واقتصادية، وكذا الأمر بالنسبة لتمديده، وسيظل هذا بالتالي تحت سيطرة أفاق التعدين، التي ستتجه من الآن فصاعدا، نحو فكيك أو عين الشعير، وليس نحو تافلالت.
وباعتباره خاضعا للشروط الربحة الأساسية لخط سكة حديد من هذا النوع، فإنها تظل على الرغم من بعض التصريحات، مواتية، ولكنها حكيمة، وافتراضية بحتة، كما هو الحال في عمليات استغلال التعدين، التي يجب أن تخدمها في الصحراء.
إن استغلال باطن الأرض الصحراوية، وتهدئة الحدود الجنوبية الجزائرية المغربية، مشكلتان محتلفتان:
سكة حديد بوعرفة تناسب إحداهما: الوضع السياسي والعسكري، تكوين البلاد، الحاجة الملحة إلى الحل، المنطق السليم والإنسانية، تتطلب هي الأخرى اللجوء إلى سكة حديد كلومب-بشار.
*** الحل الفرنسي من أكادير إلى كلمب-بشار:
المصلحة الوطنية على المحك هنا، أساس القوة الفرنسية في شمال إفريقيا يقع على الجزائر، في حالة حدوث أزمة، من هذه المستعمرة الفرنسية منذ مائة عام، ستغادر الإحتياطات بجميع أنواعها لدرء المشاكل من أي نوع، ويجب أن تربطها الروابط الإستراتيجية بشكل وثيق، مع المحميات وجيرانها، ستكون الحكومة عمياء أو مذنبة، لو أهملت هذا الاحتياط الأولي، الذي سرعان ما نسيت دروس الماضي القريب!
لأنها لم تبن أي خط سكة حديد آخر بين وجدة وفاس، اضطرت فرنسا إلى التضحية في عام 1925 في المغرب بآلاف الرجال، ونفقات كبيرة شكلت عبئا ثقيلا على كافة السياسات المغربية.
بسبب إهمال نفس هذا الاحتياط في الجنوب، وعدم مد خط السكة الحديد من كولمب-بشار إلى بودنيبو. في عام 1908 فقدت فرنسا تافلالت، في عام 1918 عجزت عن استعادتها، إلا بعدما سقطت أطرافها، منذ ذلك الحين، بدماء جنودها الغالية.
وأخير ليس من دون القلق، أن يرى الفنيون المطلعون في المغرب، كتلة من جبال الأطلس، تقاوم أي اختراق لأسلحتنا، وبالتالي تؤوي أنصار إقطاعية هائلة شبه مستقلة، ويعتقدون أنه من الحكمة، ومن الضروري أن يوجد، خطان للسكك الحديدية، في الشمال والجنوب، يحيطان الجبل الغامض، بأغصان الكماشة التي ستمسك الجزاير العاصمة بمقابضها، من الجزائر إلى مراكش، ومن وهران إلى أكادير، بحيث تكون القطارات قادرة على السير دون كسر الأحمال، وتحريك قواتنا في الوقت المناسب.
سيأتي الوقت الذي لن يعود فيه من الممكن، أن تكون السكك الحديدية في شمال إفريقيا الفرنسية مغربية، أو تونسية، أو جزائرية، بل يجب أن تكون فرنسية بالكامل.
وهذا ما كان يعتقده السيد بورديس، والسيد سانت، دون أدنى شك، عندما رسما يوم 6 ماي على خريطة الصحراء، رابطا خط السكة الحديدية، باختراق وتهدئة الصحراء؛ بودنيب-بشار.
يجب أن تتحقق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Mohendiz:
La paix au sahara par lerail:la question devant le parlement
Bulletin du comite de l,afrique francaise /1929/pp312-316.



