السلفيون والعلمانية والدين عند الرفاق
هوية بريس – نبيل غزال
خلال حديث جمعني قديما مع صديق لي من الرفاق، حول موضوع الدين والتدين في المغرب، وفهم الرفاق له وطريقة تعاملهم مع المتدينين، أفادني محاوري، الذي له تاريخ طويل عريض في هذا التيار، ابتداء من النضال الجامعي إلى العمل النقابي والحزبي، بأن كثيرا ممن يدلون بتصريحات عدائية ضد الإسلام أو المتدينين “غي سامعين ودايْزين من حْدا الدّين ولا اطِّلاع لهم حول هذه المواضيع”.
الجملة التي قالها الرفيق بالعامية المغربية، على اختصارها تختزل كثيرا مما يمكن أن يقال حول فهم الرفاق، الذين تحولوا بقدرة قادر إلى نيو ليبراليين، للتراث وعدائهم لإخوانهم في الدين والوطن.
وكمثال على هذا الجهل الكبير فقد كتب أحدهم قبل أيام بسطحية تبعث على الشفقة بأن تعريف السلفيين للعلمانية هو “نكاح المرأة من المؤخرة وبنتك تجيب صاحبها للدار وولدك حتى هو يجيب صاحبتو وهلم جرا..”.
وصاحبنا هذا هو نفسه من سبق وصرح بأن “ما يسمى عيد الأضحى هو التحالف التجاري الموضوعي بين تجار الدين وكبار الملاك الزراعيين ضد فقراء الوطن باسم خرافة كبش نزل من السماء”، وهو أيضا من وصَف “قرآن الفجر” بالمرعب، واتهم الملتحين بـ”الغرق في الفروج” و”التمرميد بين الأفخاذ”!
هذا العداء المتأصل الذي يُصرَّف عبر لغة مشحونة بالحقد والكراهية ينمُّ عن أمرين، أحدهما الجهل الكبير بما كتبه وأنتجه “الإسلاميون” والسلفيون ضمنهم، حول العلمانية في شتى المجالات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية والقيمية، والثاني أن بعض من يبرَّز إعلاميا وتُفتَح أمامه المنابر لتأطير الرأي العام والحديث في كثير من المواضيع، يفتقد للأهلية ولم يرشد بعد حتى من الناحية السلوكية، ولازال إلى الآن يتعامل باندفاع وردود أفعال وحساسيات أيديولوجية مفرطة تفقد الإنسان التوازن والموضوعية.
فليس السلفيون وحدهم فقط؛ بل كثير من المسلمين في شتى بقاع العالم فهموا جيدا معنى العلمانية، وأنها ليست قاصرة على العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج واللواط.. أو فصل الدين عن السياسة، وإنما هي فصل للدين عن الحياة في شتى تمظهراتها، وإلغاء المقدس ورفض هيمنته، وتقديم نفسها، أي العلمانية، كبديل عنه.
ومع هذه المرجعية اللادينية، التي تأنسن الإله وتأله الإنسان، يختلف المسلمون، وتتمايز صفوفهم مع من يعتقد بأن الحياة مادة والإنسان محور الكون، لا سلطة دينية أو قانونية، تكبح جماحه، وتحول دون تحقيق رغباته.
فنرجو من الرفاق/الحداثيين أن يطَّلعوا جيدا على أفكار إخوانهم في الدين والوطن؛ قبل الانتقاد والهجوم والتحريض، ولا يكتفوا بما يسمعون من هنا وهناك، فيقعوا في أخطاء فادحة ننزههم عن الوقوع فيها.
فصاحبنا سليط اللسان، المبغض لمن اختار أن يطلق لحيته انطلاقا من قناعة دينية، ربما إن تعطل هاتفه الأحمر يوما، سيتجه إلى “السويقة” وسيطلب من “بولحية” بكل احترام أن يصلحه له، وربما إن توجه إلى المدرسة سيطالعه “بولحية” مرَّة أخرى ليحدثه عن المستوى الدراسي لأحد أبنائه، وإن أصيب، لا سلمه الله، مَّرة بوعكة صحية قد يفتح عينيه ويجد الطبيب “بولحية” يقف عند رأسه يقول له “زال البأس أسي محمد”، ولا يستبعد أيضا إن توجه إلى المحكمة أن يجد القاضي “بولحية” يصدر الحكم بحقه أو بحق غريمه.
إن الملتحين جزء أصيل من هذا الوطن، منهم العامي والعالم، والمثقف والأديب والشاعر والمهندس والتقني والتاجر والأستاذ.. فرجاء “سي محمد” امسح نظارتك جيدا لترى الواقع كما هو، لا كما تصوره لك قناعات بالية، تشدك إلى الوراء، وتمعِن في إغراقك في صراعات أيديولوجية نحن في غنى عنها اليوم..