السمات المشتركة للمشروعين الصهيوني والإيراني في مقابل الفرادة العربية

12 نوفمبر 2024 18:12

هوية بريس – د. مَحمد سهلي

[email protected]

 

ذكر الدكتور النفيسي ثلاثا من هذه السمات:

– التفوق العسكري على الجوار (وأقول أن فرط القوة مُولد الطغيان المفضي للإكثار من الفساد ﴿الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ.. فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ﴾).

– العزلة الثقافية المتجلية في اختلاف الدين واللغة (اليهودية واللغة العبرية/ الشيعة الإمامية واللغة الفارسية).

– الكراهية التاريخية للعرب (كره متأصل تغذيه أحقاد تاريخية وشحنة متراكمة للانتقام).

وأنا أضيف لهذه السمات:

-الصهاينة، كما الإيرانيون، لكل منهم مشروع متكامل الرؤية والاستراتيجية لتحقيق حلم وإحياء مجد، وقاسمهما المشترك أنهما مشروعان قوميان سياسيان لادينيان في حقيقتهما، لكنهما يتدثران بمقولات دينية عقدية لحشد الجموع وتأجيج الحقد وتفجير الطاقة الجماعية المتراكمة لتكون وقود التجييش.

فأما المشروع الصهيوني فيتدثر بالمعتقدات والنبوءات والوعود التوراتية والتلمودية مع تزوير الأدلة التاريخية والأركيولوجية لتقوية اليقين بأنه قد حان حينها وتبدَّت آياتها.

وأما المشروع الإيراني الصفوي فيتدثر بالمعتقدات الشيعية والبشارات الإمامية و وعود عودة الإمام وسيادة شيعته وشيعة آل البيت وظهورهم على النواصب وأخذهم إمامة الأمة الكبرى التي اغتصبت منهم وقضائهم على من خالفهم من المسلمين قبل غيرهم من الملل.

في باب الوسائل كلاهما يركب الميكيافيلية في أبشع صورها، ولا يعترف بحاجز ديني أو أخلاقي يمكن أن يمنع الوصول للغايات:

فأما الصهاينة فلهم في تعاليم التلمود، ومفترياتهم التي حشوا بها التوراة ما يسوغ ذلك، بل ويرفعه ليكون قربة إلى الله.. وأصل ذلك عندهم في مقولتين، أولاهما قولهم بالعلو العنصري الوهبي على بقية الأجناس والملل: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ [المائدة: 18]، وثانيتهما ميزان القيم العنصري التمييزي الذي يعتمدونه في تحديد الشر والمنكر، والذي يرفع عنهم كل حرج في استباحة كل حرمات غير اليهود: ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ﴾ [آل عمران: 75].

وأما الشيعة الإمامية فقد ضاهوا النصارى في ادعاء أن الله فوض سلطانه لكنيسته، تحل ما تشاء وتحرم ما تشاء باسمه، وتحل من تشاء من ذنوبه وتلعن من تشاء. ولكن فعلوا ذلك وفق مسلك مختلف، بأن أسسوا مذهبهم على أصول تجعل الدليل الشرعي غير محتاج لسند إلى النبي ﷺ طالما صدر عن إمام معصوم، ولا إلى سند إلى الإمام طالما رواه فقيه معلوم، ففتحوا بذلك بابا عظيما للافتراء على دين الله، والإفتاء للعامة بما يشرعن الاختيارات الميكيافيلية التي تدعو إليها الحاجة السياسية.

-واليهود والشيعة الإمامية يتوسلون لغايتي التخفي والبقاء ن جهة، والتسلل لأنسجة خصومهم لتخريبها وتوهينها من الداخل من جهة ثانية، بالتقية التي تصل حد اعتناق ديانات خصومهم وأفكارهم ظاهرا، مع الاحتفاظ بالولاء لديانتهم ومذهبهم في الباطن. وإن من أشهر أصول الشيعة التقية، وهي مطيتهم للتسلل والاندساس في الأنسجة الاجتماعية والدينية لخصومهم، تماما كالسبئية (نسبة لعبد الله بن سبأ) أو الدونمية عند اليهود (السبئية نسبة لعبد الله بن سبأ الذي تأسلم ليخرب الإسلام من الداخل، والدونمةهي طائفة من اليهود من أتباع سباتاي زيفي المتظاهرين بالإسلام تقية والمضمرين اليهودية).

وفي ظل هذا التشابه في السمات، والتوافق في تحديد الضحية ومجال التوسع وتحقيق المشروع (العرب السنة وبلادهم في مهد الإسلام بالجزيرة والشرق الأوسط)، لا يمكن أن يكون التنازع بين الصهيونية وإيران أصوليا مبدئيا، وإنما تنازع حول مجال التوسع والنفوذ، وهو أمر ينتهي كما دلت على ذلك التجارب التاريخية إما بالاحتكاك والحسم وفق ما يمليه ميزان القوى، أو التوافق على تقاسم المغنم وتحديد مجالات النفوذ تفاديا للاصطدام الذي يمكن أن يُفلت الطريدة من يديهما أو يستفيد منه من بقي فيه حياة وروح مقاومة في الحيز السني المأكول حتما من هذه الجهة أو تلك.

ومن المعلوم أن صدامات المصالح تحسم وفق ما تمليه موازين القوى، فإن تعذر ذلك لتوازن القوى آل الأمر إلى التوافق والتقاسم الذي يعمر إلى حين رجحان ميزن القوى لصالح أحد الأطراف، فيتجدد الصدام لزوما بما تمليه معطيات المعادلة الجديدة. غير أن الصدام إذا كان مرجعه عقدي فإنه لا يخضع لهذه القاعدة، ولا يحسم بالتوافق والتقاسم، بل يكون طويلا عنيفا يسعى فيه كل طرف لإلغاء الطرف الآخر أو إجباره على الإذعان والتخفي والقبول بأدنى أشكال البقاء.

ومن حيث سلم الأولويات، فإن صدام العقائد مقدم على صدام المصالح، ومتى دخل معادلة الصدامات البشرية خصم عقدي قدمت مواجهته على باقي الصدامات المصالحية، بل تسارع أهل المصالح إلى التحالف مسترخصين كل تنازلات مصلحية لمواجهة العدو الوجودي الذي طفا على ساحة الصراع: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ [الأنفال: 73]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾ [المائدة: 51].

ولقد كانت بين الرومان والفرس عداوات عمرها قرون، وقامت بينهم حروب طاحنة على مجالات النفوذ.. ولكن ما إن ظهر الإسلام في الجزيرة، ودخل هذا الوافد الجديد إلى حلبة الصراع، حتى رأينا الرومان والفرس ينسون ما بينهم من نزاعات تاريخيه قديمة وعداوات وثارات عميقة، ليواجهوا هذا الدين الجديد، الذي رأوا فيه تهديدا وجوديا مقدما على كل التهديدات المصلحية.

ولقد برز هذا المنطق لدى بعض القادة والمفكرين الغربيين في العصر الحديث، حيث يقول أحد المسئولين في وزارة خارجية فرنسا سنة (1951م)  “ليست الشيوعية خطراً على أوروبا فيما يبدو لي، فهي حلقة لحلقات سابقة، وإذا كان هناك خطر فهو خطر سياسي عسكري فقط، ولكنه على أي حال ليس خطراً حضارياً تتعرض معه مقومات وجودنا الفكري والإنساني للزوال والفناء، إن الخطر الحقيقي الذي يهددنا تهديداً مباشراً عنيفاً هو الخطر الإسلامي”، و يقول أحد المستشرقين (لورن استرون): “لقد كنا نخوَّف بشعوب مختلفة، لكننا بعد اختبارهم لم نجد مبررا لهذا الخوف، لقد كنا نخوف بالخطر اليهودي والخطر الأصفر والخطر البلشفي، لكن هذا التخويف لم يتحقق كما تخيلناه، إننا وجدنا اليهود أصدقاء لنا، وعلى هذا يكون كل مضطهد لهم عدوا لنا، ثم رأينا البلاشفة حلفاءنا، أما الشعوب الصفراء فهناك دول ديمقراطية كبرى تقاومها، لكن الخطر الحقيقي كامن في نظام الإسلام”.

وفي مقابل ذلك كله، يعيش العالم العربي السني الرسمي حالة فريدة، ويترنح يمينا وشمالا ضائع الخطى كالطريدة، يعيش بين هذه المشاريع المتربصة – التي وضعت التهامه ضمن رؤيتها الاستراتيجية –  بدون مشروع، إلا مشروع الحفاظ على كراسي العائلات الحاكمة بتغيير وجهة العمالة وتقديم المزيد من التنازلات ورفع مقادير الجزيات من خيرات المسلمين وأرزاقهم ومصائرهم لمن يعد بحماية الكرسي ومن عليه.

لم يعد الحيز السني من العرب يجادل في كونه مأكولاً، ولم يعد له من خيار إلا محاولة اختيار الآكل إن سُمح له بذلك، ثم مفاوضته على إحسان القِتلة والتدرج في الطبخة وإعطاء المهلة لتهيئة الشعوب وإقناعها أن أفضل الممكن لها في ظل المعادلة الحالية أن تحظى بشرف اختيار آكلها وأن تقدم نفسها له طواعية بطقوس تحفظ ماء الوجه بدلا من أن تُجر أشلائها إلى موائده قهرا.

وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يُوشِكُ أن تَدَاعَى عليكم الأممُ من كلِّ أُفُقٍ، كما تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إلى قَصْعَتِها).

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M