السودان .. إلغاء حكم الردة وإباحة الدعارة والخمر
هوية بريس – متابعات
ما إن أُعلن عن تمرير عدد من التعديلات على بعض القوانين في السودان تحت اسم “التعديلات المتنوعة”، حتى ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات محتفلة وأخرى رافضة حد الغضب للخطوة التي مست -كما يقول معارضوها- أصولا دينية وأعرافا لا ينبغي تجاوزها.
وتمثلت التعديلات المثيرة للجدل -والتي نشرت اليوم الأحد في الجريدة الرسمية- في إلغاء مادة “الردة” من القانون الجنائي لعام 1991، واستبدالها بمادة تجرّم التكفير وتعاقب مرتكبها بالسجن 10 سنوات، كما أباحت شرب الخمر لغير المسلمين فيما بينهم، بينما أبقت على تعريض المسلم للعقاب حال تعاطيها.
وكان من بين التعديلات التي لاقت صدى واسعا: منح الأم حق السفر مع أطفالها دون الحاجة للحصول على موافقة والدهم، وهو ما كان محظورا بنص القانون وأدى لحدوث مشاكل أسرية لا حصر لها، ولا سيما بين الأزواج المنفصلين.
ونصت التعديلات كذلك على إعادة تعريف “الدعارة” باعتبار أن النص السابق كان فضفاضا، حيث قالت المادة الجديدة “يعد مرتكبا جريمة الدعارة من يوجد في مقر معد لتقديم الدعارة أو أي خدمة جنسية بمقابل مادي”.
إلغاء حكم الردة في القانون الجنائي السوداني، وإباحة الدعارة والخمر، وتعديلات أخرى بحجة إلغاء وتعديل الأحكام المقيدة للحريات.
المجلس السيادي تجاهل مذكرة من مجمع الفقه الإسلامي يعترض على التعديلات لأنها معارضة للشريعة الإسلامية.#السودان— عثمان أبوزيد (@osmanabuzaid) July 11, 2020
كما تحدثت عن إلغاء عقوبة الجلد إلا في الجرائم الحدية والقصاص، حيث كان القانون السابق يوقع عقوبة الجلد في مسائل تتصل بتعاطي الخمر وصنعها.
غضب ودعوات لإسقاط الحكومة
ولاقت هذه التعديلات نقدا شديدا من أحزاب إسلامية وقادة دينيين، بينما التزمت القوى والأحزاب المؤيدة للحكومة الصمت في وجه سيل الهجوم اللاذع الذي وصل حد المطالبة بإسقاط النظام الحاكم.
وحث الداعية المعروف عبد الحي يوسف -في تغريدة على تويتر- من أسماهم شرفاء الجيش والشرطة والأمن والدعم السريع على المنافحة عن دين الله وشرعه، وقال “أما البرهان (عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي بالسودان) وحميدتي (الفريق أول محمد حمدان نائب رئيس مجلس السيادة) ومن لف لفهما، فلا طاعة لهما ولا كرامة بعدما ظهرت خيانتهما لله ولرسوله”، مضيفا أن “العمل على اقتلاع هذه الحكومة الفاجرة هو فريضة الوقت وواجب كل قادر”.
وكان مجمع الفقه الإسلامي رفض التعديلات في مذكرة بعث بها للمسؤولين في الحكومة، تضمنت اعتراضات مشفوعة بالأدلة حول مسائل الردة والخمر والأفعال الفاحشة وغيرها. وطبقا لمسؤول في المجمع -تحدث للجزيرة نت- فإن وزارة العدل تجاهلت المذكرة كليا رغم أنها أرسلت في فبراير/شباط الماضي، أي قبل وقت مناسب من الشروع في إجازة التعديلات.
وذات الأمر أكده الداعية الإسلامي عثمان أبو زيد الذي غرد على تويتر بالقول إن مجلس السيادة تجاهل مذكرة مجمع الفقه التي اعترضت على التعديلات، لكن رد عليه محمد فضل بأن هناك ملايين المسلمين في الغرب الذي يبيح الدعارة والخمور ويعيشون حياة المسلم، وبحسب الشريعة الإسلامية فلا خوف على الشريعة كما أن ليس كل ما يسمح به القانون وجب العمل به كرها.
مبررات التعديل
وبحسب وزير العدل السوداني نصر الدين عبد الباري الذي ظهر ليل السبت على قناة السودان الرسمية لشرح طبيعة التعديلات، فإن القانون المعدل عرض على مجلس السيادة برئاسة البرهان في أبريل/نيسان الماضي ولم يتم الاعتراض عليه، بل أبديت حوله بعض التعليقات التي قال الوزير إنهم عمدوا إلى استصحابها بما لا يقوض القانون.
ويوضح عبد الباري أن الهدف من قانون “التعديلات المتنوعة” هو السعي لخلق تواؤم بين القوانين والوثيقة الدستورية التي تحكم الفترة الانتقالية المحددة بـ39 شهرا، وبدأت في أغسطس/آب من العام الماضي، حيث أسست التعديلات على إقرار المساواة وضمان سيادة حكم القانون وتحقيق العدالة بعيدا عن أي تمييز بين المواطنين، مع ضمان الحقوق لغير المسلمين، حيث كان هذا المنطلق -كما يقول- هو السبب وراء منحهم الحق في تعاطي الخمر دون عقوبة، شرط أن يكون فيما بينهم.
كما أفاد الوزير أن منح المرأة حق اصطحاب أطفالها دون الحاجة لإذن والدهم أيضا استند على المساواة في الحقوق، حيث كان يجاز للأب السفر مع الأبناء دون إذن الأم، وأردف “هذا يتعارض مع مبدأ المساواة”، ولم يستبعد عبد الباري الاتجاه إلى إلغاء قانون الأحوال الشخصية واستبداله بقانون آخر بعد تكاثر المشكلات الأسرية بشأن الحضانة وغيرها.
واحتفت الناشطة نون كشكوش على موقع فيسبوك بالتعديل، وكتبت قائلة “حق السفر دون إذن عانت منه غالبية النساء، وظل وسيلة ضغط يمارسها الآباء نكاية في الأمهات، فتم إقرار حقها في اصطحاب الأبناء دون إذن. تهانيّ لجميع الأمهات وسوا بنقدر (نستطيع سوية أن) نكمل في طريق انتزاع الحقوق”.
كما كتب الروائي السودان حمور زيادة أن تعديل القانون لم يحرم الأب من السفر بأطفاله، وهو “حق” ممنوح للرجال منذ عشرات السنين.
وأضاف “لكن بمجرد منح الأم ذات الحق بدت الجرسة (الولولة)، المشكلة عند بعض الرجال أنهم حرموا من حق التسلط على زوجاتهم عندما يحصل خلاف”.
وذهبت تعليقات عدد من الناشطين إلى ضرورة الالتزام بالاتفاق بين الطرفين منعا لتعمق المشاكل حال انفردت الأم بقرار السفر دون علم الزوج.
ويقول المحامي محمد الحسن عربي إن القانون أجرى تعديلات على مواد من بعض القوانين بدلا عن تعديل كل قانون على حده، وارتأى ألا تمس تشريعات الحدود والقصاص دون قرار سياسي.
ويضيف “فلسفة التعديلات المتنوعة تقوم على اتخاذ تدابير تشريعية لمواءمة القوانين السارية مع الوثيقة الدستورية، وإزالة التعارض مع مبادئ حقوق الإنسان التي صادق عليها السودان، إلى جانب إزالة التشوهات التشريعية التي وضعت لأغراض إفلات مجرمي نظام الرئيس المعزول عمر البشير من العقاب والمحاسبة”.
وفي المقابل، يعتقد القيادي بحركة “الإصلاح الآن” محمود الجمل أن الحكومة تصرّ على ارتكاب أخطاء فادحة دون النظر إلى العواقب، بإجازتها لهذه التعديلات التي قال إنها مست قضايا مهمة وحسّاسة صارت جزءا لا يتجزأ من الإرث القانوني والدستوري في السودان.
وتابع في حديثه للجزيرة نت: “لم تجز تلك التعديلات أية مؤسسة دستورية -منتخبة أو غير منتخبة- ولم يسبقها جدل أو تداول أو مناظرة أو سعي نحو توافق وطني يضمن دستورية التشريعات وحجيتها وأهليتها للتطبيق، كما لم يشارك المواطنون في نقاشها وتمحيصها وتفنيدها، بل عكف عليها بعض أشخاص، فعلوا ما فعلوا دون تفويض من شخص أو مؤسسة ذات تكليف أو سلطان معتمد، بما يفقد التعديلات أي مشروعية.
المصدر : الجزيرة