السياسة الأهلية في ناحية مراكش 1927م (2/2)

16 أكتوبر 2025 18:39

هوية بريس – ذ.إدريس كرم

في 29 أكتوبر 1927 سافر الممثلون المعتمدون للفخذات الخمسة عشر لقبيلة آيت-أُأَزُون، إلى شيشاوة، باتفاق مع السي بوسلهام، حيث أعلنوا للجنرال هوري، استعدادهم لقبول شروطه للخضوع، وكانت هذه الشروط كالتالي:

1- حرية تنقل ضباط الشؤون الأهلية، والقوات التابعة للشيوخ المقدمين داخل أراضيهم.

2- عدم الإعتراض على شق المسالك عبر أراضيهم.

3- الإعفاء من الترتيب لعامي 1928 و1929 على الأقل، بسبب الوضع السيء.

4- الخضوع للمخزن، مع ضمان احترام هذا الأخير لمؤسساتهم المحلية.

5- تنظيم قيادات داخل أراضيهم، مع إلزام آيت-أُأَزال بتعيين عدد من الشيوخ، الذين سيتعاملون مباشرة مع مكتب الشؤون الأهلية، لحل جميع المشاكل المتعلقة بهم.

أكد وصول الحاج بيهي أَشَاوْ، أبرز أعيان قبيلة آيت أُأَزال إلى مراكش في أوائل دجنبر، استسلام هذه القبيلة بشكل قاطع.

بالتوازي مع هذه الإجراءات المتخذة من مراكش ضِدَّ آيت-أُأَزون، واصل الكولونيل كومندار إقليم أكادير، مفاوضاته مع؛ إِفِسْفَسين وتَمَنارْ، عبر القايد تيغزِرين من آيت-عامِر، ومع أيت-تينْكيرت.

عـنـد إفِـسْـفَـسـيـن

بتحريض من باشا أكادير، الذي كانت جهوده جديرة بالثناء، لاسيما وأنه سيخسر حقوق النزالة المربحة، التي كات يحصِّلها من منطقة أكادير، عند استسلام قبيلة إيدا-أُتَنان، اسسلمت الفخذات الساحلية المجاورة، دون صعوبة في أوائل أكتوبر، بعد مفاوضات سريعة.

باشر الكولونيل هانوت على الفور، جولة في هذه الناحية، التي تأكد خضوعها بتنصيب كتيبة رماة في معسكر عُلْمَة، حيث كُلِّف بإنشاء مسْلك طَرِيقِي بين أكادير وإيدا-أُتَنَان، مظهرا بذلك عزمه الراسخ على الاستقرار الدائم في البلاد.

كانت فخذات إفِسْفَسِين الشمالية، على اتصال بآيت-أأَزون، وآيت تينكرت، والتي ما تزال في حالة تمرد، مبدية تردُّداً في البداية، لكن سرعان ما استعادت ثقتها، ولن يمر وقت طويل على تعافيها بعدما كنا قد كثفنا عملنا فيها.

إن العمل المقنع لباشا أكادير، وزيارات القائد الإقليمي لأعيان المنطقة، وتوزيع الشعير على المحتاجين في معسكر عُلْمَة، كل ذلك لم يُجْدِ في كسب ثقة الخاضعين الجدد لنا.

من ناحية أخرى، بدَّد خبر وصول الحاج بيهي أَشَاوُ، أبرز أعيان آيت-أُأَزون إلى مراكش، واستسلام بُنَاكة، رئيس آيت تينكِرْت بلا منازع، شكوك آخر المترددين، وفي 28 دجنبر تنقل شيوخ واجْماعات إِفِسْفَسِين لأكدير، لتأكيد ولائهم، وتعلقهم بالمخزن، وتقديم التّْعَرْكِيبَة، التـي هي عبارة عن ذبح ثور أمام كمندار الناحية، ومن معه من ممثلي المخزن.

** عـنـد آيـت تـنْـكَــر:

وصل وفد من الأعيان إلى أكادير في 30 شتنبر لتقديم خضوع القبيلة، لكن بما أن الرئيس الحقيقي لهذه المجموعة بُناكة لم يرافق الوفد، استحال اعتبار هذا الفعل صادقا حقا فتقرر تقديم عرض جديد للجماعة يضم رئيسها بوناكة، لكن لم يأت أحد، ومع ذلك لم يتم التخلي عن المحادثات لهذا السبب، وتواصلت الحملة عبر ملحقنا في تمنار، بمساعدة القايد سعيد تِيكْزِرِين من آيت عَمّْور، وفي الأخير، في الأيام الأولى من دجنبر.

قرَّر القبطان ثيبـي كومندار ملحقة تمنار، تسريع الحركة، وفي اللقاء الذي عقده مع الرئيس بُنَاكة عند قايد تيكْزِرِين.

عاد هذا الضابط برفقة مخزني واحد، خلال المقابلة التي جرت، والتي تمَّ فيها غزو معنوي للرئيس البربري، فأكد ولاءه للمخزن، وأعلن قبوله بالشروط التي قبلها ممثلو آيت-تنكيرت الذين حضروا لأكدير.

أخيرا، وبعد مدة من الوقت، أجريت مقابلة جديدة، في 27 دجنبر، حيث ذهب الجنرال هوري لدار بُناكَة، حيث تلقى بصفة رسمية خضوع اجْماعات آيت تِنْكِرت للمخزن، بوسائل سياسية محضة، في أقل من أربعة أشهر، إدا-أُتَنان التي لم تعش أبدا إلا في حالة نزاع وتمرُّد، ولم تكن تعتبر ما قضته من مدة 15 يوما تحت سيادة السلطان مولاي الحسن الذي عبر جبالهم مرة واحدة، منذ 45 عاما، مع حركات لا تعد ولا تحصى، خضوعا ولا استسلاما.

لم يتم هذا الأمر بشكل سلس، ودون حملات وهمية جديدة، لعرقلة المفاوضات الجاريات، فقد كان كل مفاوض منهم يحرص على شرفه، بعدم الرضوخ لسلطتنا، فقد كانوا يتخيلون، بأن ذلك الخضوع سيجلب عليهم مخاطر خيالية من جيرانهم.

وعليه كانت الحاجة ماسة للمثابرة، فالتصميم والعمل المشترك لمصالحنا المكلفة بالشؤون الأهلية، في كل من أكادير، تمانار، شيشاوة، ومراكش، للتغلب على كل تردُّد، وكل أشكال المقاومة.

كان من المهم أيضا، عدم الاكتفاء بهذه النتائج الأولية، بل تطبيقها فورا في جميع أنحاء البلاد، وذلك بإرسال ضباطنا وفتح مسالك طريقية.

بعد انفصال عُولْما، أرسلت كتيبة أخرى في 28 شتنبر إلى سوق إثنين عَنْسِيس في آيت-أُأَزون، في مهمة لشق مسلك طريق من هذه النقطة إلى خميس إموزار.

وهنا أيضا وقع حادث جديد، الكتيبة القادمة من خميس آيت عيسي (حاحا) كانت وهي تمشي تتقدمها مجموعة بَرْطِيزَا حاحا مع قايدهم، فانتشرت شائعات قوية سريعة في كل آيت-أُأَزون، فحواها أن الكتيبة لم تأت لتنصيب قائد حاحا؟

لذلك تجنب المسلحون منهم الحضور إلى المعسكر، وبقوا بالقرب منه، في ترقب وانتظار.

فأُرْسِل إليهم على عجل، خليفة امْتُوكَة السي بوسلهام رفقة قائد ملحق شيشاوة، وذكراهم بوعودهم، وطمأنهم فأعادهم لأعمالهم.

أخيرا في 7 يناير 1928 تمَّ تكريس خضوع إدا-أُتَنان نهائيا، تحت أوامر الكولونيل هانوت في سوق لخميس إيموزار المركز الحيوي للكنفدرالية.

المفارز الثلاث المكونة لكتيبة عُولْما الذي جاء من الجنوب، وكتيبة اثنين أنْزِي قدمت من الشمال، أما الثالث فهي مفرزة اصبايحي، قدمت من الغرب عبْر بِلادِ آيت-تنْكيرت، مرفوقة بشيوخ وأعيان الكونفدرالية.

خلال هذه العملية، وقع اختيار المكان الذي سيقام فيه المركز القادم الذي يجب أن يكون فيه مكتب الشؤون الأهلية، ومقر الكُوم المختلط.

كل ما تبقى هو استكمال هذا التنظيم الذي سيمكننا بالتوازي مع استمرار أعمال شق مسلك طريقي، مما سيسمح لنا بترْسيخ وجودنا بشكل نهائي في البلد،

وجلب فوائد حمايتنا لهذا المعقل الأخير، للانشقاق الداخلي، الذي دمرته قرون من الفوضى، وإقامة نظام يسوده القانون، والسلام والثقة والتقدم والإزدهار.

التقدم الإداري المحرز عام 1927 في منطقة مراكش

شهد عام 1927 أيضا تقدما ملحوظا في توسيع مراقبتنا على منطقة مراكش.

اعتبارا من من فاتح أبريل 1927 شرع في تطبيق مراقبة الترتيب بملحقة شيشاوة، على قبائل احْسَيْن، انتيفة، دمْسِيرة، وادْوِرَان، تحت أوامر القايد السي عبد المالك امْتوكي، الخاضع لرقابة مكتب إمنتانوت.

كما أعاد المرسوم رقم 111.A.P. الصادر في 11 يونيو 1927 تنظيم دائرة ناحية مراكش، ووضعت تحت مراقبة هذه الدائرة ابتداء من فاتح يولوز، جميع قبائل كلاوة الخاضعة في منحدرات شمال الأطلس، فطواكة غُجْدامة، تُكَّانة، اكْلاوَة منحدرات الشمال، حيث طبق نظام الترتيب لأول مرة دون صعوبات.

أخيرا في إقليم أكادير، عُزِل الباشا الحاج حٌمَّاد، في شهر يوليوز، مما نتج عنه إلغاء منصب نائب المخزن في ملحقة تارودانت، وعين عدد من القياد التابعين مباشرة لسلطة المراقبة (الحماية).

شهد عام 1928 توسع مراقبتنا، وتطبيق نظام الترتيب في امْتوكة، ولم يبق إلا توسيعه لاحقا، في القبائل الخاضعة مؤخرا، وعلى منحدرات الأطلس، عندما يسمح لنا تقدمنا بذلك.

3- خلاصة

هذه هي النتائج التي تحققت سنة 1927 في منطقة مراكش، بفضل سياسة أهلية حذرة، ونهج حكيم.

تم جَرُّ أكثر من 13.000 نسمة للخضوع، من غير أن يسيل دم واحد من جنودنا، وأخيرا وضعوا تحت المراقبة، والخضوع لضريبة الترتيب أكثر من 10.000 كانون، دون أي حادثة ناجمة عن تطبيق الإصلاح.

هذه الأرقام غنية عن البيان.

تظهر هذه الأرقام إحدى أهم الخطوات التي اتخذت منذ وصولنا إلى مراكش عام 1912، وتبرز السمة الأساسية في كونها تحققت بوسائل سياسية بحتة.

سـيـاسـة كـبـار الـقـيـاد؟

أجل في بعض الحالات، لا في حالات أخرى، غالبا ما تتضمن إجراءات مباشرة ومرنة ومتعددة، باستخدام كل التأثيرات وكل النوايا الحسنة، التي توسعت ونمت في بعض النقط، بفضل تقصير كبار قادة الأهالي، ومن جهة أخرى، بفضل ولائهم، وتعلقهم بمطلبنا.

لكن دائما سياسة إنسانية وَسَخِيَّة، قاربت من خلالها فرنسا؛ المتواضعين فخفَّفت من معاناتهم، وجلبت لهم بحمايتها أمَلاً في نهضة سريعة، وعدالة أفضل.

منطقة مراكش التي كانت ما تزال تشهد معارضة على أبواب العاصمة الجنوبية عام 1912، استطاعت القوات النظامية -على حساب أرواح بضع عشرات من الضباط والجنود (50 قتيلا منذ عام 1913) وبفضل الدعم المقدم لنا من قبل القياد الكبار، الذي قتل من الموالين-بَرْطِيزا- لهم بلا حساب-أن يدفعوا حدود بلاد المخزن ويوسعوها، لغاية الصحراء.

لقد بذل مجهود كبير في شق طريق الخضوع، لكن ما يزال هناك الكثير مما يجب القيام به، لحل مشاكل هامة بالمغرب بشكل مباشر.

تعتبر ناحية مراكش، بمساحتها الواسعة كباقي نواحي المغرب، بمثابة أرض الميعاد لشعوب الصحراء المحرومة، ومستودع جنود لقواتنا من المغاربة، وأمل للمنقبين والتجار والمستوطنين، وملتقى للسياح، لكنها أيضا أرض بؤس، وساحة عمل رئيسية لكل “مَهْدِي” قادم من الجنوب، والهدف الرئيسي لكل الغزوات وجميع ويْلاتِ البشر التي تتصاعد أمواجها دوريا من الصحراء، تجذب انتباه فرنسا الإستعمارية، أكثر من أي وقت مضى، ويعود الأمر إلى حفنة من الضباط والجنود والرواد الشجعان، لمواصلة العمل الرائع الذي يُنجز هناك بسلاسة، ودون مفاجآت، منذ النصر المذهل في سيدي بوعثمان، سنة 1912 الذي قاده مانجان تحت أسوار مراكش.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

أنظره في:

La politique indigene dans la region de Marrakech en1928/pp:127-131

Bulltin du comite de l’afrique francaise/paris

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
7°
19°
السبت
20°
أحد
20°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة