السياسة البربرية للحماية المغربية بين 1913-1934 “فرق تسد” لـ(Charles-Robert Agerno) (ج1)
هوية بريس ذ.إدريس كرم
ملخص الجزء الأول:
يعالج البحث موضوع مرتكزات إدارة السياسة البربرية من قبل الحماية الفرنسية بالمغرب بين 1913-1934 من خلال الكتابات الفرنسية المهتمة بالموضوع، والتي اتخذت من الجزائر مختبرا لها، ولما يممت نحو المغرب اعتمدت تطبيق نتائجها فيما أطلقت عليه “التكتل البربري” في تطلع لفرنسته، بعد فصله عن الشريعة الإسلامية، وإلحاقه بالقوانين الفرنسية .
– الكلمات المفاتيح:
سياسة لَقْبايل بالجزائر، ألأرشيفات الفرنسية، أسطورة لَقْبايل، حضارة مستوردة، الشعب المغربي غير معرب، المرابطين.
النص:
– مقدمة:
كانت السياسة البربرية للحماية المغربية، عكس تلك التي مورست في الجزائر تحت اسم “سياسة القبايل” التي تمثل إحدى الجوانب المعلنة للمشروع الفرنسي في المغرب، حيث تم التفكير فيه كمفتاح لهيمنتنا وتسلطنا على المغرب، ومع ذلك فهي بعيدة كل البعد، عن أن تكون معروفة، ويبقى تاريخها بالكامل مجهولا، تستوجب كتابته.
أكثرية الكتاب الذين أشاروا، بأن السياسة البربرية، سيتأكد العناية بها، بعد مغادرة ليوطي منصبه بالمغرب -كمقيم عام- في 1930 مع صدور الظهير البربري الشهير، لكن الكتاب المغاربة، يعتقدون عكس ذلك، أي أنها كانت متواصلة منذ إعلان الحماية، أن الوطنيين تمكنوا من إدانتها في 1934 بمناسبة الاحتفال بالذكرى العشرين “بعزم هؤلاء المستعمرين على -مواصلة سياسة- فرِّق تسُد”.
المؤرخ الذي يحاول أن يرى بوضوح هذه الحقبة، تعترضه عقبات جمة للوصول للأرشيفات الفرنسية، وحتى لا يُضَيِّع وقته ويخرج بلا طائل، يقوم بتجميع ما يمكنه الوصول إليه من إصدارات ومواضيع معاصرة، إن لن تكن تتيح له معرفة كل شيء، إلا إنها تساعده على معرفة بعض التفاصيل تتجاوز العموميات المؤقتة، التي نقصر أنفسنا كثيرا من الأحيان عليها في هذا الموضوع.
ووفقا لهذا التوثيق، ووفقا للحدود المنطقية، سيتم إجراء هذه الدراسة من بداية الحماية لغاية ظهير سنة 1934 الذي يتنصل جزئيا من الظهير البربري 1930 الذي أبطل كل سياسة بربرية لغاية سنوات 1950. (ص50).
-1- الإيديولوجية:
أسطورة البربر والسياسة البربرية:
“الفكرة الأساسية التي يجب استيعابها هي أن الشعب المغربي ليس عربيا “هكذا بدأ كتاب للقبطان “فيكتور بيكي” صدر بباريس سنة 1925 تحت عنوان مزدوج {“peuple marocain, le bloc berbere”؛ “الشعب المغربي، الكتلة البربرية”} المؤلِّف مختص متمرس في تعريف أشياء شمال إفريقيا وتشكيلها، فهو يريد إثبات، مثل مائة آخرين، بأن الشعب المغربي، الذي ما يزال غير مُعَرَّب بإمكانه الوصول للحضارة الفرنسية، بشرط منع مواصلة حصوله على البصمة العربية.
بالتأكيد أن هذا المؤلف لم يكن مبتكرا لهذه الأفكار، لأنها في الواقع من الفرضيات الأساسية التي تقوم عليها السياسة البربرية:
فقد بقي المغرب كتلة بربرية سطحية جدا في أسلمتها، وتعريبها جزئـي للغاية، وهذا من شأنه أن يختصر العمل لصالح فرنسا.
لقد استندت هذه السياسة لخيار بربري قديم، متواصل، تم العثور عليه مؤخرا بالمغرب، ينافس على تكوين أسطورة بربرية جديدة. يجب القيام بدراسة طويلة لحصر وتصنيف الكتابات التعريفية الخاصة بـ”العنصر البربري” المغربي، أصوله، ومستقبله.
بالرغم من أن هذه الأدبيات كوَّنت أفكارا مكررة مجهولة المصدر، فلا بد من التذكير ببعضها لمعرفة المناخ الفكري القادر، على تطوير السياسة البربرية.
يتميز العرق البربري وفقا لمعظم الكتاب الفرنسيين بصفات بارزة: “الصراحة، والوفاء دون مصالح، اقتصادية، وغياب التعصب العدواني” Doutte ,en tribu, p336 قدرة الأسلاف على العمل: فقد جعل المحراث البربري من إفريقيا، سلة خبز روما “وأخيرا طعم الحرية” البربري تقليديا رجل حر، شديد التمسك بحريته، وعلى استعداد دائم للقتال دفاعا عنها “هؤلاء التحرريون نحتفي بهم بكل سرور بوصفهم” ديموقراطيين واعين، ومواطنين أحرارا، لا يمكن قيادتهم بالقوة وحدها.
Dugarde,le maroc1919 هؤلاء الأسياد -الذي يقول “دفوكو”- (سنة 1884): “مستبدو النظام”.
في السنين الماضية، حقا هنأناهم، خاصة البرابر على عدم اكتراثهم بالقلاقل السياسية و”حسن تمسكهم الشديد بالفلاحين”: “البرابر لم يحلموا لا بالبرلمان، ولا باستقلالية العرب”.
R.Montagne,la vie sociale et la vie politique des Berberes1930
وسواء أكانوا ديمقراطيين أم محافظين، استمروا محافظين على فضائل سياسية، تبدو أنها غير موجودة عند العرب.
– الدين عند البربر:
أما بالنسبة لدينهم، فقد تردد أن “ثلاثة عشر قرنا من الأسلمة المتواصلة” لم تنجح في جلب البربر للإسلام، فقد “بذل السلاطين جهودا جبارة لأسلمة البربر، لكن سقطت تلك الجهود في هوة العدم” مع أن المؤلفين الأقل معرفة بهم أكدوا بأن البرابر “لم يكونوا متعصبين” وأن “البريري الأصيل غير نشيط” وأنهم “نادرا ما يصلون”. وأن “الأعياد الدينية بالنسبة لهم هي فقط فرص للاحتفال”، كما أنه من المسلم به أن هؤلاء المتعطشين بشدة للحرية “قد يكونوا في بعض الأحيان سذجا، ويسمحون لأنفسهم، بالاسترشاد، والانخداع، بدجل وشعوذة المرابطين، لكنهم يعرفون أيضا كيف يسخرون منهم عندما لا تحدث المعجزات المتوقعة”.
بعد عام 1919 اكتشفهم كتاب آخرون، خاصة منهم المسيحيون، فوجدوهم على عكس ذلك تماما «منجذبين جدا للتصوف وخوارق العادة» إذ «التدين لا يناسبهم» «سيقال بأنهم مرتبطون بالفكرة الدينية، أكثر من ارتباطهم بالصيغة الخاصة بالإسلام» (J.Guiaud)، وسوف نتحدث حتى عن «مرونتهم في تبني أي دين».
(Gaudefroy-Demombynes)
– وصف البربري:
البربري الموصوف وفقا لتوقعات أو تفضيلات المراقب الفرنسي، قد تكون فيه بعض العيوب، لكن المؤلفين الفرنسيين، لم يوافقوا على هذه النقطة مرة أخرى .
«البربري محافظ وروتيني، حذر ومرتاب، يكره الأجانب»، اعترف أحد من أصدقائهم، بينما آخرون لم يفعلوا ذلك «البربر لا يكرهون الأجانب، ولا يعادون التقدم» (V.Piquet)، والثالث المترجم (عباس) حاول التوفيق بين الرأيين، «التحفظ الشامل في البداية، البربري أليف مألوف، ويتأقلم بسهولة».
تجرأ البعض فتحدث عن “السذاجة المحببة” للبربري و”جشعه، ونفعيته “بينما وصفه آخرون بـ”الواقعي والإيجابي في هذا الشعب”.
بالنسبة لأولئك الذين رفضوا هذا الاختيار، كـ:
Ldreit de la CHRRIERE الذي قال البربري “فَضٌّ خشن، جريء، طماع، مخادع، ديماغوجي، كاره للأجانب،
ومع ذلك يتم استغلالهم من قبل عدد قليل من الأولياء المحرضين والمتوحشين” (la creation marocaine1930).
هذه الصورة السلبية المتكررة، وغيرها من بعض الكتاب الآخرين الذين يقومون بإسقاط قوالب نمطية للأدب الاستعماري الجزائري، على البربر المغاربة لإعادة إنتاج الدفاع الطويل، لتصور لَقْبايل الجزائرية، الذي ارتأيت تسميته “أسطورة لقبايل” في كتابي.
Les algeriens musulmans et la france ,tome1p.267-277
بالتأكيد ووفقا لعمل هذه الأسطورة، أي شيء نختاره؛ سواء التقاليد البربرية للأثنوغرافية، أو عمل إدارة الجزائريين، في جرد المخزون من تلك الأسطورة بالمغرب والترويج لها بمنهج علمي.
إذن فلنا الحق هنا كذلك الحديث عن أسطورة بربرية فالبرهنة جد واضحة عندما نقترب من قراءة منهجية للتعليم، هاهنا يلون برابرة “وسط المغرب” بصباغة صورة رسمت لتلك القبائل الهائلة، التي حافظ عليها أسطورة ضباطنا وبرابرتنا، الذين اختاروا التواصل معنا، والذين سكنوا طويلا أحسن الأماكن.
“برابرتنا” كما دون بشكل عرضي الكتاب والإداريون الفرنسيون، كانت لهم نفس الخاصية التي عهدها رجالنا بلَقْبايل ”هذا التميز بإفريقيا الشمالية” ليس لـ”خُلَّص البربر من العرق الأبيض” الأكثر شراسة “لأنهم الأقل اتصالا بحضارة مستوردة من الخارج” Bruno,Archives berberes vol 3 وهم ليسوا بـ”الطويلي القامة، نحاف البنية، شديدو بياض البشرة ذوي صدر مخروطي، تتميز سماتهم بملامح الأوفرناتس عندناM.Le Glay .Renseignements coloniaux1921 نفسه جاء في تقارير حول برابرة آخرين”، هؤلاء الأشخاص يتميزون بطبيعة جسمانية ممتازة، “وخاصة أقل إسلامية” هؤلاء الفلاحون الجيدون، ذوي العادات العنيفة والأبوية “الماهرون في الحيل البسيطة” كانوا حقا وفقا لمبشر”علامة خلقية حقيقية وأحيانا تطرح بشكل خطير الأخلاق الإسلامية
P.Hecor, essai demonographis psycholegique
berber 1935
– مآل الإنسان البربري:
“الإنسان البربري.” يجب أن يكون مثل “فلاحينا الفرنسيين القدماء “فحب أرضهم الذي تشربوه فقط هو مزيتهم الحربية، لكنهم أيضا يستهجنون بشدة أداء الضرائب للسلطان، “المحلات المخزنية تحرث البحر، وهي خلفهم دائمة التدفق لاكتشاف مخابئهم.
“هذه الجمهوريات البربرية، كان قانونها السياسي، كدولة اجتماعية، ديموقراطيا”.
الأطلس المتوسط ديموقراطي على كل المناحي، الشعب فقط هو الآمر، وهو المتحدث الوحيد، والمنشد الفرد “le maroc catholique n:12/1929” بغض النظر عن مظاهر المخالفة لذلك دون شك، بحيث أن الجماعة كانت سلطة ضخمة، رئيس القبيلة أمغار، ينتخب لمدة عام فقط، ولا يتم إعادة انتدابه، وحتى إقطاعي زيان العظيم، سيد الأطلس موحا وحمو، كان ما يزال أمغارا، حسب le Glay فيRecits marocains de la palaine et des monts.l Amrare ,p.201-240 وبالنسبة لغيره ليس إلا “دكتاتورا متْحَفِيًّا عتيقا “أما بالنسبة لقايد المخزن، فهو طاغية مبتذل، لقد كان قياد المخزن أولئك عاجزين عن كسر الحوافز الديموقراطية «كل مرة استطاعت قبيلة ما التخلص من نيرهم، والجنوح للسيبة، تعود لها قيم السلطة الشعبية بشكل غريزي وتطرد القياد» (القبطانleGlay).
برابرتنا بالأطلس المتوسط «ينحدرون من اليهود، وتحولوا عبر أحبارهم للإسلام، وهم قلما يمارسون عبادة القديسين، سواء الأحياء أو الأموات.
«الحبر البربري» الشهير دون شك، اضطرنا لمحاربة عدد كبير من المتدينين، لكن سيدي رحو، سيدي امهاوش، وآخر أحنصال، قاموا فقط « باستغلال البربر بشكل مثير للإعجاب، كي يحرضوا متعصبيهم «
- Guillaume,les berberes marocains et le pacification de l,atlas p.28
عداء البربر للشريعة القرآنية واضح لا غبار عليه كخاصية العرق، وقانون العرف كان يقول “ تعظيم قرآني، وأحيانا مناهضة قرآنية”؟ بحسب le Glay «كل البربر لا يقبلون كقانون إلا أعرافهم الوطنية، ويمكننا القول أنه في كل مكان بالمغرب، وأنهم لا يخضعون للشرع إلا على الحد الأدنى، الذي يرغمون فيه على الاندماج مع مسلمين آخرين».
[le Glay,le berbere marocain1930 أو ما كتبه الجنرال كومندا أكادير الذي طلب في 1924 مخططا لإعادة تنظيم العدلية بالنسبة للقبائل البربرية في سوس فأجيب “هذه القبائل عميقة الإسلام، وهي متشبثة بأعرافها المحلية، بالنسبة لكل إجراء عقابي يتخذ، يجب الرجوع فيه لقيادهم وشيوخهم، لكن يجب الذهاب في كل ما يتعلق بالأحوال الشخصية للقاضي”.
كانت هذه الأكاذيب ستسود إذا لم يتم تسجيلها بالجزائر في كثر من الأحيان، والأساس المنطقي المقدم للمغرب كان من الواضح أنه هو نفسه المقدم بالجزائر بخصوص كَوَانين لَقْبايل، المراقب المدني “برينو” صاغه كالتالي “إزرف” (العرف) في كثير من الأحيان يتماشى مع نظامنا، أكثر مما يتماشى من القانون الإسلامي، لذلك من مصلحتنا إبقاء تلك الأعراف المدنية تحت مراقبتنا وسيطرتنا”.
(يتبع)..