السياسة البربرية للحماية بالمغرب 1913-1934 (ج5).. ظهير 1930
هوية بريس – ذ.إدريس كرم
* ملخص الجزء:
أعد مكتب الدراسات البربرية التابع لإدارة الشؤون الأهلية بالإقامة العامة، مشروع ظهير إضفاء الشرعية القانونية على الجماعات القضائية البربرية العرفية، ابتدائيا واستئنافيا، تحت رئاسة قضاة فرنسيين، ومراقبين وكتبة ضبط قَبايْلين فرنسيين يسجلون الأحكام بالفرنسية، مع التنصيص على إبقاء القضايا الجنائية من اختصاص محكمة الاستئناف الفرنسية بالرابط، وتوسيع اختصاصات تلك المحاكم، على حساب سلطة قياد القبائل، وسيادة السلطان، ، وقد أدى ذلك لقلاقل واحتجاجات، وصلت للمنظمات الدولية، عبر تقارير رفعها الشبان المغاربة والمسلمون، في أنحاء العالم، مما ترك أبلغ الأثر على السياسة الفرنسية، فأعلن رئيس الجمهورية الفرنسية، بأن فرنسا لا تنوي تمسيح جزء من المغاربة، إثر زيارته مدينة فاس، ومقاطعة سكانها استقباله، والخروج للترحيب به لما وصل مدينتهم.
* كلمات مفاتيح:
وضع العمائم على الرأس، تمسيح البربر، مؤتمر القدس، مقاطعة البضائع الفرنسية، أبو الوطنية المغربية، مجاهد القلم، قراءة اللطيف، بكاء السلطان.
النص:
– الحاجة لظهير شرعي منظم:
..سنناقش إذن المشروع المعد، من قبل مكتب الدراسات البربرية، باعتباره عنوان تحول على ما يبدو، لأن إدارة الشؤون الأهلية، طلبت ما “إذا كان هذا الإنشاء الأخير، يستحق المصادقة عليه بنص تشريعي” ومع ذلك فإن مشروع الظهير هذا، ينص في مواده الخمسة، ليس فقط على إضفاء الصفة القانونية على الجماعات القضائية، التي أصبحت محاكم عرفية (المادة1) ولكن أيضا، على إنشاء محاكم استئناف عرفية يرأسها قضاة فرنسيون، مع توسيع اختصاصاتهم.
من الآن فصاعدا سترفع القضايا الجنائية، لهذه المحاكم العرفية، أما المحاكم من الدرجة الأولى، فستتعامل مع الجرائم التي لا يترتب عليها عقوبة سجنية تزيد عن سنة واحدة، وغرامة قدرها 1000 فرنك.
أما بالنسبة للمخالفات، والجرائم الكبرى، فسيتم رفعها أمام محكمة الاستئناف بالرباط.
المادة (4) نصت على منح تفويض تشريعي دائم للصدر الأعظم، في حين وسعت المادة (5) اختصاص المحاكم الفرنسية، لتشمل جميع نزاعات الملكية التي يتورط فيها مواطنون فرنسيون.
ستعتمد مصلحة القضاء البربري، على الشؤون الأهلية كما كان مخططا له، لكن القانونيين لم يريدوا قبول السماح للقضاة البرابرة، معرفة الجرائم والمخالفات الجسيمة، واعتمدوا حلا تكون المحاكم الفرنسية بموجبه، هي المختص الوحيد في هذه الأمور، كما تحدده الدعاوى العقارية.
هكذا تمت روح الاستيعاب، على الرغم من تحذيرات الكولونيل بينازيت التي كانت ترى أن “هذا يمكن أن يخلق اضطرابات”.
أخيرا قبل الجنرال نوكيس مسايرة المقترح، لكن منبها “بأنها ستكون ضربة مِجَسٍّ”.
د) صدى الظهير العاجل:
تضمنت مسودة الظهير النهائي، ثمانية ثوابت فقط بسبب بقاء نص مبدئـي، أنشئ إذن محاكم عرفية ابتدائية، ثم استئنافية، وتعيين مفوض حكومي، وكاتب ضبط، وموثقين بها
في المواد الجنائية حافظ الظهير على الولاية القضائية للقياد، الذين تم إعادة تسميتهم (قياد القبائل) للبث فقط في المخالفات البسيطة (التي يعاقب عليها بالسجن لمدة عام واحد كحد أقصى و1000 فرنك غرامة) تم التعامل مع جميع جرائم الجنح الأخرى من قبل محاكم الاستئناف العرفية، أما الجرائم الجنائية فهي من اختصاص المحاكم الفرنسية حصريا.
القضايا المدنية والتجارية، انتزعت من القياد، وأعطيت للجماعات القضائية، مما أضر بسلطتهم، ذلك أنها أصبحت تشاركهم لأول مرة، سلطة البث في تلك القضايا، وإصدار العقوبات والغرامات فيها، مما قلل من مداخلهم المالية، التي كانوا تستفيدون من الانفراد، بإصدارها، قبل إحداث الجماعات القضائية.
كان هذا هو الجانب الأول من الظهير: التمديد الكبير لاختصاص الجماعات، والتنقيص من قيمة قياد البربر، ومع ذلك لم يكن هو الأخطر، بل المادة 6 السادسة، التي سحبت من المحكمة العليا الشريفة الاطلاع على الجرائم المرتكبة في بلاد البربر، حملت بمفردها أكثر المتفجرات، المجلس الجنائي المستقر بدار المخزن، استعمل لصالح المحاكم الفرنسية، فكان ذلك بمثابة تعد لسيادة السلطان على حوالي 700 ألف من برابرة القبائل المصنفة، كان هذا التقييد على السيادة، مخالفا بشكل واضح، لمفهوم وروح الحماية 1912 التي جاء في فصلها الأول: “الحماية تضمن الوضع الديني والاحترام الواجب للسلطان”.
كانت اعتراضات المخزن متوقعة، ومع ذلك، طلب من اللجنة المضي قدما عن طريق إعداد نص مقيمي،
ووفقا للويس ميرسيـي، كان المخزن قد وافق دون صعوبة، على أن يختم السلطان الشاب على الظهير.
يحق لنا الاشتباه في هذا البيان الرسمي، وبحسب شكيب أرسلان، كان الصدر الأعظم، المقري نفسه يرفضه، قائلا “لقد كان تدميرا للإسلام بين البربر، لا أقل ولا أكثر”.
– إجبار السلطان على التوقيع:
بعد أسبوع من المفاوضات غير المثمرة، قام المقيم العام لوسيان سان، بزيارة للسلطان وأجبره على الاستسلام، والتوقيع على الظهير.
الأمين العام، أوربين بلان، أوصى بعدم نشر الظهير في الجريدة الرسمية، لكن المقيم الذي اعتبر أن هذا الظهير عملا سياسيا مهما، لم يأخذ ذلك الرأي بعين الاعتبار ربما تحيزا، لم يظهر له أي سبب لرفض نشره.
طبيعة المخزن المضادة للظهير، والتمثيل الدائم الممنوح للصدر الأعظم، كان بمثابة إهانات خطيرة لسيادة السلطان، جعلت حتى كبار الشخصيات لا يشعرون بخطورته، ولا يقدرون عواقبه.
كما كان بالنسبة للفرنسيين، أقل وضوحا بكثير، مما سيسببه من حساسية للرأي العام بالمغرب، الذي نظر إليه، بأنه تهديد للإسلام بين سكانه من البربر.
لقد كانت الحالة الذهنية القلقة للشباب الوطني المغربي، من جراء تصرفات “المبشرين” هي نفسها حالة الرأي العام المغربي، التي عبأته الأندية العلمية بفاس، العاصمة العلمية والدينية للإمبراطورية، منذ تحول محمد بن عبد الجليل، ابن عائلة فاسية غنية سنة 1928 للمسيحة وجعل أكبر مدينة تعيش في حالة من الذل والقلق، عن حق أو باطل، كانت خائفة من رؤيتها في الإدارة الفرنسية المدبرة لمصالح الأهالي “مسيحيين ممارسين” ككتاب الضبط في لقْبايل بالجزائر، الذين كانوا تلاميذ سابقين للآباء البيض.
وفقا للشائعات السابقة فإن “المراقب بوسيـي” كان يدعم بناء كنيسة، ويمنع بناء مسجد، وقد قيل لاحقا بأن تجربة جديدة تتعلق باللغة البربرية، قد شرع فيها بالجبل، وأن الكومندار “مارتي” يبيع في إدارته كتاب عن حياة يسوع باللغة العربية للمرتفقين الذين يلجون إدارته.
كل هذا كان في بداية أمره، ومازال غير قابل للتعميم، لكن من الواضح أن الرأي العام المغربي، أصبح يخشى تنصير البربر، بعدما أُقِرَّ الظهير البربري 1930.
وقد بدى أن العملية مرت من غير أن يشعر بها أحد، لكن عندما ظهرت، وكأنها سياسة عزل حقيقية للبربر، ومحاصرتهم في الجبال، بعدما طلب من الفقهاء الذين اعتادوا على الذهاب للقبائل لتعليم الأطفال والصلاة بالناس ملازمة منازلهم، وصار الباعة المتجولون في تلك القبائل يواجهون صعوبة في الحصول على جوازات السفر للجبل
– اندلاع الاحتجاجات:
تَمَّ اندلعت حركة احتجاجية بالرباط يوم الجمعة 20 يونيو، وفي سلا والرباط يوم 27 يونيو، وفي الرباط وسلا وفاس يوم 4يوليو، وأخيرا، بطنجة التي أمسكت المساجد بها عن إقامة الصلوات تعبيرا عن محنة الإسلام بالمغرب.
ولما استأنفت الحشود المؤمنة الصلاة، أخذوا يختمونها بقراءة اللطيف، وصيغته “اللهم يا لطيف الطف بنا فيما جرت به المقادر، ولا تفرق بيننا وبن إخواننا البرابر”، وفي نفس الوقت تم توزيع مناشر تطالب بمنع تنصير البربر، ووقف نشاط “لفرانسيسكان” و”المبشرين”.
يوم الجمعة 18 يوليوز تم تلاوة اللطيف في 11 مسجدا بالرباط وسلا والدار البيضاء وفاس، وانتهت الصلاة في فاس بالخروج في مظاهرة للشارع، تزعمها ونظمها محمد بن الحسن الوزاني، وهو شاب من عائلة كبيرة، تخرج حديثا، من كلية العلوم السياسية في باريس، وقد استقبل من قبل الباشا، مرفوقا بمراقبه، ثم سيق لدار بوعلي في الحال ودون محاكمة، وهناك جُلِد علانية في ساحة المحكمة الواسعة، مع رفاقه من المتظاهرين، تحت أعين باشا المدينة البغدادي.
قام أنصار الوازاني على الفور، بإبلاغ الصحافة الإسبانية بطنجة، وكذلة جريدة التايمز، فنشر تلك الصحف وقائع ما حدث، مما أدى لتفاقم الوضع بفاس، وتجدد المواجهات يوم 25يوليوز، بالرغم من التعزيزات الأمنية الكبيرة، التي تم نشرها بالمدينة، وقد وصفت السلطة الفرنسي في 3 غشت بأن “ما تناقلته الصحف الأجنبية من أخبار، كذب” مؤكدة عدم وقوع وفيات أو إصابات في صفوف المتظاهرين، بيد أن المظاهرات تواصلت لاسيما في 7غشت، خلال صلاة عيد الفطر، حيث تم ارتداء العمامة كشعار للمتظاهرين.
– بداية التراجع الفرنسي:
المقيم العام لما تبين له أن الأمور جادة، ويمكن أن تصير خطيرة، قام عبر القائم بأعماله “إيربان بلان” بالتراجع، فتوجه لفرنسا صحبة السلطان، وتم قراءة رسالة للسلطان بالمساجد في يوم 11 غشت كان من المفروض أن تهاجم المتظاهرين وتدعم الظهير وتدافع عنه، لكن جاء بها “نحن نريد تجديد ممارسة القبائل الحرة لعاداتهم، استجابة لرغباتهم، التي عبروا عنها في جميع المناسبات”، لكن الرسالة انتهت على النحو التالي: “لنظهر لكم بأنه ليس هناك أي دافع خفي يوجه عملنا، فقد قررنا للتو أن أي قبيلة بربرية تريد الخضوع لمقتضيات الشريعة، ستحصل فورا على قاض لتسوية معاملتها، وهذا دليل على حرصنا على حماية الدين بها، والحفاظ على إسلامها”.
وأكد منشور مقيمي صدر في 21 غشت هذه الوعود، وقرر تأجيل إنشاء محاكم الاستئناف العرفية المنصوص عليها في الظهير.
هل أدت هذه الإجراءات لانفراج معين؟
بل بقيت الحركة الاحتجاجية متأججة في المدن، ومن المحتمل أن يكون ممثلون من قبائل البربر قد توجهوا لفاس أو الرباط، وقد استقبل السلطان ستة من أعيان وعلماء فاس، من بين العشرة التي تم انتخابهم يوم 27 غشت، لعرض المسألة عليه، ولما استمع إليهم بكى متأثرا بما سمعه منهم، بيد أن الصدر الأعظم المقري الذي استقبل الوفد ببنيقته، أجاب إجابة تسويفية على الكلمة النارية والخطيرة للسي محمد بن عبد السلام لحلو، بعد عودة الوفد لفاس، تم توقيف الرئيس السابق للغرفة التجارية والمحمي من قبل ألمانيا، وكذلك سيدي علال الفاسي، ومحمد الوزاني.
كان المناخ السائد في فاس مواتيا للاضطرابات: ذلك أن استياء الحرفيين المتأثرين بالآثار الأولى للأزمة الاقتصادية العالمية الكبرى كان عميقا، وتفاقم الوضع بسبب ضعف المنتوج الفلاحي، نتيجة الجفاف الذي ضرب البلاد، واجتياح الجراد لها.
لقد شهدت شوارع فاس، مظاهرات جديدة، من 31 غشت لغاية 2 شتنبر، ردت عليها السلطة بعدة اعتقالات، إضافة لنفي السي عبد السلام لحلو مع عدد أخر من أنصاره للمنفى ببادية المغرب.
بعد بضع مظاهرات في الرباط، وسجن بعض المشاركين فيها، توقفت الحركة، لكن عندما وصل رئيس الجمهورية في زيارة رسمية لفاس في أكتوبر، كان استقباله باردا بشكل كبير: فأغلقت الأسواق بالمدينة لمدة يومين،
وتفاجأ مراسلو الصحف الباريسية بوجوه السكان متجهمة عبوسة أو معادية، مما جعل الرئيس الفرنسي دوميركي يصرح ويكرر، بأن فرنسا تعتزم احترام المعتقدات والأعراف، والعادات، بالمغرب، لكن الوقت كان قد فات، لأن المسلمين جميعا كانوا متأثرين.
هـ) الحملة حول الظهير البربري:
“مجاهد القلم” الأمير شكيب أرسلان، ألقى بنفسه في هذه الحركة، ووجه نداء لدار الإسلام، بعد تنبيهه لخطورة الوضع بالمغرب، من قبل الطلاب المغاربة بباريز، الذين قدموا لزيارته بسويسرا، فما كان منه إلا أن غادر مقر إقامته بلوزان في 18 يونيو 1930 متوجها لباريز، التقى فيها بكل من أحمد بلفريج، ومحمد الفاسي، ثم توجه لطنجة (حيث طرد منها على الفور) ومنها لتطوان، حيث أقام عند أحد أصدقائه الذي هو وزير العدل السابق الحاج عبد السلام بنونة، الملقب منذ ذلك الوقت “أبو الوطنية المغربية” وفي هذه المدينة ألقى الأمير بعض المحاضرات عن الأندلس العربية، وخطبا عنيفة ضد فرنسا
Levi-Provencal” »L,Emir Shakib Arslan »in Calners de L,Orient contem porain1947
ولم يغادر المغرب حتى 19 غشت بعد تكوين نخبة وطنية في المدينة، حول أبي الوطنية؛
بعد رجوعه لسويسرا، بدأ فورا في مجلته بجدال ثقافي مثير صريح واضح، لكن ذا حمولة سياسية كبيرة.
بين فيه أن الظهير البربري، هو المرحلة الأولى لتحويل البربر للكاثوليكية، (العالم العربي غشت 1930 ص:26) متهما بشكل ساخر المقيم العام لوسيان سان، بالرغبة في محاولة تتميم مهمة “فرديناند وإيزابلا” من خلال نشر أفكار الأب فوكو، والمطران لافيرجيري، انظر
La Revue des Vivants(p,34)
وسرعان ما أعلن عن “اعتقال وإدانة 600 شخص” تلتها “ثورات دامية في نواحي وجدة وتافلالت ودرعة والأطلس، التي أرسلت فرنسا ضدها قوات، وأسراب طائرات، قصفت المناطق وقتلت نساء وأطفالا” L,Humanite,nov,1930
وقد تم الحديث عن 500 مبشر، سرعان ما ارتفع لـ600 ووصل لـ1000 كلفوا بتنصير بلاد البربر.
هذه الأخبار (المترجم: ما سبق من هذا البحث، يبين صدق، الأخبار الموصوفة بالكذب من الباحث) سمحت له بتعبئة الحالمين بالإسلام والقوميين العرب “نحن العرب، لسنا أمواتا، لا كعرب ولا كمسلمين” وأن إسلام البحر المتوسط ليس كما وصفه ليوطي بـ”هذه علبة صدى” (ليوطي).
– تدويل المسألة:
على الفور تم تقديم شكاوى المغرب الأقصى للشباب العامل في مصر، كجمعية الشبان المسلمين، وجمعية الشبان المسلمين، لعبد الحميد باي سعيد، ولجنة الدفاع عن المسلمين المغاربة، برئاسة الأمير عمر طوسون، فتحرك الرأي العام ضد هذه “الحقيقة غير المسموعة: بأن فرنسا تعمل على إجبار الملايين من الأفراد، على التحول عن دينهم الأصلي” تمَّ كتابة احتجاج شديد اللهجة، من قبل رشيد رضى مدير مجلة المنار، وقعته عدة شخصيات مصرية، كإمام الأزهر ومحامين مصريين، هذا النص ختم بنداء موجه للمسلمين، كأنه نداء ودعوة للحرب المقدسة، ضد فرنسا، وجه لكل المؤسسات الإسلامية في العالم.
نتيجة لذلك خرجت الاحتجاجات في كافة ربوع البلاد الإسلامية، نقلتها صحف القاهرة ودمشق، وفلسطين والحجاز، وتونس وطرابلس، وتدفقت الملتمسات على الكيدورسي من جميع أنحاء العالم، تستنكر سياسة اجتثاث الأسلمة من المغرب، وضد “تجديد المأساة الأندلسية” به.
شارك علماء العراق و12 جمعية إسلامية في جاوة، وشيخ الإسلام بتركيا، والدستور التونسي، ونجمة شمال إفريقيا، والعديد من الجمعيات الأخرى، والأوساط الشيعية، وغيرها من المنظمات والجمعيات كلها انظمت للشكوى المرفوعة من المسلمين السنة بالمغرب.
ارتدت الحركة السابقة للمغرب الفرنسي، بمجيء الصحف إليه من مصر، وجزر الأنديز، عن طريق البريد الإنجليزي، عبر المنطقة الإسبانية، وبدأ التداول كما في مصر عن مقاطعة البضائع الفرنسية، والقيام بمثل ما تم القيام به في الهند، بدعم الصناعة المحلية، لكن ذلك الشروع لم ينجح.
في دجنبر 1931 صاغ مؤتمر القدس، الذي استمع لتقرير دقيق الصياغة عن سياسة فرنسا بالمغرب لمحمد المكي الناصري، أدان فيه الظهير البربري، الذي تم توجيهه للكاتب العام لعصبة الأمم، والصحف العربية، لإحياء ذكرى صدور الظهير سنة 1932 بسلسلة من المقالات عبر أعداد خاصة.
وطبعا قامت السلطات الفرنسية بمنع دخول كل الصحف الأجنبية للمغرب، لكن فائدته كانت محدودة، فقد احتفلت المنطقة الإسبانية علنا بذكرى 16 مايو كيوم حداد وصلاة.
كما أدرك محمد بالحسن الوزاني، بأن الحدث في مستجداته” قد تجاوز كل التوقعات والآمال المعلقة عليه” وقد شجع هذا النجاح الشبان المغاربة الذين قدموا في سنتـي 1930و1931 أولى مطالبهم السياسية للسلطان، وكانت تلك المطالب قريبة من تلك التي ستصوغها لاحقا، لجنة العمل المغربية في خطتها الإصلاحية الشهيرة لعام 1934، وخاصة مطلبها بالتخلي الكامل عن السياسة البربرية، وإقرار نظام موحد للعدالة الشريفة، وحضر كل الدعاية التبشيرية للمسيحية، إضافة للاحتجاج الشديد للشباب المغاربي على الإعانات الممنوحة للعبادة المسيحية بالمغرب.
ووفقا لتقديرات revue Monde لـ1930/12/13 بلغت تلك الإعانات 3.869.000 فرنكا في الوقت الذي تقرر في الميزانية المدونة في السجل الرسمي 400000 فرنكا فقط، ليتلاءم مع ما كان سنة 1929 المقدر بـ37.500 فرنك، مقابل تسجيل عدم تجاوز مخصصات القضاء العرفي 729.044 فرنكا سنة 1930 والذي رفعت لـ3.057.400 فرنكا سنة 1931 ربما لأن العدالة الشريفة التي بلغت مخصصاتها 3.042.065 فرنكا سنة 1930 ارتفعت لـ5.067.150 فرنكا سنة 1931 فلم يكن هناك بد، من تأخير تطبيق الظهير البربري.
على الجانب الفرنسي، أحدثت قضية الظهير البربري بعض الضوضاء نسبيا، لكن لم تكن هناك “مؤامرة صمت” كما كتب مسلم بربري في جريدة.
L,Echo du Maroc وأشارت له الصحافة المغربية، فالجريدتان الاشتراكيتان بالمغرب
le Populaire marcain وLe Cri marocain سخرتا من “أوهام المبشرين” لكنهما لم تدينا الظهير البربري، أما La Vigie marocain التي تمثل الاتجاه المعاكس، فقد سخرت من “الغاضبين الذين يلوموننا على تمسيح البربر”، ومتهكمة تضيف “لا تضعوا أنفسكم في الدفاع عن الإسلام المهدد، فلا أحد سيصدقكم” ومع ذلك سجلت جريدة La Depeche algerienne “رفع العمائم في العالم” واكتشف أن المنظم هو: شكيب أرسلان.
في فرنسا جريدة Le Temps عدد 27 ماي بعدما أشارت للظهير، ودرسته، لخصت السياسة البربرية في عدد17 يونيو، مستعرضة بإسهاب حوادث 4 نونبر ومقدمة وجهة النظر الإدارية.
لكن في مجلة Europe كان الكاثوليكي “إيميل ديرمنكيمة” تناول كل طرق معالجة المسألة البربرية، وسجل المظاهرات المختلفة بفاس، وغضب الرأي العام، وقلق الشبيبة.
(Europe,شتنبر1930,p.443-449) في مجلة Monde فاتح نونبر أثار “دانيال كيرين” جدالا فظا بقوله: “فرنسا ببساطة تعمل على نزع أسلمة البربر، وذلك بمنعهم من استخدام قوانينهم الدينية”.
تابع.. (ص:85).