السياق الدولي والمحلي الذي تتبلور فيه تعديلات المدونة
هوية بريس- د. أحمد الشقيري الديني
تأتي هذه التعديلات المقترحة لعصرنة مدونة الأسرة في سياق دولي وآخر محلي وطني، وهذا المقال لن يخوض في المقتضيات الشرعية التي خالفتها التعديلات المشار إليها لأنه قد تم عرضها على النظر الشرعي من جهة، ومن جهة ثانية وجهت لها انتقادات فقهية من علماء مستقلين لهم وزنهم العلمي باعتبارها أفرادا أو تحت مجالس علمية لها قوتها العلمية.
هدف هذا المقال بيان السياقات التي ظهرت فيها هذه التعديلات ومدى اعتبارها من عدمه لها..
أعتقد أن التدافع القيمي يدور بين منظومتين مختلفتين: الأولى تمتح من شرعنا الحنيف، لها قوة شرعية ومجتمعية؛ والثانية تمتح من مرجعية علمانية تستقوي بمنظمات عابرة للقرات لها أذرعها في بلداننا، هذا التدافع يجب أن يأخذ أشكالا نضالية سلمية متنوعة لإنقاد ما يمكن إنقاده قبل أن تصبح التعديلات ملزمة بعد صدور القوانين المنظمة لها ..
1) السياق المحلي الوطني تبرزه نتائج الإحصاء الأخير والتي تدق ناقوس الخطر بشأن ارتفاع معدلات الطلاق وانخفاض معدل الخصوبة فضلا عن ارتفاع معدل العنوسة والعزوف عن الزواج..
السياق المحلي له منطقه الذي يحتم تعديلات تشجع الشباب على الزواج والنسل وتسهل لهم سبله وتحاصر ظاهرة الطلاق، فقد أمسى مجتمعنا مهددا بالانقراض إذا استمر الحال على ما هو عليه مع ما يشكله ذلك من آثار سلبية على التنمية القائمة في تطورها على العنصر البشري كثرة وتأهيلا..
2) أما السياق الدولي فهو سياق لا يقيم وزنا للأسرة، بل العكس هو الجاري فهناك حملة دولية شرسة على الأسرة تستهدف أصل وجود هذه الخلية التي شكلت اللبنة الأساس في بناء المجتمعات منذ ظهور الإنسان..
يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله عن هذا السياق الذي يرجع فيه الحركة النسوية -الموجودة في المغرب وغيره- أو مااصطلح عليه هو بحركة التمركز حول الأنثى– ترجمة ل :Fiminism –إلى فضح الرغبة الغربية في تدمير نظام الأسرة الإسلامي،يقول رحمه الله:” والعالم الغربي – الذي ساند الدولة الصهيونية التي تحاول تفكيك العالم الإسلامي سياسيا وحضاريا- يساند بنفس القوة حركات التمركز حول الأنثى في بلادنا (…) فالعالم الغربي الذي أخفق في عملية المواجهة العسكرية المباشرة مع العالم الثالث،اكتشف أن هذه المواجهة مكلفة وطويلة.ومن ثم فالتفكيك هو البديل العملي الوحيد.
كما أدرك العالم الغربي أن نجاح مجتمعات العالم الثالث في مقاومته يعود إلى تماسكها،الذي يعود بدوره إلى وجود نظام أسري قوي،لا يزال قادرا على توصيل المنظومات القيمية،والخصوصيات القومية إلى أبناء المجتمع،ومن ثم يمكنهم الإحتفاظ بذاكرتهم التاريخية،وبوعيهم بثقافتهم وهويتهم وقيمهم”. انتهى من كلامه رحمه الله.
3) إنه سياق الانتقال من العلاقات التراحمية المبنية على السكن والمودة والرحمة (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) إلى العلاقات التعاقدية المبنية على المصالح المادية التي تقتل المعنى القيمي للزواج..
إنه سياق دولي ضاغط تؤطره فلسفات تبلورت في أحضان الصراع بين المجتمع والكنيسة التي ظلمت المرأة، وكان من أبرز تمظهراته الصراع بين الذكر والأنثى الذي انتهى بدوره لما يسمى اليوم بالفيمينيزم أو التمركز حول الأنثى..
4) وفي سياق هذا الضغط المستقوي بمراكز القرار الدولي الذي تقوده الدول الغربية وصندوق النقد الدولي والمنظمات النسوية العابرة للقرارت يتعين على الدول أن تتحقق من كونها متحررة من القيود والضغوط لتنتج قوانين وأحكاما تحقق استقرارها السياسي والمجتمعي ومصلحتها الوطنية ولا تخضع للإملاءات الدولية..
وهذه القاعدة كما تسري على صانع القرار السياسي فإنها تسري أيضا على العلماء عند إصدار الفتوى فلابد للعالم أن يتأكد من استقلاله في إصدار الفتوى..
ــ إنه سياق دولي يحطم مناعة المجتمعات التي تمثل خطوطها الأمامية في بلدنا: إمارة المؤمنين، والنخبة العلمائية، ثم الأحزاب والحركات ذات المرجعية الإسلامية..
فانهيار خطوط الدفاع هذه أمام الهجوم الدولي الكاسح على الأسرة من شأنه أن يحدث خللا في بنية المجتمع سيؤدي إلى انقسام مجتمعي وكوارث على البلاد و العباد لا يعلم تداعياتها إلا الله عز وجل..
العجيب أن طرفا الصراع بين منظومتين مختلفتين في المرجع والمقصد، بين مجتمع إسلامي لازال يحفظ بيضة الأسرة ومجتمع غربي ضحية فلسفات نشأت في سياق صراع بين الكنيسة والمجتمع نرى نتائجها في شيخوخة تلك المجتمعات وربما انقراضها أو أن تخلفها مجتمعات تتشكل من المهاجرين الذين تستقطبهم تلك الدول تعويضا عن تآكل اليد النشيطة والشباب ..!
ــ إنه سياق يوحي لنا وكأن القرآن يتنزل على ما يجري اليوم، فالقرآن يحذرنا من الخضوع لإملاءات فريق من أهل الكتاب حرفوا كلمة الله وغيروا وبدلوا..
يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ).
ويقول سبحانه: (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ۚ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)..
فالله الله في أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وفي شرعه الذي جعله الله أمانا للبشرية وعهدا بينه وبين عباده..