الشناق ظاهرة تتعدى عيد الأضحى
هوية بريس – علي الرباج
دفي كتابه الجمهورية يجري سقراط على لسان أفلاطون، حواراً شيقاً مع أحد السفسطائيين حول حقيقة النفس البشرية، والسؤال هو هل الإنسان شرير بطبعه أم خيِّر؟
يضرب السفسطائي مثالا من الميثالوجيا اليونانية، وهي قصة راعٍ يسقط في شق أرض، وخلال تجواله في باطن الشق يعثر على جثة رجل وبيده خاتم.
هذا الخاتم يكتشف صاحبنا فيما بعد أن لديه قدرة عجيبة على الإخفاء، وبعد اكتشافه هذا، ماذا تتوقع أن يفعل به الراعي؟
أثناء قراءتي للنص، دون حتى أخذ نفس فكرت في استعمال الخاتم في أعمال الشر، ولو كنت طفلا لقررت استخدامه لسرقة الحلوى من دكان جارنا.
وأنا أسألك الآن، ماذا تتوقع أن تفعل به وأي أن يفعل به أي شخص؟
“الناس أشرار”
هذا ما يقوله ميكافيللي السياسي الإيطالي المعروف، ومع أننا ضد أفكار هذا الرجل والتي هي من القديم منهاج تسير المجتمعات الغربية، فالمنفعة الشخصية فوق كل اعتبار، وكما قال “الغاية تبرر الوسيلة”.
ولكن من جانب آخر مقولة نيقولا واقع معاش، وقد قرأت أن الإمام ابن تيمية قال بمثل هذا(الناس تميل للشر)، وبذلك قال زمرة من الفلاسفة على رأسهم نيتشه، فصاحب كتاب “فينالوجيا الأخلاق” يعتقد أن التسامح والود ليست سوى أخلاق العبيد، اخترعها الضعاف المحتالون الذين لا حول لهم في البطش لقضاء أغراضهم، وفي هذا يقول في كتابه “هكذا تكلم زارا”:
“أكره أولئك الطيبين الذين لا مخالب لهم”
نحن مستبدون بشكل أو بآخر، وأولئك الذين لم ليس لديهم القدرة على الاستبداد يتظاهرون بالطيبة، ولكنهم مستعدون لأن يبطشوا بالآخرين إذا ينحت لهم الفرصة!
هل هذا صحيح؟ هل نحن مستبدون؟
لطالما ارتبط الاستبداد بالسياسة، وتغافل الناس عن أنواع أخرى من الاستبداد، يطلق عليها مسميات مختلفة حسب الوضع، لكن الأصل في جميعها هو الرغبة في فرض الذات على الآخر، أو تحقير الآخر وتحييده.
ولعل الاستبداد مرتبط بالرؤساء والملوك والسادة وهو بعيد كل البعد عن الشعوب المستضعفة والتي لا حول لها ولا قوة.
يعتقد الكثيرون ان هذه الشعوب المستضعفة بريئة وتستحق العطف، وأن ما أصابها ويصيبها بفعل المستبد، وأن الحل الوحيد للخروج بالمجتمع إلى الرفاه والسعادة هو التخلص من المستبد، لكن هل السياسي الذي سرق ميزانية الدولة أو القاضي الذي حكم ظلما، نزلا من السماء؟، لم يحدث ذلك.
لن نناقش السياسي بحكم امتلاكه للسلطة ولن نناقش الرأسمالي لامتلاكه المال، وسنختار عنصر يمثل اللاسلطة، وهو الشناق(بائع الماشية بالتقسيط).
الشناق
الشناق اصطلاحا يطلق على من يشتري الأضاحي من الراعي لا بنية الأضحية بل بنية إعادة بيعها، وقد يشتري الخروف من الراعي هنا ويبيعه في نفس السوق بثمن مضاعف، وهكذا يتحول السوق كله إلى شناق.
يحب الراعي أو الفلاح أن يبيع الخرفان بالجملة عوض الصبر على أيام السوق التي قد تتجاوز العشرة أيام، ومع وجود شناقة محترفين وذوي رأسمال ضخم، تصبح معظم الخرفان وكذلك جيوب في يد الشناقة.
يعمل الشناق كما يعتقد هو وفق قواعد السوق فهو تاجر، وليس سمسار يأخذ النسبة، وبما أن التجارة حلال فيتسأل الشناق دائما عن سر العداء بينه وبين المواطنين!
لا يجد الشناق وغيره من الوسطاء الذين يملؤون أسواء المفرب، ويرفعون الأسعار أضعافا مضاعفة أمام عجز الحكومة التام وكأنهم قطاع طرق في أفلام الغرب الأمريكي، حرجاً فيما يفعل، وعوض أن يراجع نفسه ويختار أن يتاجر بالحلال وألا يرفع الأسعار بغية الكسب مضاعف وغير قانوني، يصر على أن ما يقوم به قانوني وحلال مئة بالمئة.
فهل يخيل لعاقل أن عملا يرفع الأسعار ويحتكر السلع ويتلاعب بالسوق، قانوني؟
هل يتصور مسلم أن مثل هذا العمل حلال؟
ما يمكن استنتاجه من خلال مثال الشناقة الذي لا سلطة له ومع ذلك يفتك بالناس، أن الإنسان يغلب عليه طابع الشر وحب النفس، حتى خيل إليه أن مصلحته الشخصية مقدمة على الكل، فليذهب الجميع إلى المحرقة وأبقى أنا، أو المثل المشهور “أنا ومن ورائي الطوفان”، وغالب الأشرار إنما اختاروا الشر تحقيقا لنزواتهم الشخصية، فالشجع والقتل والاغتصاب كلها أمور مرادفة لحب النفس المفرط الذي يرتد سلوكيات مشينة وتصرفات عدائية.
فأما الخيِّر فقليلا ما تجده يقدم نفسه بل غالب الأحيان يهمل حاجياته لتلبية حاجيات الآخرين(هذا لا يعني إهمال النفس أو إنكارها وإلا انقلب الأمر)، وهو كيس فطن، وبينه وبين الناس المودة والإخلاص، فلا يستطيع أن يتصور نفسه غنيا من وراء إفقار الآخرين، أو قويا من ضعفهم، وهكذا.
وهنا يجب أن أشير إلى قصة الراعي اليوناني، ماذا سيفعل الشناق لو حصل على الخاتم السحري؟
رجل لا يمتلك أي سلطة وأي قدرات يبيع ويشتري في محن الناس وتعاستهم، ماذا سيفعل إن أمسك بزمام السلطة أو منح قوة سحرية.
– الشناقة.. ظاهرة تتعدى عيد الأضحى
سأعود لأستشهد بقولة نيتشه “كم أكره أولئك الطيبين الذين لا مخالب لهم”
إن المجتمع الذي بني على أن المال هو القوة وأن حسن المعاملة ضعف، لا يرجى منه الصلاح إلت ما رحم ربي، والمجتمع المؤسس على نظرية العرض والطلب، والصراع من أجل البقاء، والبقاء للأقوى، لا تنتظر منه سوى الشعب من الشناقة والمستبدين الذي ينتظرون فرصتهم.
يكثر الأشرار والشر في المجتمع الذي لا يطبق فيه القانون على الجميع، وكما قال السياسي الرومان شيشرون “عدم إنزال العقاب يكثر الأشرار”، والدولة التي لا تتأسس على العدالة الاجتماعية وتوزيع عادل للثورة يكثر فيها الأشرار، بل يتحول فيها الأخيار مع مرور الزمن إلى أشرار!
فعندما يعيش الرجل الطيب في مجتمع يؤمن بالقوة، وحين يجد أن الكل ينتظر يمكن أن يدوسه بالنعل كي يصعد الدرج-حتى من أقرب المقربين- ماذا تتوقع منه؟
وإذا ما ركزنا في مجتمعنا وجدنا الشناقة تتعدى العيد لتمس كل شبر من ثوب المغاربة، وسأعطيكم أمثلة على ذلك:
-السياسي الذي يعد الناس بوعود كاذبة ثم يختفي بعد انتخابه أو يتسلط عليهم، شناق؛
-المسئول الذي يفرض لغة المستعمر وقوانينه، شناق؛
-التاجر الذي يحتكر السلع ويرفع الأسعار، شناق؛
-سائق الأجرة الذي يختار بين الزبائن، ويطيل مسافة الرحلة كي يسرق درهم أو درهمين، شناق؛
-الأستاذ الذي يميز بين التلاميذ ويجبرهم على الساعات الإضافية، شناق؛
-المثقف الذي يستورد أفكار دخيلة وفاسدة ويحاول نشرها في مجتمعه، شناق؛
-القاضي الذي يتلقى الرشاوي ويتلاعب بحيوات الناس، شناق؛
-الأستاذ الجامعي الذي يفرض شراء كتبه أو يبتز الطلبة للقبول في الماستر أو الدكتوراه، شناق؛
-المدير الذي يظلم موظفيه ويفضل/يحابي بعضهم على بعض، شناق؛
-رب العمل الذي يظلم العمال ولا يؤدي حقوقهم، شناق.
-الحكومة التي تفقر شعبها وتضع يدها في يد الشركات والرأسماليين، حكومة شناق؛
-الجار الذي يؤذي جاره ويتلصص عليه أو يكشف أسراره، شناق.
يقول الله تعالى “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”
فهل المغاربة يريدون تغيير تصرفاتهم، أم أنهم مرتاحون بأداء دور الضحية والتباكي على وسائل التواصل الاجتماعي؟
متى سيفهم المغاربة أن الإصلاح يبدأ بالفرد؟
خاتمة القول
لطالما كان المغاربة أهل الخير والصلاح؛ وهذا الفضل لم ينقطع ولن ينقطع أبدا، إلا أن المجتمع المغربي بدأ ينحدر بشكل مخيف للغاية، انحدار أيقنه المغاربة، صغيرهم وكبيرهم، ولكن الإشكال أن المجتمع وكأنه استسلم للانحدار، وكلما تقدمنا كلما شعرنا بأن سرعة انحدارنا تزداد، وليس أمامنا من سول حل واحد، فكل الحلول التي اقترحت قد باءت بالفشل؛ وهذا الحل هو الرجوع للإسلام.
وعلى المغاربة أن يصلوا في كل ليلة سجدتي شكر لله على دخول الإسلام إلى شمال إفريقيا، فلا أستطيع تخيل مجتمع مغربي دون إله، فمع الخوف من الله ومع الإسلام ومع الدعاة والمساجد إلا أننا في مجتمع الكل غيه شناق، فماذا تتوقع إن كنا مجتمعاً من الملحدين؟