بسم الله الرحمن الرحيم. والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. أحبابي الكرام:
إلا الصوم! فإنه لي وأنا أجزي به!
ذلك هو الشرف السابق الذي رفع الصيام عاليًا في منازل القرب من رب العالمين سبحانه وتعالى، وجعل البيان عنه بيانًا خاصًّا فريدًا لا يشبه سائر العبادات.. فإنه لي.. لرب السموات ورب العرش رب العالمين الذي له الكبرياء سبحانه وبحمده..
وجعله الملك العليُّ سبحانه وبحمده ظرْفًا لتنزل البركات والرحمات، وأنوار الوحي والهداية، فقال تعالى شهر رمضان الذي أُنزِل فيه القرءان هُدًى للناس وبينات من الهدى والفرقان..
فكان موسم هداية مضاعفة، وشرفٍ باذخ يتخلص فيه العبد من غبار الفانية ويعلو فوق رماد الشهوات والملذات إلى اللذة العظمى والمقام الأسمى بالقرب من رب العالمين صيامًا يحفه زجل الألسنة بالقرءان والذكر والضراعة الخافتة بالأفواه الصائمة والقلوب الخميصة من الدنيا..
ومع تلك الرهبة والمنزلة العظيمة لعبادة الصوم، لم تزل بعض النفوس المعتمة التي صدئت فيها أنفاس الرحمة وأصرت على الشقوة بالجراءة على رب العالمين، ومنازعته في تلك العبودية الجليلة التي قال فيها كلمة ترهب النفوس وقعها: إلا الصوم فإنه لي!
فتحاربه بالدعوة إلى انتهاك حرمة هذه العبادة المنسوبة للملك جل وعلا هذا الانتساب الجليل، وتدعو إلى الإفطار علانيةً، محاربةً لله، وانتهاكًا لحرماته!
ولو دعوا إلى الإفطار وحده لكان جُرمًا يفرق منه قلب كل مسلم، فكيف وقد جمعوا إليه سوءة الإعلان التي تنطق بالمعاداة والمعاندة لشرع الله تعالى والإيذاء لعباد الله المسلمين في خصوصياتهم، ومفارقة لدين المغاربة الذين عُرفوا في العالمين بحب القرءان وتعظيم القرءان وشهر القرءان!
ومما قد يزيد الفتنة قتامةً قولُ بعض أهل العلم الأفاضل الأكابر والذي عرف بفقهه الغزير. والذي طالما أشعل الناسُ من أقواله جِذوةَ الغيرةِ على دين الله. والدفاع عن حرماته. وما كان لمثلي أن ينصح مثله وهو الجبل الأشمّ في العلم. وأنا العبد الفقير الذي يسعى إلى أن يكون متعلما من أمثال الشيخ الريسوني حفظه الله ورعاه. وأنا في أرقى أحوالي طويلب علم. ولكنَّ الحق هو الحق. ولا بد من الرجوع إليه.
فما قاله سيدنا الفقيه الريسوني قد يتلقفه أولئك الذين يدعون إلى إلغاء قانون تجريم الإفطار العلني. ويتخذونه جسرا يعبرون عليه إلى مآربهم التي تمسخ صورة المجتمع وتكدِّر صفوه. وتدمر لُحمته. وتُشِيعُ عنه صورة مغلوطة فيما يتعلق بهويته واعتزازه بدينه. فهل يقبلُ أحدٌ من أهل الغيرة على دين الله وعلى رأسهم شيخنا الريسوني أن يُرى أحد يفطر في نهار رمضان عامدا متعمدا. ثم يُتغاضى عنه بحجة أنه تافه ولا يشكل شيئا. فإن الشر إن تُرِكَ تناسل. وقد يصل الحال بهؤلاء إن لم يؤخذ على أيديهم إلى أن يجلسوا في المطاعم في نهار رمضان. ثم يأتي بعد ذلك من يطالب بحرية الشذوذ. ثم يأتي من يطالب بحرية الإلحاد. فماذا يبقى بعد ذلك؟
إن قول هؤلاء ودعوتهم إلى الإفطار من المنكر العظيم الذي لا يجب السكوت عنه. بل يجب أن يحارب في مهده. وتغييرُه هنا طبعا يتحمله أصحاب الشأن. وهذا هو الحاصل والحمد لله. إن ما قاله شيخنا الريسوني حفظه الله وسدده يصدق عليه قول سيدنا الحافظ الذهبي: أي سكتة فاتته!
ونحن نخالف الدكتور الريسوني حفظه الله وندعوه بما عُهِد فيه من فقاهةٍ واعتزاز بالإسلام إلى مراجعة ما قاله. أخذا بسنن الكبار الأماجد. كما في وصية الفاروق رضي الله عنه لسيدنا أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: “لا يمنعك من قضاءٍ قضيتَهُ اليوم فراجعت فيه لرأيك وهديت فيه لرشدك. أن تراجع الحق. لأن الحق قديم. لا يُبطِلُ الحق شيء. ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل“.
هذا مع حبي وتقديري للشيخ الفاضل الدكتور الريسوني وتقبيلي ليده.. والله يوفقنا جميعا لسلوك طريق الهدى والرشاد..
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. محبكم وحافظ عهدكم وودكم عمر بن أحمد القزابري.