الشيخ عمر القزابرى لـ«الأهرام»: «المصريون» يتربعون على عرش التلاوة وطريقة «الكتاتيب» الأفضل للحفظ
هوية بريس – وكالات
حوار فضيلة الشيخ عمر القزابري مع جريدة الأهرام المصرية
القارئ المغربى الشيخ عمر القزابرى لـ«الأهرام»: «المصريون» يتربعون على عرش التلاوة..
القراءات تكمل بعضها وتعددها رحمة وتوسعة.. وطريقة «الكتاتيب» الأفضل للحفظ
أحب مصر وأهلها وأدعو الله أن يحفظها ويصونها.
القارئ المغربى الشيخ عمر بن أحمد القزابرى، قارئ وإمام مسجد الحسن الثانى، بكازابلانكا فى المغرب، من الأصوات، التى تسلل جمالها إلى العالم الإسلامى، وانتشر صوته على الفضائيات، وعمل بأحد المساجد بجوار الحرم المكى، لعدة سنوات، وأتم حفظ القرآن الكريم فى سن العاشرة، وأكمل دراسته الفقهية بالسعودية وعمل بها لأكثر من 15 عاما.
ويصف الشيخ عمر فى حواره لـ «الأهرام»، القراء المصريين بأنهم لا يزالون يتربعون على عرش التلاوة بجميع القراءات، مشيرا إلى أن الشيخ مصطفى إسماعيل واحة الإبداع، والشيخ محمود خليل الحصرى يحفظك القرآن بمعانيه، والشيخ عبدالباسط عبدالصمد تستمع له بقلبك، والشيخ محمد صديق المنشاوى متفرد فى تلاوته، موضحا أن تعدد القراءات والروايات رحمة وتوسعة من الله على الأمة، وأفضل طريقة للحفظ هى الكتابة على اللوح، مثلما كان فى زمن الكتاتيب، وإلى نص الحوار:
برأيك ومن خلال دراستك لاختلاف وتعدد الروايات العشر للقرآن كيف ترى أثر هذا التنوع؟
الاختلاف فى القراءات أو الروايات الصحيحة للقرآن الكريم، هو من باب التنوع والتغاير، وليس التضاد أو التناقض، والله عز وجل يقول: «ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا»، وفى هذا المعنى يقول ابن تيمية، رحمه الله: «ولا نزاع بين المسلمين بأن الحروف السبعة، التى أنزل القرآن عليها، لا تتضمن تناقض المعنى أو تضاده، بل يكون معناها متفقا ومتقاربا»، والقراءات التى يتغاير فيها المعنى كلها حق، وكل قراءة منها مع القراءة الأخرى بمنزلة الآية مع الآية، يجب الإيمان بها، واتباع ما تضمنته من المعنى علما وعملا، ولا يجوز ترك إحداهما من أجل الأخرى، وتعدد القراءات باختصار يستفاد منه تعدد المعانى، فكل قراءة زادت معنى جديدا لم توضحه أو تبينه القراءة الأخرى، وبهذا اتسعت المعانى بتعدد القراءات، وهذا التنوع فى قراءات الآيات القرآنية يشبه ظاهرة تكرار القصص القرآنى، فكل آية أو واقعة تبين معنى جديدا، لم تبينه الآية أو الواقعة السابقة، وكذلك له أثر فى التفسير، وفى الأحكام الفقهية، ويجب على الإنسان أن يسلم ويؤمن بأن القراءات القرآنية كلها من عند الله وبعضها يكمل بعضا ويشرحه.
وما الحكمة من ذلك التنوع؟
الروايات الصحيحة المتعددة للقرآن، كلها من عند الله ويجب التسليم بذلك، وليست من باب التحريف، بل من باب التوسعة من الله على الأمة، فالقرآن الكريم أنزل من عند الله على «سبعة أحرف»، لتسهيل التلاوة على أفراد الأمة، وهذا من رحمة الله، وتيسيرا لتلاوتها عليهم، ونقلت القراءات إلينا بالتوافق، ونجد أن القراء قد كثروا وانتشروا، والخلف جاء بعد السلف، واختلفت صفاتهم، فلا تناقض فى مقاصدها، بل بعضها يصدق بعضا، وتنوع المعانى يفيد كل منها حكما يحقق مقاصد الشرع، مع اتساق معانيها، وانتظامها فى وحدة تشريع محكمة، لا تعارض بينها ولا تضاد فيها، وأنزل على سبعة أحرف، لتيسيرها على اللهجات العربية، ورحمة لهم، ولا نقص فى معانيها، ولا تناقض فى مقاصدها، بل بعضها يصدق بعضا ويبين منزله، ولا تحريف ولا تبديل، ومن حكمة ذلك أيضا التوسع فى المسائل المتعلقة بالتفسير فى القرآن وأحكامه الفقهية واستيعاب اللهجات العربية.
حدثنا عن رحلتكم مع حفظ وتلاوة القرآن الكريم؟
بدايتى مع القرآن، أكرمنى الله بوالد من أهل القرآن، وكان من الأئمة، فكان إماما وخطيبا، رحمه الله، وكان يقوم الليل بالقرآن، فتأثرت بحاله، وأعجبت بأخلاقه وأحواله، فسلكت طريقه، ونهجت نهجه فى باب القرآن، فكان هو قدوتى ومعلمى المفضل، وبدأت بحفظ القرآن وكنت أقرأ معه القرآن وأنا طفل صغير، وذهبت إلى مجموعة من المشايخ، وأفضل طريقة للحفظ، هى الكتابة على اللوح، «ما كان يحدث فى الكتاتيب»، صفحة أو نصف صفحة، أحفظها، ثم أقرأها غيبا، ثم يصححها لنا الشيخ، وكلما حفظت أخذ الملاحظات من أبى أو الشيخ، وختمت القرآن بفضل الله، وعمرى 11عاما، ثم قرأت على مجموعة من الشيوخ، منهم، الشيخ عبدالكبير أكبوب، والشيخ مولاى مصطفى اليحياوى، والشيخ مولاى سى أحمد.
وكيف تنظر إلى المدارس المصرية فى التلاوة؟ ومشايخها؟ وهل تأثرت بها؟
المدرسة المصرية تتبوأ القمة بلا شك، من حيث القراءة والإقراء، فقد بزغ فيها نجوم، فى القراءات العشر، لا يتسع المقام لذكرهم، لكثرتهم ونبوغهم، وبزوغهم، وعلى مستوى الأداء، فالمدرسة المصرية لا تزال تتربع على عرش التلاوة، فى العالم، حيث بسطت رواقها فى ميدان القراءة، وما من قارئ الآن يقرأ إلا وهو متأثر بأحد القراء المصريين، ويكفى أن هؤلاء القراء إذا ذكرنا منهم: الشيخ محمد رفعت، آية من آيات الله، ومدرسة لوحده، فى أدائه وصوته، والمعانى، وتمكنه من مخارج الحروف والقواعد، فمن يسمعه يشعر أن قلبه يخشع، أما الشيخ محمود خليل الحصرى، فحينما تسمعه تشعر أنك تحفظ القرآن، ويوضح لك معانيه، وكذلك حينما تستمع إلى الشيخ محمد صديق المنشاوى فله طابع خاص فى الأداء، وصوته الشجى الذى لا يبلى، جمال لا تذبل معالمه، «صوت قوى ندى بهى»، وخلف هذا الصوت قلب يفيض بحب الله، وتصعد تلاوته لتهب على المستمع نفحات علوية سماوية، فما أعذبه، كأنه يقرأ فوق جبال مسك، ينثر من طيبه على السامعين، أما شيخى ومعلمى مصطفى إسماعيل، فكان واحة الإبداع، وهو قارئ متفرد، وطائر مغرد، وهو ملك من ملوك الأداء، أما الشيخ محمود البنا، فهو صوت أصيل، وتوأم الإبداع. وقرين الإمتاع.
شهد له الكبار، وبلغ صوته الأقطار. والشيخ كامل يوسف البهتيمى، حينما تسمعه تنتظر الآية بعد الآية، أما الشيخ عبدالباسط عبدالصمد، فجعله الله من عباده الذين اصطفى، فقد وضع الله له قبولا عجيبا فلا يسمعه أحد إلا أحبه، تنجذب القلوب نحوه طواعية وهو الحب الذى لا يباع ولا يشترى، والشيخ راغب مصطفى غلوش، حينما يقرأ يرتفع عن دنيا الناس، والتحلق بعالم ليس فيه إلا النور والصدق، والجلال.
ماذا عن ارتباطك بمصر وأهلها؟
من أراد أن يشم عبق الحضارة فما عليه إلا أن يقول: مصر ويصورها.
ولقد عشقتها من ضحى عمرى وسهرت الليالى أقتطف من دوانى جناها، مصر التى جثى التاريخ على ركبتيه عندها، وأرخى الزمان سمعه يلتقط المعانى المنبعثة من أحنائها وأنحائها، إنى أحبها وأحب أهلها وأرفع أكف الضراعة إلى الله أن يحفظها ويصونها.