الشيخ عمر القزابري: الإِنْسَانُ وَالقُرْءَانْ…!
هوية بريس – الشيخ عمر القزابري
بسم الله الرحمان الرحيم. والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين..أحبابي الكرام:
جاءت فرصةُ تأسيسِ النفسِ على مَنهجِ القرءان..تأسيسا يتصل مِن خلاله خيط النور بالأسلاف الأطهار..فرمضانُ ظرف التنزُّل..والصوم فيه احتفاء واحتفال بهذا التنزل الكريم..واستمعوا الى ربنا يقول في مقام التعريف..بالشهر الكريم المُنيف (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) فالقرءان هو الهدى والنور..وهو السبيل الى تحقيق التقوى التي هي وصية الله للأولين والآخرين (ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله) فبقدر تعاطيك مع القرءان بقدر ما تقترب من رياض التقوى..بقدر ما تقترب تُوهَب..وبقدر ما تبتعد تُحجب وتُسلب..والهدى الذي هو القرءان لابد لتحصيله من تدبر وتأمل..ووقوفٍ عند المَثُلات والعِبر..وهذا لا يتحقق بالقراءة السريعة التي يكون همُّ القارئ فيها آخر السورة..ليقول بعد ذلك قد ختمت عشر ختمات..هذا حَسنٌ بَسن..إذا ترك أثره فيك..تأدبا وانكسارا وخضوعا وسكينة وتطامنا..وارتفاعا عن الدنايا والسفاسف..ورحمة تغمرك لتنثرها على مَن حَولك وُرودَ رِفق وصفح وغَفرٍ وستر..هذه بعض آثار القرءان في قلوب التُّلّاء بحق وصدق..لا تخبر الناس كم قرأت وكم ختمت..ولكن دعهم يرون فيك قرآنا يمشي بينهم..بصمتك وسمتك..وحسن منطقك. وجميل عبارتك..وتواضعك وصدقك وتصدقك. وبِرِّك وابتسامتك..فليست البطولة في كثرة الختمات..فرب ختمة واحدة متأنية..مخلوطة بالدمع..هادئة ينعكس أثرها في سلوكك خير من مئات الختمات لا تثمر هذه الألوان من الخلُق المتميز..احرص على النية وعَظِّمها..فإن تعظيم النيات هي تجارة قلوب الصحابة رضي الله عنهم..والعارفين بالله والعلماء الربانيين..فإن الله تعالى غيور على قلوب أصفيائه..لا يحب أن تركن ولا أن تقصد غيره..فالله يريد قلبك له..وتلاوتك له..وكل عملك له..فاحرص على النية..واستعن عليها بالخفاء…فإن المتلذذين بحق هم أهل الإخلاص..الذين صفت قلوبهم وخَلُصت من شوائب التشوف وحب المحمدة والثناء…نعم رمضان موسم الخيرات والمبرات..ولكن بعلم وبفهم..وبعزم على الاستمرار على الطاعة في كل الأوقات..
إنَّ طبيعة الإنسان في حاجةٍ إلى هداية القرءان..ذلك أنه يستهدف بتوصياته البيِّنة..وتوجيهاته النيرة جوْهر الإنسان..وحياةَ الإنسان..فيخاطبُ عقله . ويراقبُ قلبه..ويدافع عن إيمانه..ويدفعه إلى ما يَعنيه..ويصرفه عما يُعَنِّيهْ..وينهاه عما يُرديه..وعن كل ما لا نفع فيه..فإذا عَقِل عَقْلُ الإنسان..وآمن قلبه..استقامت جوارحه..وتحسنت جوانبه..وطابت حياته واستوت..ونهضت أسبابه وارتقت..وإذا فسد عقله.. وتاه قلبه.. فسدت أوضاع حياته..وكسدت سائر محاولاته…ومن هنا فإن الإنسان في أمَسِّ الحاجة إلى هديِ القرءان..ليخفف عنه من غوائل النفس والشيطان..وليوضح أمامه الصورة..ليسلك الطريق على هدى من الله وبصيرة…وهذا لا يتأتى إلا من بوابة التدبر..قال منزل الكتاب..جل وعز.. (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب) فالتدبر مفتاح التذكر..والتذكر هو وقود العمل..والطاقة الضامنة لاستمراره…
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..محبكم وحافظ عهدكم وودكم عمر بن أحمد القزابري.