الشيخ عمر القزابري يكتب: المَخَاضَةُ الإلِكْتْرُونِية…!
هوية بريس – الشيخ عمر القزابري
بسم الله الرحمان الرحيم. والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.. أحبابي الكرام:
لا يسلمُ أيُّ شيءٍ مِن خيرٍ وشرّ.. ويدخلُ تحتَ هذه القاعدة.. الواتساب.. هذه الوسيلةُ من وسائل الاتصال التي قرَّبتِ البعيد.. ولكنَّها مع الأسف بعَّدتِ القريب.. فغدا الكل يخترق الآفاق كأن على رأسه الطير..
لقد غدا الواتساب فعلا مِن مَصادر الإزعاج..خصوصا من طرف الذين يحاولون اختراق الخُصوصية..فتجده يُغرقُك بالرسائل بالليل والنهار..وإذا لم تردَّ عليه..جاءتك علاماتُ الاستفهام منه وكأنَّك جالسٌ للرد فقط..لا شيء يشغلك..لا ارتباطات. لا أولاد..لا أحوال نفسية..إلى غير ذلك من ألوان الصَّوارف والشواغل..وما أكثرها في هذا الزمان.. من الذوق في التعامل مع الواتساب التعامل معه كما الاستئذان…قال صلى الله عليه وسلم: (الاستئذان ثلاث. فإن أُذنَ لك وإلا فارجع) علينا أن لا نكون ثُقلاء..نزعج الناس بالرسائل ولا نهدأ حتى يردوا..هذا إرهاق..واقتحامٌ لسكينة الانسان..ثم كيف ومتى يرد الذي تصله مئات الرسائل.. الانسان ليس آلة ولا جهاز كمبيوتر..الانسان محدود القُوى..تحيط به ظروفٌ ومشاغل..وعلى المسلم أن يَعذرَ أخاه..وأن لا يكون أنانيا..
ومن مصائِبه العِظام..نشرُ الإِشاعة والترويجُ لها..والمُتلقي مع الأسف يتلقَّى بِلسانِ حاله..فيعيدُ الإرسال..دون تثبُّت أو تبيُّن.. وربنا يقول: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) وتطبيق الواتساب هو في الحقيقة انعكاسٌ لمشاعرِ الجمهور وسواد الناس..ويتسم باللامسؤولية البعيدةِ عن المنطق والعقلانية..لذا فهو مَرتعٌ الإشاعات… وداهيةُ الدواهي عندما تأتيك رسالةٌ فيها الكذب الصُّراحُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم..أحاديث مكذوبة وضعيفة..وفي الأخير تجد جملة.. انشرها ولك الأجر.. وأنا أقول لا تنشرها ولك الأجر..
وبعضُ الرسائل تجد فيها مايضحك ويبكي..من قَبيل قولهم..فلان نشرها فجاءه خبرٌ مُفرح..وحصَّل أموالا..وفلانٌ استخَّف بها فانهدم بيته..وهذه الألوان من البلادة والبلاهة لا تتناسب البتة مع من عنده أدنى مُسكةٍ من عقل….لا أشك أبدا أنَّ خلف تلك الرسائل..من يريد تشويهَ الدين وربطَه بالخرافات والأباطيل..ورغم أن تطبيق الواتساب يعزز سذاجة التفكير..إلا أنه ليس المتهم الوحيد..فما هو إلا أداة يعكس ضعف وعي المجتمعات الإسلامية في ما له علاقة بالعلم الشرعي..
صحيحٌ هناك عاطفة دينية جيَّاشة..ولكن لا بد أن تُضبَط بالعلم..ومن لم يعلم فليسأل..فإنما دواء العِيِّ السؤال…فمن شارك بنشر حديث مكذوب فقد افترى إثما عظيما لقوله صلى الله عليه وسلم: (من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار).
كذلك من الأمور الغريبة.. أنك تفتح عينيك صباحا..فتجد نفسك قد أُضِفْتَ إلى مجموعات لا علم لك بها..ولم تُستأذن أصلا..من حق أي شخص قبل أن تضيفه لمجموعة ما أن تستأذنه قبل إضافته..حتى لا يُحرجَ إذا خرج من المجموعة.. هذا بالإضافة إلى أنَّ بعض المجموعات تقع فيها ألوان من المحاباة..فقد يُسمح لأحد قول مالا يُسمح لغيره.. وما إلى ذلك من ألوان المفاضلة… وفي بعض المجموعات تجد دكتاتورا صغيرا لا يقبل مناقشة فكرته بلهَ رفضها…
كذلك بعضهم كل يوم يرسل رسائل تخويف وتحذير ووعظ شديد..وكأنك مُجرم..فابن مسعود رضي الله عنه رفض أن يعظ أصحابه كل يوم..وكان يعظهم كل خميس ويقول: (كان النبي صلى الله عليه وسلم. يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة علينا).
هذا التطبيق مجال للدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة..والتعارف..وقضاء الحاجات..والسؤال عن الأرحام والأحباب والأصدقاء..ولا بأس بالطرف والملح..
ولله در القائل:
وَروِّح القلب بذِكْر الطُّرف***فإن ذاك من صنيع السلف
وهناك مجموعاتٌ عبارة عن مناراتِ علم وهدى..وفقه وأدب..فهذه هذه وإلا فلا…
وأخشى على من يوغلون في هذه المخاضة الإليكترونية أن يشملهم قول ربنا في وصف حال السقريين” وكنا نخوض مع الخائضين”، وأخشى على من لقف الكلام بالزور والشائعات فأذاعه أن يقع تحت قوله صلى الله عليه وسلم: من قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال، وليس بخارج..
وأخشى على من ينشر الكذب أن يشمله وعيد الحديث في الرجل الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: “رأيت الليلة رجلين أتياني، قالا: الذي رأيته يشق شدقه فكذاب، يكذب بالكذبة، تحمل عنه حتى تبلغ الآفاق، فيصنع به إلى يوم القيامة“.
والوعيد في باب اللسان عظيم “وتحسبونه هينًا وهو عند الله عظيم“!
وعلى من كان بصيرًا بمرضاة ربه، حريصًا عليها أن يحفظ لسانه، ويتباعد عن هذه “المخاضة الإليكترونية”؛ فقد جعل صلى الله عليه وسلم حصاد الألسنة سبب وقوع الناس على مناخرهم في النار..
فطوبى لمن ملك لسانه، وصرَّفه في الخير وسلم الناس من شره وثقله، وأحبوه لأدبه وفضله، وصلى الله وسلم على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
محبكم وحافظ عهدكم وودكم: عمر بن أحمد القزابري.